انتقاد أوروبي لـ«تفرّد» هولاند بـ«مكرمة» الرياض
تنظر دول أوروبية عدّة بعين النقد لـ«التفرّد» الرئاسي اللبناني في قبول «المكرمة السعودية» لتسليح الجيش اللبناني عبر دفع 3 مليارات دولار لفرنسا، والتي جاءت مباشرة بعد «الرحلة الرئاسية العلاجية» الى باريس ودون التشاور مع أيّة دولة أوروبية أخرى. وتنتقد هذه الدول تفرّد فرنسا التي همّشت شركاءها في «اليونيفيل»، علما أن ثمة دولاً أوروبية عدة لها تاريخ طويل في التعاون مع المؤسسة العسكرية اللبنانية.
هذا ما ظهّرته أوساط ديبلوماسية أوروبية واسعة الاطلاع، وهي بدأت الحديث بالتساؤل عن موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان قائلة: «إذا كان سليمان يطرح نفسه رئيسا وسطيّا وتوافقيا، فلمَ اختار أن يكون طرفاً الى جانب فريق لبناني معين هو 14 آذار؟ إنّ قبول هذه الهبة من الرئيس سليمان في التوقيت الحالي، ووسط المناخ السياسي المحتقن، وبعد زيارة له للسعودية حيث التقطت له صور الى جانب زعيم المعارضة اللبنانية سعد الحريري وفي دولة خليجية تجاهر بالعداء لـحزب الله وللفرقاء الدائرين في فلكه، ثم سفره منذ 10 أيام الى فرنسا تحت ستار رحلة علاجية، وهي في الواقع رحلة وضع خلالها اللمسات الأخيرة على الاتفاق السعودي - الفرنسي، يطرح أكثر من علامة استفهام لدى أكثر من دولة في الاتحاد الأوروبي».
وتقول هذه الأوساط الأوروبية، التي هي على تواصل دائم مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين، إنه «لو أعطيت هذه المساعدة للجيش اللبناني بأسلوب آخر، من دون أن تكون لها أبعاد سياسية واضحة ضدّ فريق معيّن، وعبر مجموعة الدعم الدولية التي شُكّلت في نيويورك في أيلول الفائت أو عبر صندوق تعاضد دولي من أجل الجيش اللبناني، لكانت فائدتها أكبر. في حين أن هذه المساعدة التي قَبِلها رئيس الجمهورية اللبنانية دون التشاور مع أحد من الفرقاء اللبنانيين، ستطرح علامات استفهام من القوى السياسية المحلية عن كيفية توظيف هذه المكرمة سياسيا».
الجيش و«حزب الله»
وبرأي الأوساط الديبلوماسية الأوروبية، فإن «هذا التوظيف السياسي ذو هدف ذكي جدّا، يتمثّل بإيقاع الشقاق بين الجيش اللبناني - وخصوصا فريقاً من مكوناته ــ وحزب الله». وتعتبر أنها «خطّة ذكية جدا للفصل بين الجيش وما يسمّى المقاومة ممثلة بحزب الله، تتبعها بعض الدول وفي مقدمتها فرنسا، وهي تنمّ عن عدم اطلاع وافٍ على تاريخ العلاقة بين الطرفين في العشرين سنة الأخيرة».
وتشير الأوساط الى أن «بعض الجهات اللبنانية قد تتقاسم الفكرة ذاتها مع هذه الدول، ومنهم القائد الدرزي وليد جنبلاط الذي يرغب بأن يقوم الجيش اللبناني بدور حزب الله في المقاومة وضبط الحدود، ولكن بالتفاهم مع الحزب وليس عنوة كما ترغب بعض الدول ومنها السعودية وفرنسا» بحســـب ما تشـــير هذه الأوســاط الواســـعة الاطلاع. وتنتقد الأوساط الديبلوماسية الأوروبية لعب فرنسـا دور الـ«ســـولو» في الملف اللبــناني «من دون استشارة أي دولة أوروبيـــة من شــركائها في اليونيفيـــل، وخصوصا على أبواب اجتماع دولي في روما هدفه دعم الجيش».
«الدّعم الدولية» لن تمرّر الهبة
وتتوقف هذه الأوساط ملياً عند إصرار الفرنسيين في مناسبات عدّة أثناء اجتماع الدول الأوروبية، وخصوصا في إطار «مجموعة الدعم الدولية»، على أن تكون دوماً ممسكة بملفّ الدفاع اللبناني، وطالما تهامست دول أوروبية عدة متسائلة عن سبب هذا الإصرار، إلا أن الجواب الشافي جاء في إعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان القبول بـ«المكرمة السعودية» عبر فرنسا التي لم تأخذ بدورها عناء إخبار الدول الأوروبية الأخرى عما تنوي فعله. وتقول هذه الأوساط الأوروبية الواسعة الاطلاع إن «هذه المساعدة السعودية للجيش اللبناني يصعب تمريرها أوروبياً، ليس فقط لأنها تحتاج الى انعقاد مجلس وزراء لبناني للتصديق عليها وقبولها رسمياً بآلياتها التي ستكون معقدة، ولكن أيضا لن تمرّ في مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان المعنية جميعها بدعم الجيش اللبناني عبر الخطة الخماسية التي قدمها. بمعنى آخر إن هذه الدول لن تسمح لفرنسا بالتفرّد في هذه الخطوة التي تعني الدول الأوروبية قاطبة، وهذه الدول قادرة على عرقلة الخطوة الفرنسية بشتى الطرق، لأن التسليح ليس وحده ما يحتاج اليه الجيش بل التدريب والقطع اللوجستية وآليات أخرى مكمّلة للسلاح. وتعلق هذه الأوساط: «سرعان ما ستجد فرنسا نفسها معزولة أوروبيا في هذه الخطوة الناقصة التي قامت بها، وهي لن تستطيع تمريرها حتى لو حصلت على الأموال السعودية».
تسرّع فرنسي ــ «سليماني»
برأي الأوساط المذكورة أن الرئيس سليمان تسرّع وانجرّ الى هذا التفرّد الفرنسي كما انجرّ الى الاصطفاف غير المفهوم أوروبيا الى جانب فريق لبناني دون آخر. وهنا تطرح الأوساط الأوروبية أسئلة عن سبب الاصطفاف الفرنسي الواضح والذي لا ريب فيه الى جانب فريق لبناني دون آخر هو فريق «14 آذار»، وعن اتباع فرنسا لتحالف مع السعودية هو باعتقادها «لمصالح وصفقات أسلحة تحتاج اليها فرنسا لتنمية اقتصادها، ولتوجيه رسائل المرارة والعتب للولايات المتحدة الأميركية التي خذلت فرنسا مرتين: الأولى عند التمنّع عن ضرب نظام الرئيس السوري بشار الأسد كما اشتهى فرانسوا هولاند، والثانية عبر بدء أميركا مفاوضات سرية بوساطة عمانية مع إيران من دون علم فرنسا». وبرأي الأوساط الأوروبية أنه «ما كان يجب أن تنجرّ فرنسا الى هذا الفخّ من الاصطفاف غير المدروس والأرعن الى جانب فريق لبناني دون آخر، واتخاذها دوراً متحيزاً ظهر جلياً في السعودية على هذا المستوى العالي جدّا وعبر رئيسها فرانسوا هولاند».
وتختم الأوساط تعليقها معقّبة على اغتيال وزير المال السابق محمد شطح فتقول: «هذا الاغتيال يقوّي الصقور لدى كلّ الأطراف ولا يترك مجالا إلا لتشكيل حكومة توصف بالحيادية هي في الواقع مشروع مشكل سياسي كبير، وهي موجهة ضدّ فريق لبناني معيّن»، متسائلة «عمّا سيكون عليه موقف وليد جنبلاط» ومذكرة بأن الأخير «بقي يعارض تشكيل حكومة نجيب ميقاتي بحجة عدم استبعاد فريق لبناني عن السلطة ثمّ عاد وقبل بها وغطاها بحجة حماية البلاد». وتختم الأوساط الأوروبية بسؤال: «هل سيكرر وليد جنبلاط السيناريو نفسه مع الحكومة الحيادية، ولا سيما أن هذه الدول الأوروبية رصدت موافقته وترحيبه بالمكرمة السعودية؟».
مارلين خليفة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد