حملة الكراهية الإسرائيلية تحرق طفلاً فلسطينياً وبوادر انتفاضة جديدةوإصابة 170 مقدسياً
انتقلت عربدة المستوطنين، مدفوعين بحملة كراهية واسعة تشنها السلطات والأحزاب الإسرائيلية، إلى مرحلة جديدة. فبعد عمليات إحراق أراضي الفلسطينيين ومنازلهم وتدمير المقابر التاريخية، تحت شعار "دفع الثمن"، تحولوا إلى القتل والتنكيل وحرق الأطفال، مثلما جرى مع جريمة قتل الفتى محمد أبو خضير والتنكيل بجثته، وذلك على الرغم من أكبر انتشار لقوات الاحتلال الإسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، منذ عدوان "السور الواقي" قبل اكثر من عشرة اعوام.
وتسببت الجريمة بحق محمد أبو خضير، الى جانب الاحتقان الفلسطيني المتصاعد بفعل ممارسات الاحتلال، في إشعال شرارات انتفاضة جديدة، بعد الهبة السريعة لأبناء القدس المحتلة وتهديد حركة "حماس" بجعل إسرائيل تدفع ثمن جريمة قتل الفتى أبو خضير على يد مستوطنين خطفوه من حي شعفاط في القدس الشرقية، وأحرقوا جثته لإخفاء معالم التنكيل بها.
وفي محاولة لاحتواء التداعيات الداخلية والخارجية التي أثارتها جريمة المستوطنين، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى إدانتها، وطلب من الوزراء التوقف عن إطلاق التهديدات ضد الفلسطينيين، بعدما صدرت مواقف دولية عدة تندد بما جرى. واضطرت الحكومة الأمنية المصغرة إلى مناقشة تطورات الوضع في القدس الشرقية بعد حدوث هبة فلسطينية تهدد بالتحول إلى انتفاضة جديدة.
وكان الفلسطينيون استيقظوا أمس على وقع جريمة مروعة نفذها مستوطنون، خطفوا الفتى أبو خضير (16 عاماً)، ولم يكتفوا بقتله بل حرقوا الجثة أيضاً، في ما يبدو انه محاولة لإخفاء التنكيل بجثته.
وفجّر الكشف عن الجريمة غضب سكان حي شعفاط في القدس الشرقية المحتلة، وانفجرت اشتباكات مع قوات الاحتلال، التي ردت بالرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع، ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح.
وقال شهود عيان لـ"السفير" إن مستوطنيْن اثنين اقتربا فجر أمس من الفتى محمد أبو خضير في حي شعفاط في القدس المحتلة، وخطفاه في سيارة من نوع "هيونداي". وفي وقت لاحق عثرت الشرطة الإسرائيلية على جثة محترقة في منطقة حرجية في القدس الغربية، تبين بعد الفحص أنها للفتى أبو خضير.
وبعد العثور على جثة الفتى انتفض عشرات الشبان من حي شعفاط، واندلعت مواجهات مع الشرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي أسفرت عن إصابة 65 شخصاً جراء الرصاص الحي والمطاطي والقنابل المسيلة للدموع. كما أصيب صحافيان فلسطينيان وصحافية إسرائيلية خلال المواجهات. وذكر موقع "عرب 48" أن المواجهات امتدت الى سلوات وبير أيوب وعين اللوزة في القدس، ما أدى بالإجمال الى إصابة 170 شخصاً.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إمكانية أن يكون مقتل الفتى جاء كهجوم انتقامي لمقتل ثلاثة مستوطنين ظلوا مفقودين منذ 12 حزيران الماضي بالقرب من منطقة حلحول قرب الخليل.
وقال سعيد أبو خضير، احد أقارب الفتى، "لقد خطفوه وعذبوه ثم أحرقوا جثته بطريقة بشعة وغير إنسانية تدل على حقدهم وكراهيتهم". وأضاف "كان هناك تحريض مباشر بعد قصة المستوطنين الثلاثة لينتقموا ويقتلوا فلسطينيين، ونقول لهم هذا لن يرعبنا وسنبقى صامدين، وسنبقى في أرضنا مثل الشوكة في حلقكم". وتابع "حصلت محاولات أخرى أمس الأول من قبل مستوطنين لخطف أطفال من شعفاط وأماكن أخرى".
وحمّلت عائلة أبو خضير شرطة الاحتلال الإسرائيلية مسؤولية الجريمة، مؤكدة أنها أبلغتها بعملية الخطف لحظة وقوعها، مشيرة إلى أنه يمكن التعرف على الخاطفين من خلال كاميرات المراقبة المنتشرة في المكان.
وحمّل عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء توفيق الطيراوي حكومة نتنياهو وائتلافه اليميني المسؤولية "عن التطرف المجنون والإرهاب الممنهج الذي يتعرض له شعبنا من قبل الجنود والمستوطنين، والذي كان آخره حادثة اختطاف الطفل المقدسي".
وانتقد ما أعلنته شرطة الاحتلال في القدس بأنها لا تؤكد بعد وقوف جماعات يهودية وراء عملية الاختطاف والقتل، معتبراً أنها "تتستر على الجريمة وتحمي المستوطنين عبر مصادرة الكاميرات التي رصدت عملية الاختطاف من المحال التجارية وغيرها في شارع شعفاط، في الوقت الذي شاهد فيه العديد من أبناء الحي عملية اختطاف الطفل أبو خضير وحاولوا اللحاق بسيارة المستوطنين الخاطفين التي غادرت المكان بسرعة".
وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إدانة خطف وقتل أبو خضير وإنزال اشد العقاب بمرتكبي الجريمة. وسارع نتنياهو إلى إصدار بيان وصف فيه مقتل الفتى بالجريمة "الشنيعة"، مضيفاً أنه طلب من وزير الأمن الداخلي اسحق اهرونوفيتش "فتح تحقيق من اجل العثور بأسرع وقت ممكن على منفذي هذه الجريمة الشنيعة".
واعتبر اهرونوفيتش انه من السابق لأوانه تحديد الدافع وراء قتل الفتى. وقال "نعلم أن فتى خطف على ما يبدو ونرى صلة بين الحادث والعثور على جثة. لا يزال الحادث قيد التحقيق في معامل البحث الجنائي ومن جانب محققين".
وتوعدت "حماس"، في بيان، بأن إسرائيل "ستدفع ثمن جرائمها". وقالت، في بيان، "نوجه خطابنا للكيان الصهيوني وقيادته التي تتحمل المسؤولية المباشرة، إن شعبنا لن يمر على هذه الجريمة ولا كل جرائم القتل والحرق والتدمير التي يقوم بها قطيع مستوطنيه. ستدفعون ثمن كل هذه الجرائم".
وطالب المتحدث باسم "حماس" سامي أبو زهري السلطة الفلسطينية "بوقف التنسيق الأمني الذي يوفر الحماية لهؤلاء المستوطنين حتى تتمكن المقاومة من القيام بدورها". وأطلقت المقاومة خمسة صواريخ من غزة على المستوطنات القريبة من القطاع.
وعلمت "السفير" من مصادر فلسطينية أن القيادة الفلسطينية تجري اتصالات مع دول ومؤسسات مختلفة من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على الفلسطينيين، مرجحين التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطلب وقف العدوان، فيما اعتقلت قوات الاحتلال 40 فلسطينياً، أمس، خلال عمليات اقتحام لمدن رام الله ونابلس وبيت لحم، حيث وقعت مواجهات مع الشبان الفلسطينيين الذين تصدوا لها بالحجارة.
وفي شمال الضفة الغربية، خُطت شعارات معادية للعرب بالعبرية تدعو "لانتقام اليهود" على حائط في قرية عقربا قرب نابلس. وكانت قوات الاحتلال هدمت منزل زياد عواد في قرية إذنا قرب الخليل، بتهمة قتله ضابطاً إسرائيلياً في نيسان الماضي.
إدانات عربية ودولية
وطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، في بيان، "مجلس الأمن والأمم المتحدة بالتحرك الفوري لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض يومياً لانتهاكات خطيرة"، فيما حذرت وزارة الخارجية المصرية من أن "استمرار تدهور الوضع الراهن، وما يحمل في طياته من مخاطر الانزلاق إلى حلقة مفرغة لا تنتهي من العنف يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء، إنما يفرض الكف تماماً عن السياسات الاستفزازية كافة، وفي مقدمتها النشاط الاستيطاني وسياسة فرض الأمر الواقع".
ودان البيت الأبيض مقتل أبو خضير. وقال المتحدث باسمه جوش إيرنيست "الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات الممكنة القتل البشع للمراهق الفلسطيني محمد حسين أبو خضير.. وندعو حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع أجواء الانتقام والثأر".
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في بيان، "لا توجد كلمات كافية للتعبير عن تعازينا للشعب الفلسطيني". وأضاف "من يقومون بأعمال انتقامية لا يحققون سوى زعزعة وضع متفجر ومشحون بالعواطف". وتابع "نحن ندعو الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية إلى اتخاذ جميع الخطوات الضرورية لمنع وقوع أعمال عنف، ومحاكمة مرتكبيها".
وذكر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "بأهمية أن يتحلى كل فرد بأكبر قدر من ضبط النفس، ويقوم بما هو ضروري لتفادي تصعيد خطير في أعمال العنف والردود الانتقامية"، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "لقد هالني مقتل الفتى الفلسطيني. إن خسارة أربعة فتيان هذا الأسبوع هو عامل تذكير مروع بأهمية التوصل إلى سلام دائم".
أمجد سمحان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد