عبد العزيز بوتفليقة يتجه نحو ولاية رابعة ومئة مرشح رئاسي في انتخابات "مغلقة"
أنهى الوزير الأول الجزائري (رئيس الوزراء) عبد المالك سلال، أمس الأول، الجدل القائم في البلاد حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة. وأعلن سلال، في ندوة صحافية أجراها على هامش افتتاح "الندوة الأفريقية حول الاقتصاد الأخضر" في مدينة وهران، ترشح الرئيس الجزائري للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 17 نيسان المقبل.
وقال إنّ ترشح الرئيس بوتفليقة جاء بناء على إلحاح "من ممثلي المجتمع المدني" لمسه خلال الزيارات التي قام بها إلى 46 ولاية في البلاد "ما ولد قناعة لدى بوتفليقة لقبول الترشح عزما منه على مواصلة المسارات التنموية والإصلاحات الكبرى التي بدأها منذ توليه قيادة البلاد سنة 1999".
وضمن الردود الفعل الأولية، استغرب المسؤول في حملة المرشح الرئاسي الوزير الأول الأسبق علي بن فليس، لطفي بومغار، تصريح سلال من الناحية القانونية. وقال "لا نعتبر إعلان سلال إعلانا رسميا عن الترشح... ومن الغرابة أن يتولى رئيس اللجنة الوطنية للتحضير للانتخابات الرئاسية (سلال) مهمة إعلان ترشح الرئيس لأنه مطالب بالحياد لضمان النزاهة".
في المقابل، ووفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية، فقد أكدت مصادر في رئاسة الجمهورية الجزائرية أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أودع رسالة النية بالترشح للانتخابات لدى وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وسحب استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية للمترشحين.
وبإعلان الرئيس بوتفليقة عن ترشحه ينتهي الانتظار والجدل السياسي اللذين سيطرا على الساحتين الإعلامية والسياسية في الجزائر في الفترة الأخيرة، حيث انقسمت الطبقة السياسية بين مؤيدي ولاية رابعة للرئيس ومعارضين لها. ولا يبرر معارضو الترشح موقفهم بانعدام حق الترشح للرئيس، إذ جرى تعديل دستور العام 1996 الذي يحدد الولايات الرئاسية باثنتين لتصبح وفق تعديل العام 2008 مفتوحة، وإنما بسبب الوضع الصحي لبوتفليقة بعدما زادت رحلاته العلاجية إلى فرنسا. ومنذ دخوله المستشفى العسكري في باريس للمرة الأولى في العام 2005 للعلاج من قرحة في المعدة، أصبح اختفاؤه يثير التساؤلات ويتسبب في انتشار شائعات حول وفاته، كما حدث عند نقله للعلاج في المرة الأخيرة في شهر نيسان الماضي بسبب جلطة دماغية أبعدته عن الجزائر ثلاثة أشهر.
لكن الوزير الأول عبد المالك سلال، الذي أعلن ترشح بوتفليقة، قال إنّ "القدرات الفكرية للرئيس جيدة" وحالته الصحية في "تحسن مستمر"، واستشهد برسالة بوتفليقة التي وجهها إلى الجزائريين لمناسبة "يوم الشهيد" في 18 شباط الحالي، وقال إنها "بخط يد الرئيس نفسه".
تلك الرسالة حسمت كذلك الجدل الذي أثاره الأمين العام لـ"حزب جبهة التحرير الوطني" عمار سعداني حين تحدث عن فشل رئيس جهاز الاستعلامات والأمن الجنرال محمد مدين، المعروف بتوفيق، في الحفاظ على أمن الجزائر، وأثار بذلك عاصفة من ردود الفعل بما بدا وكأنه صراع بين الرئاسة والأمن، وفق مقولة تفيد بأن سعداني مسيّر من قبل شخصيات محيط الرئيس. وجاء في رسالة الرئيس تلك أنّ "دائرة الاستعلام والأمن يتعين عليها مواصلة الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها بصفتها جزءا لا يتجزأ من الجيش الوطني الشعبي".
وكان من أبرز من وقفوا ضد سعداني في "تطاوله" على رئيس دائرة الاستعلامات والأمن الثلاثي المتمثل بالوزير الأسبق أحمد طالب الابراهيمي والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس والمحامي علي يحيى عبد النور، حيث توجهوا ببيان مشترك بعنوان "لا للعهدة الرابعة" عددوا فيه سلبيات السلطة خلال فترة حكم بوتفليقة، الذي حصل "نتاج العصبة التي في السلطة والتي تدفع الآن العنجهية إلى غاية فرض عهدة رابعة ضمن مناخ مؤذ زادت من حدته وضعية متفجرة في جنوب البلاد وتصريحات غير مسؤولة يدلى بها للأسف باسم جبهة التحرير الوطني أيضا".
وعلّق عبد الرحمن بلعياط، الذي يتمسك بصفته كمنسق عام للمكتب السياسي لـ"حزب جبهة التحرير الوطني" ويعمل على الإطاحة بسعداني، على تصريحات الأخير، معتبراً أنّ "الخطير فيها هو اتهام رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع وقائد أركان الجيش (أحمد قايد صالح) بالتقصير للتغطية على ضابط فاشل في أداء مهامه".
هذا إضافة إلى مواقف مناوئة لتصريح سعداني من قبل العديد من زعماء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات متقاعدي الجيش والجنرالات المتقاعدين.
بإعلان الرئيس بوتفليقة عن ترشحه للانتخابات الرئاسية يكون عدد من سحبوا بطاقات الاكتتاب وتقدموا برسائل نوايا الترشح قارب المئة، من بينهم رؤساء حكومات سابقين، ورؤساء تكتلات سياسية، ومرشحون أحرار.
ويسود في الأوساط السياسية وفي أوساط المراقبين قناعة مفادها بأنّ ترشح الرئيس بوتفليقة يعني فوزه فيها وانعدام حظوظ المرشحين الآخرين الذين سيكونون مجرد "أرانب سباق" وليس منافسين. فأنصار الرئيس يرون أن إنجازاته والتأييد الشعبي له كافيان لتحقيق نجاح ساحق له من الجولة الأولى. أما معارضوه فيرون أن ترشحه يعني، بحسب مصطلحاتهم، أن النظام قرر أن يكرر نفسه والانتخابات ستكون "مغلقة".
فعلى سبيل المثال، اعتبر رئيس "حركة مجتمع السلم ـ حمس" عبد الرزاق مقري أنّ ما يحصل "صفقة سياسية خطيرة تدبر في ربع الساعة الأخيرة قبل موعد الرئاسيات".
وبرغم ذلك يصر مرشحون مثل الوزير الأول الأسبق علي بن فليس على الترشح ومواجهة الرئيس بوتفليقة، وهو ما يرى فيه بعض المراقبين تكرارا لسيناريو انتخابات العام 2004 حين انقسم "حزب جبهة التحرير الوطني" بين مؤيد لبن فليس، على رأسهم عبد الرحمن بلعياط، وبين مؤيدين للرئيس بوتفليقة. كما تردد في حينه أن بن فليس كان مدعوما من قائد الأركان الجنرال الراحل محمد العماري، بينما كان بوتفليقة مدعوما من رئيس جهاز الاستعلامات والأمن الجنرال توفيق، ويعتبر هؤلاء المراقبون أن تمسك بن فليس بالتنافس يعني أن سيناريو العام 2004 قد يتكرر، وقد يتكرر معكوسا.
ويبني مراقبون آخرون مستقبل الانتخابات الرئاسية ونتائجها على احتمال ترشح الوزير الأول الأسبق مولود حمروش، الذي يطلق عليه وصف "رجل الإصلاحات". فحمروش، بحسب تصريحات قديمة له، لا يترشح إذا ما كان هناك مرشح للجيش. ومن غير المعروف بعد ما إذا كان حمروش سيعلن عن ترشحه أم لا، حيث ينتهي موعد إعلان نوايا الترشح وسحب استمارات التوقيع في 4 آذار المقبل.
أحمد شاهين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد