صحافيون في ميدان الحرب السوريّة: نكون أو لا نكون
كان تدفّق المراسلين الميدانيين، على طرفي الجبهة، أحد أبرز مظاهر الأزمة السورية إعلامياً. يمثّل معظم أولئك المراسلين وسائل إعلام، لا تخفي موقفها ولا تموضعها بجانب أحد أطراف النزاع. ترافق ذلك مع بروز أسماء عدّة، في مجال التغطية الميدانيّة، إلى جانب سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الصحافيين. قبل مدّة، أعلن "الاتحاد الدولي للصحافيين"، سوريا، البلد "الأخطر عالمياً" لممارسة مهنة الصحافة. ولذلك الاختيار مبرّرات عدّة، بدءاً من الهجوم على محطّة "الإخبارية" السورية في حزيران/ يونيو العام 2012 في ريف دمشق، مما أدّى إلى مقتل سبعة موظفين، وصولاً إلى مقتل أربعة إعلاميين دفعة واحدة في حلب على يد فصائل مسلَّحة منذ أسابيع، مروراً بسقوط صحافيين ومصوّرين كثر من وسائل إعلام عربيّة وغربيّة، ممن قتلوا قنصاً أو قصفاً أو حتى مصادفةً، برصاص عابر.
ولا تقتصر قضية موت الإعلامي على رمزيتها، كموت الطبيب أو المسعف في ساحة صراع، وإنما يأخذ النقاش أبعاداً أخرى بعضها قانوني وأخلاقي. من بين تلك الأبعاد ما أثير حول مقتل المصور المتعاقد مع "رويترز" ملهم بركات (18 عاماً)، خلال هجوم كتائب المعارضة على مشفى الكندي في حلب (22/12/2013). مثار الجدل أنّ بركات كان يلتقط الصور من دون درع أو خوذة كما تقتضي إجراءات السلامة الخاصّة بـ"رويترز"، من دون نسيان الجدل حول خوضه، رغم صغر سنّه، في مهنة خطرة، تستوجب تدريباً وتأهيلاً.
السياق ذاته يشمل الإعلاميين "المقاتلين"، على الطرف الآخر، إذ فقدت وسائل الإعلام المحليّة صحافيين كثرا، منهم من خطفوا من بيوتهم كما حصل مع المذيع محمد السعيد (2011)، أو سقطوا قرب ساحات المعركة في كمائن، كما جرى مع المراسلة يارا عباس في أيّار من العام الماضي. يتنقّل مراسلو التلفزيون الحكومي غالباً، بمعرفة الإدارة السياسية للجيش السوري التي تنسّق تحرّكات الإعلاميين، وبيانات الجيش المتتالية، كما انها الجهة المخولة قانونياً التصريح للإعلاميين. والحصول على تصريح مماثل، يعدّ امتيازاً بالنسبة لمن يناله من الصحافيين الأجانب. بدورهم، يحظى مراسلو القنوات القريبة من السلطة بحريّة حركة ملموسة. كما تتاح لبعضهم كمراسلي "المنار" و"الميادين"، فرصة مرافقة الجيش السوري إلى بعض الجبهات. لكنّ القنوات الرسمية تفضّل أن يكون لها سبق الظهور الأجدر في الميدان، ومن دون استعراض، كما يحصل أحياناً مع "نجوم المحطات الفضائية بالخوذة، والدرع الأزرق، بعيداً عن طلقات القناصين"، كما يقول أحد مراسلي التلفزيون الرسمي.
منذ شهرين تمّ إرسال مراسل ومقدم الأخبار في التلفزيون السوري جعفر أحمد، لتغطية دخول الجيش السوري مدينة قارة، فحوصر فجر ذلك اليوم في مستشفى دير عطية الوطني، وشاهد بعينيه مقتل أطباء وجنود. مشهد تكرّر قبل ذلك، حين صوَّر أحمد لنشرة الثامنة والنصف معركة حقيقية جرت في برزة. كان أزيز الرصاص المتبادل، ونقاط استقراره، تظهر جلية في خلفيات الصورة، ومعها حركة المصوّر القلقة، في مشهد قلَّ مثيله على الشاشة المحليّة.
وهنا تبرز قضيّة الحافز الذي قد يسحب مقدّماً من تحت أضواء الأستوديو إلى عمق خندق، لا ليتصوّر فقط، وإنما ليكون شريكاً في الاقتحام وتصوير المعركة! الأدرينالين وحده لا يكفي. والراتب، كما يقول المقدّم والمراسل الميداني أحمد، لا يساوي عشر ما يتقاضاه أي مراسل أجنبي، بل يعادل حوالي 300 دولار. "يبلغ راتب مراسل ثابت في أيّ فضائيّة عربيّة، عشرة أضعاف هذا الرقم شهرياً. كما أنّه لا إغراءات تأمين على الحياة، أو دورات إسعاف أولي، وبالطبع ما من جلسات تأهيل نفسي بعد المحن". يقول أحمد إنَّ قضيّة الحوافز أمر ميؤوس منه، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكن يبقى المحرك الحقيقي "هو الانتماء لجيش البلد"، بحسب تعبيره. بالنسبة لأحمد، وكثر غيره على جبهات هذه الحرب، "القضية هي أن نكون أو لا نكون"، والمهنة هي "جسر عبور".
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد