أخطر أمراض المجتمع السوري
يعتقد الناس أن ثلاثية التخلف (الجهل والفقر والمرض) من أكبر المشكلات التي تواجه الدول والمجتمعات,
فتعيق عملية التنمية المستدامة بأشكالها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وتحدّ من فعاليتها. لكن واقع الحال يظهر أنّ جميع الدول وبخاصة سورية تعاني من مشكلات وأمراض اجتماعية أخرى متعددة, كالخوف من إبداء الرأي, والانتهازية والوصولية, والرشوة والفساد,... ومهما اختلفت درجة انتشار هذه الأمراض, إلا أنها أصبحت تتزايد باطراد وتتحول من مجرد مشكلات اجتماعية صغيرة إلى ظواهر مرضية معيقة لتطور الفرد والمجتمع, ولا بدّ من معالجتها قبل أن تستفحل فتصبح أمراضاً مزمنةً أو مستعصية يصعب التخلص منها.
من أجل تحديد هذه الأمراض الاجتماعية قام مكتب بيت الخبرة للدراسات والاستشارات الاقتصادية بالتعاون مع جريدة الثورة بإجراء استطلاع للرأي شمل المحافظات السورية والفئات الاجتماعية كافةً لتحديد مدى انتشار هذه الأمراض وأسبابها والآثار الاجتماعية لها, وأخيراً أهم الجهات القادرة على معالجتها.
- لقد تمّ تصميم استبيان مؤلف من صفحة واحدة يتضمن أسئلة لوصف العينة وأخرى متخصصة, وقد تمّ توزيع أكثر من س1000) استبانة بوساطة أكثر من عشرين باحثاً. وقد شمل الاستطلاع الشرائح كافةً من موظفي القطاعين العام والخاص, والطلاب, وأصحاب الأعمال الحرة, وأصحاب المهن العلمية..الخ, ولعلّ أول الأمراض الاجتماعية ظهر جلياً في تطبيق هذا الاستبيان; فبالرغم من المتابعة المستمرة لم نحصل إلا على /870 استبيان/ بسبب عدم استجابة البعض, لخوفهم من التعبير عن رأيهم وعدم استفادتهم من هذا الحق الطبيعي وممارسته, كما تمّ استبعاد بعض الاستبيانات لعدم جديتها أو لتناقض إجاباتها أو نقصها, فأصبح العدد النهائي الذي تم اعتماده /853/ استبياناً, تمّ إدخالها, ثم تحليلها وتدقيقها باستخدام الحاسب لتلافي الأخطاء وإجراء التقاطعات والتحليلات على المستوى العام, وعلى المستوى التفصيلي للمتغيرات مثل: المنطقة أو المحافظة, والمهنة, والشهادة,... لمعرفة إن كان هناك فروق ذات دلالة بين آراء الفئات المختلفة, وكان وصف العينة كالتالي:
* العمر : تراوح ما بين 15 عام وحتى 90 عام , وبمتوسط 29 سنة (للعينة).
* الجنس : نسبة الذكور 63% بينما الإناث 37% .
* المهنة : بلغت نسبة الطلاب 38% من إجمالي العينة, وعمال القطاع العام نسبة 32%, بينما عمال القطاع الخاص نسبة 25% من العينة, وأصحاب المهن العلمية نسبة 5% من العينة.
* الشهادة : أقل من ثانوية 11%, ثانوية ومعهد 59%, وجامعة فما فوق 30%.
* المنطقة أو المحافظة : المنطقة الجنوبية 32%, الشمالية 26%, الساحلية 13%, الوسطى 15%, والشرقية 14% من إجمالي العينة.
وقد تبين عند تحليل النتائج حسب المتغيرات السابقة أو الفئات الجزئية عدم وجود فروقات ذات دلالة, وهناك بعض الاستثناءات سيتم الإشارة إليها عند تحليل كل سؤال.
- السؤال الأول: هل تعتقد أن المجتمع السوري يعاني من أمراض اجتماعية متفاقمة?
لقد بينت نتائج الاستبيان أن 95.5% من المواطنين السوريين يعتقدون بمعاناة المجتمع السوري من أمراض اجتماعية متفاقمة, بينما 4.5 % فقط لا يعتقدون أن المجتمع السوري يعاني من أمرض اجتماعية.
السؤال الثاني:إذا كنت تعتقد بوجود الأمراض الاجتماعية في المجتمع السوري, اذكر أهم ثلاثة منها?
ُترَك هذا السؤال مفتوحاً; ولذلك وردت إجابات عديدة و متنوعة عليه, وكان أهم ما يمكن ملاحظته في هذه الإجابات تكرار ذكر الرشوة والفساد والفقر والبطالة بشكل عام, بالإضافة إلى ما يلفت النظر في بعض الإجابات مثل: جنون العظمة والكبت بأنواعه واجابات أخرى وردت في الأسئلة التالية, و بالتحليل على مستوى الفئات تبيّن أن الإناث تكررت لديهم قضية التحيز ضد المرأة وما تعانيه من تهميش, بالإضافة إلى بعض الأمراض التي تعكس هموم الشارع كانتشار ظاهرة عمالة الأطفال ومشكلة التسول المنتشرة بينهم, بل وحتى لدى من هم أكبر سناً وقادرون على العمل.
وعلى الرغم من أن هذه المصطلحات كانت عامة, أو لغوية في مظهرها, إلا أن تكرارها بشكل ملفت للانتباه قد يعطينا فكرة عن مدى انتشار هذه الأمراض الاجتماعية.
- 69% .من أهالي المنطقة الوسطى يجدونها
في الانحلال الأخلاقي والاجتماعي
السؤال الثالث: حدد درجة انتشار الأمراض الاجتماعية التالية (نسبة من مئة %)?
حدد هذا السؤال أهم الأمراض الاجتماعية و طلبنا ابداء الرأي بدرجة انتشار كل منها, وقد أظهرت النتائج العامة للاستبيان أنّ انتشار الرشوة والفساد والقبول الاجتماعي لهما أتت في الترتيب الأول وبنسبة 77%, تلاها الخوف والجبن في التعبير عن الرأي بنسبة 72%, ثمّ انتشار الحسد والغيبة والنميمة بنسبة 71%, أما المرض الاجتماعي الأقل انتشاراً كما أظهر الاستبيان فهو التطرف الديني والعقائدي حيث حصل على نسبة 43% فقط , وقد يكون السبب هو التعايش الطبيعي القائم بين المواطنين بعيداً عن الانتماءات الدينية أوالحزبية والعقائدية. والجدول التالي يوضح أهم الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمع و درجة انتشارها:
وعند تحليل النتائج على المستوى الجزئي تبين أنها تتفق مع الاتجاه العام للنتائج باستثناء إن أهالي المنطقة الوسطى أعطوا لظاهرة الانحلال الأخلاقي والاجتماعي درجة أعلى من المتوسط حيث وصلت إلى 69%, بينما أعطى أهالي المنطقة الساحلية لهذه الظاهرة نسبة 51% فقط.
كما أعطى أهالي المنطقتين الوسطى والشمالية درجة أعلى لانتشار الرشوة والفساد والقبول الاجتماعي لهما وبمعدل 7% زيادة عن المتوسط.
- أهم 15 مرض اجتماعي في سورية
السؤال السادس: أي من المؤسسات والجهات التالية
هي الأقدر على مكافحة هذه الأمراض الاجتماعية برأيك؟
حدد السؤال مجموعة من المؤسسات والجهات التي يمكن لها أن تكافح هذه الأمراض الاجتماعية, وقد أظهرت النتائج أن الأسرة لها الدور الأول وبنسبة 62% في مكافحة هذه الأمراض من خلال دورها التربوي والتوجيهي, وانطلاقاً من مبدأ أن التربية السليمة ستعكس سلوكاً اجتماعياً ايجابياً, وإنها أهم الجهات القادرة على حل هذه المشكلات, تلتها وبفارق بسيط الصحافة والإعلام بسياساتها المؤثرة (التوجيهية تارة والرادعة تارةً أخرى) حيث حصلت على نسبة 61% من إجمالي آراء العينة, ومن الملاحظ أن المؤسسات التربوية والتعليمية حلّت ثالثاً بنسبة 43%, وهذا يعكس الطبيعة التقليدية لمجتمعنا الذي ما زال يثق بالمدارس والجامعات وبدورها ( نسبياً ) في مكافحة الأمراض الاجتماعية.
أما في المرتبة الأخيرة فقد وردت جمعيات المجتمع الأهلي بنسبة 17%, وقد يكون السبب في ذلك أن هذه الجمعيات ما زالت ضعيفة النشاط والتأثير في مجتمعنا. والجدول التالي يوضح ترتيب المؤسسات والجهات الأقدر على مكافحة الأمراض الاجتماعية حسب ما أظهرها الاستطلاع:
أما النتائج الجزئية فقد أظهرت; أن أهالي المنطقة الوسطى أعطوا أهمية أكبر للأسرة كجهة قادرة على مكافحة الأمراض الاجتماعية وبدرجة أعلى من المعدل العام بحوالي 14%, وأعطت الإناث أيضاً أهمية أكبر لدور الأسرة في مكافحة هذه الأمراض بنسبة تزيد عن الذكور بمقدار10%, بينما أعطى أهالي المنطقة الشمالية أهمية أقل لقدرة الصحافة والأعلام على مكافحة هذه الأمراض و بنسبة أقل 9% عن المعدل العام, وربما يعكس هذا ضعف التأثير أو الدور للصحافة والأعلام في هذه المنطقة.
كما تقاربت الآراء بين أصحاب المهن العلمية والفئات العمرية التي تزيد عن 45 سنة حول أهمية دور المرشدين الاجتماعيين والمؤسسات التربوية والتعليمية في مكافحة هذه الأمراض, فأعطتها الفئة الأولى نسبة 15% زيادة عن المعدل العام, والفئة الثانية نسبة تفوق ال 12%, بينما أعطاها الطلاب أهمية أقل من المعدل بنسبة 7%.
77% .. أهم أمراضنا القبول الاجتماعي للفساد
السؤال الرابع: ما أهمّ الأسباب التي ساعدت على انتشار الأمراض السابقة (رتب خمسة منها حسب الأهمية)?
حدد السؤال بعض الأسباب التي قد تكون وراء انتشار الأمراض الاجتماعية, وقد تمّ اختيار الأسباب التي قد تؤثر في أكثر من مرض اجتماعي واحد. وبتحليل نتائج الاستبيان تبيّن أن عدم معاقبة الفاسدين ومحاسبتهم يعد أهمّ سبب من أسباب الأمراض الاجتماعية المحددة في السؤال السابق, وقد حصل على نسبة 79% (درجة مثقلة), وهذا أمر منطقي ويظهر ترابط الاستبيان وواقعيته وتوافقه مع نتائج السؤال الأول, وكان السبب الثاني هو الانتشار الكبير للوساطة والمحسوبية بنسبة (مثقلة) 73%. ثم ضعف الوازع الديني والأخلاقي بنسبة 69%.
والجدول التالي يبين الأسباب التي ساعدت على انتشار الأمراض الاجتماعية بحسب نتائج الاستبيان: وجاءت النتائج الجزئية متقاربة مع النتائج العامة بشكل كبير, باستثناء أهالي المنطقة الشرقية حيث كانت النسب لديهم أقل من النسب الأخرى بشكل عام, حيث أعطوا لدكتاتورية الإدارة ونرجسية المدراء درجة انتشار 35% فقط, بينما المعدل العام كان 51 %, كما حددوا عدم فهم المواطنين لحقوقهم بنسبة أقل من المعدل العام بحوالي 12%. كما أعطت الفئات العمرية بين (15- 25 سنة) الممارسات السلبية لبعض الأفراد في الأجهزة الحكومية نسبة تزيد عن الفئات العمرية الأخرى بمعدل 10%. أما العاملون في القطاع العام فأعطوا أهمية أكبر لعدم معاقبة المفسدين بنسبة وصلت إلى 9% مقارنة بالطلاب, وقد يكون سبب ذلك أنّ الطلاب لم يدخلوا الحياة العملية بعد, ولم يختبروا مشكلاتها كما هو الحال لدى موظفي القطاع العام.
وقد وردت أسباب أخرى للأمراض الاجتماعية سابقة الذكر; من أهمها عدم فعالية الجهات المؤثرة بالإصلاح, والميل إلى التواكل والاستهلاك بعيداً عن الإنتاج, وانتشار البطالة, وغياب العمل الجماعي, وتبني القيم والأخلاق الغربية المستوردة إعلامياً وتقليدها بشكل أعمى.
- يقوم بيت الخبرة للدراسات والاستشارات الاقتصادية بإعداد الدراسات الاقتصادية المختلفة(دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات الجديدة والقائمة, الدراسات التسويقية والإعلانية, التحليل الماليوإدارة المخاطر, التدريب والتطوير الإداري, إضافة إلى استطلاعات الرأي المتخصصة والعامة) وتقديم الحلول الاقتصادية والعلمية المتكاملة للمؤسسات العامة والخاصة اعتماداً على أساليب البحث المتطورة وبشكل ميداني وعملي.
- الاسرة هي أول بوابة لاصلاح المجتمع
السؤال الخامس: ما هي أهم الآثار الاجتماعية والاقتصادية لانتشار الأمراض السابقة في المجتمع (رتب ثلاثة منها بحسب أهميتها)؟
لقد بينّت نتائج هذا السؤال أن أول أثر من أثار هذه الأمراض الاجتماعية وتزايد انتشارها هو ضعف الثقة العامة أو فقدانها بنسبة 80% (نسبة مثقلة), تلتها ظاهرة التفاوت الطبقي والاجتماعي بنسبة (مثقلة) 73%, بينما حصلت زيادة انتشار الانتهازية والوصولية على الترتيب الأخير وبنسبة 56% (نسبة مثقلة).
والجدول التالي يوضح ترتيب أهم الآثار الاجتماعية والاقتصادية لانتشار الأمراض الاجتماعية المختلفة والمحددة سابقاً كما يلي:
كما وردت إجابات أخرى لهذا السؤال تشير إلى أثر هذه الأمراض على زيادة اللامبالاة بالعمل والقوانين, وتوجه الشباب نحو الهجرة وخاصة أصحاب الخبرات العلمية هرباً من الواقع الحالي وبحثاً عن فرص أفضل.
أما النتائج الجزئية فأظهرت تركز مسألة ضعف الثقة العامة أو فقدانها في المنطقة الشرقية, حيث وصلت درجتها لديهم إلى حوالي 93%, وقد أعطى أهالي المنطقة نفسها نسباً أقل لكل من (ضعف فعالية المجتمع وفشل السياسات التنموية), وقد يعود ذلك إلى الجهود المبذولة أخيراً لتنمية هذه المناطق من قبل الحكومة والتي بدأت تعطي ثمارها على أرض الواقع. كما أعطى أصحاب المهن العلمية أهمية أكبر لفشل السياسات التنموية حيث بلغ المعدل لديهم 72%, أي بزيادة 15% عن المعدل العام.
- وردت ملاحظات واقتراحات كثيرة ومهمة حاولنا غربلتها وترتيبها واختيار أهمها مثل:
* العمل على إعادة تفعيل الدور التربوي للمؤسسات التعليمية لأنها أساسية في بناء الإنسان.
* التكامل بين جهود الأسرة والمدرسة ومحاولة ضمان أفضل الظروف الاجتماعية لتنشئة الجيل الجديد.
* توسيع عمل جمعيات المجتمع المدني وتفعيل دورها.
* الجدية في محاسبة النفوس الضعيفة اجتماعياً ومعاقبة المقصر مهما كانت مكانته.
* تعزيز المنتجين وجعل مكافأتهم حافزاً لغيرهم.
* تفعيل دور الإعلام المقروء والمسموع من خلال نشر الثقافة وزيادة الوعي, وزرع الأفكار السليمة في المجتمع بطريقة هادئة وهادفة.
* الشعور بالمواطنة وتطبيقها عملياً يتطلب ثقة أعلى بالعدالة والمساواة الاجتماعية.
- يعاني المجتمع السوري من أمراض اجتماعية عديدة ومتفاقمة, ومن الواضح أن المواطن السوري يعي تماماً هذا الواقع, ويفهم طبيعة هذه الأمراض كقيود تكبل مسيرة التحديث والتطوير وتحدّ من مرونة وفاعلية أي إجراءات يمكن أن تتخذ في هذا المجال, وتخلق لديه نوعاً من الإحباط واليأس على المستوى الاجتماعي كله لذلك يبحث عن الخلاص الفردي بأنانية. لذلك لا بد من اتخاذ إجراءات جدية ومنطقية لإيجاد أفضل الحلول وبأسرع وقت ممكن من خلال الاعتماد على الجهات والمؤسسات التي تحتك مع المواطن بشكل مباشر في شتى مراحل حياته, فتؤهله لمواجهة هذه الأمراض الاجتماعية وتحصنه ضدها.
سهيل الحمدان
المصدر: الثورة عن بيت الخبرة للدراسات والاستشارات الاقتصادية
إضافة تعليق جديد