زياد الرحباني: قلم ناشف أحمر بلحظة شديدة الإحباط
كان أسوأ ما يمكن أن يفعله أستاذٌ مع تلاميذه، هو أن يشطب على ورقة تسميع أو فحص أحدهم بقلم حبرٍ ناشف كخلقته أحمر، بنخوةٍ وبالوَرب من آخر الصفحة صعوداً الى أوّلِها. ويَستريح مُدوّناً في رأسها عبارة « A refaire» (أي للإعادة). إنها لحظة شديدة الاحباط، والتأمل بجدوى الدراسة وبالمدرسة والحياة أيضاً. كل شيءٍ، من الأول. أي أنَّ لا شيء صالحٌ في كل ما هو مكتوب بالكد والمثابرة، لا أَمَلَ من هذا التلميذ رغم كل نواياه الطيبة والتعاون من جانبه لتخطّي الفحص والغوص في بحر العلوم، رغم رغبته الشديدة لمعانقة الرَكب المثقف ومقارعة المعرفة. «تفء!»
إنَّ السنة 2005 يا أعزائي كما حال هذه الورقة المشطوبة ورباً، للإعادة «A refaire»!
لماذا؟ لأنها كلها، يوماً بيومٍ، خطأ. ولا شيء فيه، فيها، أدنى إشارات الصواب. وأكبر الدلائل على ذلك هو وصولنا إلى العام 2006 بحلاوة الروح، فرداً فرداً لا وطن لنا ولا «مجتمع» (من الجمع أساساً)، لا مؤسسة، لا جمعية، لا حزب، «نَنْسَتِرُ» فيه. إنها «absent» (غائبة)! «تفء».
إننا يا إخواني، ومخايل يشهد، نسيرُ بلا منطق، بلا فهم، بلا استشرافٍ لأسبوع ٍ واحدٍ قادمٍ علينا. فكيف بمستقبلٍ مَهولٍ كاملٍ مجهول يتقدمُ باتجاهنا أو ربما باتجاه الغير، لا نعرف اسمه الصغير، فكيف باسم العائلة؟ إنه عام العودة إلى الجذور، إلى مضارب الطائفة قبل المغيب. مع الماعز والأبقار. إنه عام ترك الجامعة نحو المزارع، عام هجر الدراسة إلى القبيلة قبل أن تجهز وحدها على كل الطعام. إنه عام توقيف المشتبه بهم توقيفاً مؤبداً وإطلاق المجرمين المحكومين إلى الأبد. لا حقيقة شبه متماسكة لحدثٍ واحدٍ تَمَّ في هذه السنة الملعونة، لعنة آلهةٍ لا إنجيلَ ولا قرآن لها. فالشهيد الرئيس الحريري سَكَنَ سِرُّ الأسرار وسحر الخيال ملفات اغتياله وعََشَّشَ في أطنان من أوراق التقارير والتحقيق، وأيّ تحقيق؟ «التحاقيق» في اغتياله. والحقيقة ترفرف كباشقٍ مُصابٍ مُنازعٍ، لكنه حَمَلَ وراح يُحلّقُ تحليقاً مُعَوّقاً كي لا يَحط في أي مكان. فأرعب الطيور الموسمية فوق العاصمة، وأصبحت لا تقاربها ولا حتى على أشكالها تقع. أصبح روجيه إده يترأس حزباً مثلاً، وكأن حزبه هو ما كان ينقصنا. أصبحَ غطّاس خوري رجل المهمات الصعبة الوحيد، فعندما يظهر يعني أننّا متجهون نحو كارثة. أصبحت الحقيقة، هي ما غيرها، المعلن عنها ولها على كل مساحة مسطحة، من جدرانٍ ومبانٍ ونوابٍ وجبهاتٍ مصفحة وزجاج سياراتٍ وشاشات تلفزة وفانات أطفالٍ بريئين من دَمِ هذا «الصِدّيق». وهسام هسام. أصبحت الحقيقة المأسوف على شبابها مسطحة أيضاً لصالح الحياة اللبنانية. فقد أصبح للمحكمة الدولية، إعلانٌ تلفزيوني يلي إعلان الـ«نيدو» والـ«ديويرز» والـ«فانتازيا»، وللسيادة إشارةٌ قبل «ميشو شو». أصبح للشهداء الذين اغتيلوا، محطات مرئية سريعة كوجبات الأكل الأميركي، قبل برنامج «الوادي» وافتح قلبك. أمّا للشهداء الأحياء، فلهم برامجهم الخاصة يظهرون هم فيها، وهي طبعاً، لمن هم في عمر الثامنة عشرة وما فوق، حيث أنَّ حضور الأرواح وارد في أي لحظة، والمشاهدون، على عدد الدقائق، يَتَدَيَّنون متمتمين بأحرفٍ من تضرعاتهم وصلواتهم كُلٌّ على دينه، قبل أن تظهر عليهم نجمات الاستعراض المُفَصَّل، كما في «دروس الأشياء»، لكل عضو في الجسد البشري على إيقاع تردداتٍ وذبذباتٍ وكأنّها من تلحين كمال الحايك حصراً، مدير مؤسسة كهرباء لبنان في ساعات الذروة ظهراً. كمال الحايك في آخر أعماله: سي دي وكاسيت خط التوتر العالي.
«a refaire» من دون أدنى شك ولا مراجعة وإلّا فلا عَامَ مقبلاً سنة 2007، لا عامَ وأنتم بخير.
يتبع غدا
زياد الرحباني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد