عندما يكذب "اليسار" الآذاري.. إلياس عطا الله أعني!
الجمل- أُبيّ حسن - دمشق: ليست الغاية من العنوان الاستفزاز, والنيل من الآخر - الذي (كنا) نحسبه يساراً, مايعني صديقاً-. غايتي ببساطة سرد حادثة جرت معي في بيروت, كان بطلاها كاتب هذه السطور والنائب إلياس عطا الله. ويقيني أن حقي, قدر ماهو واجبي, ذكرها, على الأقل نظراً للحالة النفسية التي اعترتني بعد حصولها معي, وإذ أذكرها أتمنى من كل قلبي أن لاتحدث مع أي زميل آخر لافي شرق الأرض ولا غربها.
لم يسبق لي أن مجدت أو امتدحت النظام البعثي السوري (أخشى أن يأتي يوم أندم فيه على "تقصيري" هذا؟), على الأقل خلال عهديه السابق والحالي. واعتقادي أن من قرأ لي ولو مقالاً واحداً يعرف ميولي واتجاهي. انطلاقاً مما بت أحسبه بدهية أستطيع الافتراض أن النائب إلياس عطا الله عندما وافق على إجراء حوار معي (بعد أن اتفقت معه عبر الهاتف من دمشق منذ قرابة الشهر) يعرف من أنا وماهي ميولي السياسية! فكيف الحال وقد قدمت نفسي صديقاً لحزب الشعب الديموقراطي السوري(وهكذا أجد نفسي فعلاً) رغم انتقادي ومآخذي على الحزب الصديق. ومن المؤكد, أو هكذا أزعم, أن السيد عطا الله لم تذهب به الظنون أثناء اتصالي الأول به حد الاعتقاد أني قد أكون شبيه أحد اثنين: "هسام هسام" و "زهير الصديق", هذا إذا ما افترضنا, اللهم, حسن النية.
أحسنت النية, بعد أن يئست من إجراء حوار مع شيخ الشباب النائب سعد الحريري خاصة أن شيئاً لم يستجد لدى السيد عبد الحليم خدام بخصوص تيسيره كما كان قد سبق أن وعدني صديق مشترك كنت قد طلبت مساعدته, فاعتذر الصديق بلطف كونه لايعرف الحريري (الابن) عارضا عليّ أن يطلب (مشكورا) من السيد خدام. هذا الكلام أصبح له قرابة الثلاثة أشهر, وربما أكثر, ولم يسفر عن شيء, طبعا السيد خدام معذور كونه مشغول بـ "تحرير" سورية من رفاقه, ولاوقت لديه.
لم أستغرب على الصعيد الشخصي عدم إقدام السيد خدام تسهيل شأن الحوار, فهو منذ أقل من عام (تحديداً أوائل العام الجاري) عاتب النائب سعد الحريري بشدة (يحق له, فهو "الشاهد" الملك؟!)لأنني نشرتُ حواراً مع إحدى الشخصيات البارزة في المعارضة السورية في إحدى وسائل الإعلام التي يملكها آل الحريري, وقد تعرضتْ تلك الشخصية آنذاك بالنقد الشديد واللاذع لعبد الحليم خدام (بعيد انشقاقه) متهمة إياه انه أحد أركان الفساد في سورية. وعلى أثر ذلك العتب مُنع نشر حواري مع السيد علي صدر البيانوني في ذات الوسيلة الإعلامية (لم يكن قد تم بعد اتفاق السيدين خدام والبيانوني). إذاً والحال هذه من الطبيعي أن لايخاطر السيد خدام ويسعى للقائي بالشيخ الحريري, فمن المفترض انه يدرك أن قصة تحالفه مع بعض قوى 14 آذار ستكون مادة شهية للحوار, فضلاً عن تاريخه (هل يصح أن نستخدم صفة المشرّف؟), أضف إلى ذلك دخول حركة 14 آذار في صراع الأجنحة داخل النظام السوري (سابقاً), إذ هي, وكما يبدو لي كصحفي مستقل, لم تعاد النظام السوري للأسباب التي تعلنها وتتاجر بها, إنما تعادي تياراً ضد تيار, ومعاداتها هذه تتقاطع بشكل أو بآخر مع موقف السعودية تحديداً وبدرجة أقل مصر والأردن.
ماسلف ذكره كان كفيلاً ودافعاً رئيساً يحثني أن أطرق أبواب الحوار مع الحركة (أو بعض رموزها) عن طريق النائب إلياس عطا الله (من غير أن ننسى صفة اليساري التي يعنون بها حركته). إذاً من هنا كانت البداية إلى إلياس عطا الله, واليكم ماجرى:
بعد أن قدمت بيروت في 13 الجاري اتصلت بالنائب عطا الله حسب اتفاقنا أثناء مهاتفتي الأولى له من دمشق. تواعدنا أن نلتقي ظهر اليوم الثاني في مكتب الحركة الكائن في كورنيش المزرعة. في الموعد المحدد آتي. استقبلني بلباقة تليق بيساري, بعد الحديث الودي والسياسي الذي لم أوفّر فيه (حسب طاقتي وجهدي لاحركة 14 آذار ولا النظام السوري وجلّ معارضته) طلبت منه أن نسجل حواراً من المنطقي أني قادم لأجله, وهو يدرك هذا! اعتذر (أيضا بلباقة, لكن هذه المرة مدروسة بعناية) بذريعة أن لاعلم لديه أني آت من دمشق إلى بيروت بغية تسجيل حوار, فحسب زعمه ثمة التباس (؟!) فقد ظن (ببراءة) أني سأكتفي بإجراء حوار سياسي شفهي بغية تبادل الأفكار(؟!), ولا أدري إن كان يعتقد أني سأسأله عن برجه وعن أحب المأكولات لديه وان كان يرغب إن اقرأ له الفنجان(العلم عند الله)!.
بعد لأي وافق أن نلتقي ثاني يوم(أي 15 الجاري), بغية تسجيل الحوار, بعيد مهاتفة أجريها معه الساعة الحادية عشر ونصف صباحاً. أغادره تاركاً بعهدته رقم الجوال الخاص بالصديق ماهر شرف الدين على أن يهاتفني عليه في حال حصول مستجد لديه.
اتصل ثاني يوم, ببرود يطلب مني معاودة الاتصال بعد ساعة, وعندما تحين الساعة يأتيني صوته معتذرا لأن شقيقه "فجأة" دخل مشفى "الأوتيل ديو" فقد انفجر شريانه الأبهر (عافاه الله) ويخضع لعملية فورية. أعرب له عن مشاعري متمنياً لشقيقه الشفاء العاجل وأتفق وإياه على أن يترك لي خبرا بعد ساعة أو اثنتين (ريثما يطمئن على شقيقه بعد أن يصحو من البنج)عند ذات الصديق.. يمضي الوقت انتظاراً عبثياً؛ أتصل قبيل المغرب, يجيب أحد مرافقي النائب عطا الله, يعلمني أن سعادته غير موجود, أترك خبرا وأكرر الاتصال بعد ساعتين .. النتيجة السابقة تتكرر.. صباح ثاني يوم أعاود الاتصال.. النتيجة ذاتها.. أعود إلى سورية.. أنسى (والأصح أتناسى) الحوار وأحاول جاهداً أن لا أشوه سمعة اليسار أي يسار في مخيلتي ووعي.. يخطر في بالي صباح 18 الجاري أن أتصل بالسيد عطا الله بغية الاطمئنان على أخيه (فالعملية في القلب مو لعبة), يأتيني صوت سيدة, تقول: "إن النائب غير موجود.. ترك جواله في المنزل وخرج".. أزيد فضولي: كيف حال شقيقه بعد العمل الجراحي. تجيبني مستغربة: أي أخ؟ وأي عمل جراحي؟ فجأة تستدرك: لا أعرف. أسألها: من حضرتك؟ تجيب: زوجته.
هل أقطع الشك باليقين؟ نعم, لم لا أقطعه سيما إن السيد عطا الله لم يكلّف نفسه ولامرة عناء الاتصال بغية الاعتذار وتقديم مبرر مقنع عن سلوكه الذي لايليق بيساري. ولذلك لايسعني سوى شكره على "صدقه" المبالغ به معي. ولعله من حقي أن أتساءل: إذا كان بدر منه كل هذا الاستخفاف بصحفي(لندع سوريتي, وتهمة السوري جانباً, على الأقل في نظر 14 آذار), فكيف سيكون حال "صدقهم" ونتائجه مع منتخبيهم من أبناء الشعب اللبناني المنكوب بهم؟ آه.. تذكرت أن السيد عطا الله لم يُنتخب وإنما صار نائبا بطريقة شتان مابينها وبين قوائم الجبهة "الوطنية التقدمية" في سورية البعثية.
ملاحظة ختامية: أعتذر من القرّاء الكرام لكتابتي ما كتبته ولم يكن بودي كتابته لولا جملة قرأتها لأحد الزملاء اللبنانيين في رثائه الشهيد سمير قصير الذي نصحه بالقول: "لاتقل فلاحاً وتصفه بالشريف, لان كل فلاح هو حكماً شريف". شخصياً أؤمن أن كل يساري هو بالضرورة صادق, وقد فجعني أسلوب "اليساري" إلياس عطا الله الكاذب معي.
الجمل
إضافة تعليق جديد