«معركة الجوّية»..حكاية الاقتحام الفاشل
لا سقوط لمبنى المخابرات الجوية في حلب، أقلّه في المدى المنظور. السقوط ـــ الذي كاد يحدث ـــ كان من شأنه التمهيد لمشهد قوامه خروج حلب بالكامل عن سيطرة الدولة، وكسر التوازنات الدقيقة التي تحكم الميدان في كامل الشمال. المبنى كان هدفاً لهجوم هو الأكبر من نوعه، اشتعل بالتزامن مع اشتعال معارك كسب في الساحل السوري، مضبوطاً على إيقاع تركي. ويوم الخميس الماضي عاش المبنى احتمالات السقوط للمرة الأولى منذ اشتعال جبهة حلب، لكن ذلك لم يستمر أكثر من ساعتين. فما هي الحكاية الكاملة للهجوم؟
يتولى الدفاع عن مبنى «الجوية» عناصره المتمركزون داخله. وينتشر في محيطه عناصر تابعون لـ«جيش الدفاع الوطني»، وينقسمون إلى قسمين، الأول تابع لما يُعرف بمجموعات أبو علي قزق، والثاني يتبع لواء القدس، ومقاتلوه فلسطينيون من مخيم النيرب، فيما يقتصر وجود عناصر الجيش على عدد محدود، مع بعض الدبابات على الأوتوستراد المجاور.
وبعدما شهد محيط «الجوية» معارك عنيفة نهاية الشهر الماضي، عاد ليدخل حالة «ستاتيكو»، مع ابتعاد المعارك نحو منطقة «بلليرمون» القريبة منه، التي اضطرّ المهاجمون إلى الانسحاب نحوها (وقوتهم الأساسية من «جيش المهاجرين والأنصار» بزعامة صلاح الشيشاني). تمركز المنسحبون في صالات «بلليرمون»، وهي أبنية يتألف كلّ منها من ثلاثة طوابق، مبنية بالأسمنت المسلّح، ما وفّر لهم مقرّاً آمناً.
ساعة أخرى من ساعات «الصفر» الفاشلة
بحلول ليل الأربعاء الماضي، حانت الساعة الصفر للهجوم. قطعت مجموعات مسلحة في منطقة الزربة (الريف الجنوبي) الكهرباء عن مدينة حلب بالكامل. وبالتزامن، تسلّل مسلحون من «بلليرمون» عبر نفق ضخم، مُعدّ للصرف الصحي، يصل الصالات بساحة النعناعي التي تتوسط منطقة «جمعية المالية»، وتبعد حوالى 500 متر عن أسوار «الجوية». خرج المتسللون في منتصف الساحة، وبدأوا مداهمة المباني السكنية التي تتمركز في بعضها قوات «الدفاع الوطني»، ومن بينهم قناصون لكنهم غير مزوّدين بمناظير ليلية، الأمر الذي كان مخطّطو الهجوم على علمٍ به، فأفادوا من الظلام التام. بوغت العناصر، فانسحب قسم منهم، وقاوم آخرون (ينتمي معظمهم إلى لواء القدس). كانت الغلبة للمهاجمين، مستفيدين من عنصري المباغتة والتفوق العددي. فبسطوا سيطرتهم على المباني السكنية، وأخلوا المنازل من ساكنيها، حيثُ سُمح للبعض بالمغادرة كيفيّاً، وتم اقتياد 12 عائلة إلى حريتان في الريف الشمالي، للتحقيق مع أفرادها بتهمة «دعم الشبيحة». (أطلق سراح بعضهم لاحقاً، وما زالت أخبار بعضهم مقطوعة).
يوم الخميس لم تصل أيّ تعزيزات عسكرية، وكان فرع المخابرات الجوية تحت حصار فعلي. بدأ المهاجمون بالتقدم نحوه، وخاض المدافعون المتمركزون داخله معركة بقاء. وصل الشيشانيون إلى مبنى الخدمات الفنية ومبنى الهلال الأحمر المجاور لسور مبنى «الجوّية» الذي بدا أنه قاب قوسين من السقوط، مع تزايد عنف الهجوم. وليل الخميس ــ الجمعة، استمرت المعارك الضارية حتى الخامسة فجراً، حيث صدر أمرٌ بإخلاء المنطقة من الجيش. تراجعت الدبابات، وساد سكونٌ غريب. اندفع المهاجمون نحو المبنى الذي تسربت في اليوم السابق أنباء تفيد عن إخلائه من المدافعين (بقي فيه عشرة عناصر فعليّاً). ومع اندفاع المهاجمين، ووصولهم إلى المنطقة المكشوفة المحاذية للمبنى، شنّ سلاح الجو السوري هجوماً عنيفاً ومباغتاً، فأوقع عدداً كبيراً من القتلى في صفوفهم، ما اضطرهم إلى الانسحاب نحو المباني السكنية. وفي العاشرة من صباح الجمعة، وصلت وحدة عسكرية من قوات النُخبة، قوامها 300 مقاتل مدرّبين على حرب الشوارع، وانخرطت في القتال فوراً. وشيئاً فشيئاً، بدأ المهاجمون انسحابات متتالية من مبنيي الهلال الأحمر والخدمات الفنية، ثم من معظم المباني السكنية في ساحة النعناعي. واللافت أن الانسحابات سارت بشكل منهجي، لا عشوائي، خلافاً للمُعتاد. ويوم السبت، وصلت تعزيزات عسكرية جديدة، قوامها 500 عنصر. وبوصولهم، أُغلقت جبهة «الجوية» تماماً. وانتهى الهجوم فعليّاً مع تحول المعركة في محيط المبنى إلى معركة قناصين. وتقدمت مجموعة من وحدات النخبة لتمشيط المنطقة بالكامل، فيما انتقل المهاجمون نحو جبهة «كتيبة المدفعية» غرب «جمعية الزهراء» التي تشهد بدورها معارك عنيفة.
تمهيد لاقتحام «المدفعية»
مصدر في «الغرفة المشتركة لأهل الشام» التي تتولى إدارة المسلحين على معظم جبهات حلب، أكّد أن «الانسحاب من محيط المخابرات الجوية كان تكتيكياً. وستسمعون بشائر الفتح خلال ساعات، من كتيبة المدفعية».
وفي سياق يبدو متصلاً، شهدت مدينة حلب، في التاسعة من ليل أمس، انقطاعاً تامّاً للتيار الكهربائي، في خطوة تبدو ممهدة لمحاولة اقتحام «كتيبة المدفعية» غرب جمعية الزهراء، بطريقة مماثلة لما دار في محيط مبنى المخابرات الجوية. ونقلت وكالة سانا عن مصدر في وزارة الكهرباء قوله إن «التيار قُطع عن حلب إثر اعتداء إرهابي على أحد أبراج التوتر العالي». وأفاد المصدر بأن «ورشات الصيانة بدأت العمل فوراً على استبدال البرج، لإعادة التيار إلى المدينة في أسرع وقت».
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد