تركيا تغلي: المعارضة تدعو الحكومة للاستقالة
لا يبدو أنّ "حرب داحس والغبراء" بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والداعية فتح الله غولين ستنتهي قريبا، بل من الواضح أنها تخطت نقطة اللاعودة في اتجاه معركة كسر عظم بينهما.
فالتطورات التي حصلت في اليومين الماضيين، بل في الساعات القليلة الماضية، تشي بأن الطرفين، ولا سيما جماعة فتح الله غولين، لا تزال تخفي الكثير من المفاجآت. وإذا كانت الأمور إلى تصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في 30 آذار المقبل، فإنها لن تقف عند ذلك التاريخ بل ستعرف تصعيدا شرسا بعدها حتى لحظة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية شهر آب المقبل.
وكانت أبرز أحداث اليومين الأخيرين التسجيل الذي بُثّ، مساء أمس الأول، على موقع "يوتيوب"، والذي قيل إنه محادثة بين أردوغان ونجله البكر بلال، تطرقا خلالها، عشية انفجار فضيحة الفساد في 17 كانون الأول الماضي، إلى كيفية إخفاء مبلغ كبير من المال، 40 مليون دولار.
إنها حرب إعلامية بامتياز. ففي هذا الصدد، نشرت صحيفتا "يني شفق" و"ستار"، المؤيدتان للحكومة، أمس الأول، قائمة بسبعة آلاف اسم ينتمون إلى عدد من الاتجاهات، وقالت إنّ "الدولة الموازية" التي خلقها غولين داخل الدولة، وخصوصا في الجسم القضائي، كانت تتنصت منذ العام 2011 تحت ستار التحقيق حول تنظيم إرهابي اسمه "سلام". ولم يكن ذلك سوى غطاء، بحسب ما ذهبت إليه صحيفة "يني شفق" أمس، لفبركة تحقيقات وتسطير اتهامات لأردوغان وحكومته بأنهم يدعمون الإرهاب ويتم بالتالي تركيب ملف لأردوغان يرفع إلى الأمم المتحدة يثبت تورطه في دعم الإرهاب و"القاعدة".
وأشارت الصحيفة إلى أنه عندما لم تثبت التحقيقات، في وقت سابق، صلة تركيا بتنظيم "القاعدة"، عمل الفريق القضائي المكلف بملف هذا التنظيم الوهمي إلى إدراج أسماء مسؤولين إيرانيين وغيرهم، من المدرجة أسماؤهم على لوائح "الإرهاب" الأميركية، من بين الأشخاص الذين لهم علاقة بالتنظيم وبالتالي بأردوغان فتظهر صورة أردوغان على انه إرهابي.
وتذكر الصحيفة انه من بين الذين كانت "الدولة الموازية" تتنصت عليهم 70 إيرانيا في تركيا، بمن فيهم السفير الإيراني لدى أنقرة علي رضا بكدلي والقنصل في اسطنبول وناشطون آخرون. وتقول كذلك إنّ الهدف من فبركة هذا الملف هو فتح دعوى أمام القضاء التركي لإغلاق "حزب العدالة والتنمية" بتهمة أنه يدعم الإرهاب. وتذهب الصحيفة إلى القول إن "الجهة التي كانت تقف وراء هذا الملف وتعطي التعليمات بشأنه هي الموساد الإسرائيلي".
وتذكر أيضاً أن نسبة 80 في المئة من الذين تم التنصت عليهم هم من قيادات ومناصري "حزب العدالة والتنمية"، بمن فيهم رئيس الحكومة ووزراء. وقالت إنّ ملف "التنظيم الإرهابي سلام" قد اختفى وليس له أي نسخة في الدوائر الأمنية لأنه تم تهريبه إلى الخارج.
غير أنّ ما أوردته الصحيفة قوبل بانتقادات كبيرة وكثيرة ضد أردوغان، وإنكار لذلك من جانب القضاة الذين وردت أسماؤهم في ملف التنصت.
وقد تساءل العديد من الكتاب إذا كان صحيحا انه تم التنصت على 7 آلاف شخص، فأين كانت الحكومة طوال هذا الوقت أثناء التحقيق من العام 2011 وحتى الآن؟
ولم تقف التطورات عند هذا الحد، إذ انّ ما يسمى بـ"الدولة الموازية"، في إشارة إلى جماعة غولين، قد أطلقت قنبلة، أمس الأول، عندما نشرت تسجيلا صوتيا على موقع "يوتيوب" على انه بين أردوغان وابنه بلال يتعلق بتعليمات تتصل بقضية الفساد وأموال يجب إعادتها عشية انفجار فضيحة الفساد في 17 كانون الأول الماضي. وقد أحدث نشر التسجيل ضجة واسعة استدعت اجتماعين طارئين لحزبي المعارضة الرئيسيين "حزب الشعب الجمهوري" و"حزب الحركة القومية".
وإذ سارع أردوغان إلى إصدار بيان عن رئاسة الحكومة ينفي ما ورد في التسجيل، متهماً الفاعلين بالقيام بمونتاج له، وواصفا إياهم بـ"اللاأخلاقيين"، توعد قبل ذلك، وفقا لعدد من الصحف التركية، في اجتماع مغلق لحزبه بالعمل على تصفية كل فلول "الدولة الموازية" ما دام الذين يديرونها "قد قرروا النزول إلى ساحة الحرب".
وقال، وفق صحف تركية، "إنهم خطرون ويجب تصفيتهم"، مردفاً أنّ إصدار قانون الاستخبارات الجديد ضرورة ملحة. وأكثر من ذلك، فإن أردوغان روى في الاجتماع المغلق شكواه في الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع الماضي، من تدخل الولايات المتحدة بالشأن الداخلي التركي. وإذ نفى أوباما ذلك، أجابه أردوغان أنّ واشنطن تتدخل عبر ضيوفها في الولايات المتحدة، وكان يقصد بذلك فتح الله غولين المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية منذ العام 1999.
وفي اجتماع كتلة "حزب العدالة والتنمية"، أمس، كرر أردوغان اتهامه بزيف التسجيل المنسوب له ولابنه بلال. وقال إنّ "ما حصل يشكل هجمة وضيعة على رئيس وزراء الجمهورية التركية. هذا لن يمر دون عقاب". وهاجم أردوغان مجددا الداعية فتح الله غولن، من دون أن يسميه، متهماً إياه بالوقوف وراء هذه الهجمة من خلال "اختلاق مسرحية غير أخلاقية". وتابع "لن نرضخ"، وسط تصفيق وهتافات نواب حزبه. وأضاف أنّ "الشعب وحده، ولا أحد غيره، يمكنه أن يقرر إزاحتنا".
تجدر الإشارة، إلى أنه فور نشر التسجيل، سارع أردوغان إلى عقد اجتماع عاجل مع رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان، صدر في إثره بيان إنكار.
غير أنّ المعارضة لم تقتنع بنفي أردوغان. فبعد الاجتماع الطارئ لـ"حزب الشعب الجمهوري"، دعا الحزب أردوغان إلى الاستقالة الفورية. وفي كلمة أمام نواب حزبه، أمس، قال زعيم الحزب كمال كيليتشدار اوغلو إنّ تركيا أمام "رئيس حكومة سارق، وناهب مال الشعب لا يمكن أن يكون رئيسا للحكومة". وتابع أنّ تركيا أمام "اكبر عملية اختلاس في تاريخها" يقوم بها رئيس حكومة.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد