عن الفرقة 17 بعد 17 شهر صمود
الجمل ـ محمد صالح الفتيح:
ماهي الفرقة 17؟
هي إحدى الفرق الاحتياط في الجيش السوري وقد تأسست، في موقعها الحالي، منذ حوالي 10 أعوام بغرض تأمين المنطقة الشرقية بعيد الاحتلال الأميركي للعراق، وبتأثير بعض الأحداث الأخرى في تلك الفترة. تتكون الفرقة 17 من عدد من الألوية والأفواج المنتشرة في محافظات المنطقة الشرقية الثلاث، دير الزور والرقة والحسكة، ويقع مقر قيادة الفرقة، الذي تبلغ مساحته حوالي خمسة كيلومترات مربعة، شمالي مدينة الرقة، على بعد حوالي واحد كيلومتر عن مدخل المدينة من جهة دوار السنبلة، الشهير بدوار الصوامع. يتكون موقع قيادة الفرقة من عدد من الكتائب المختلفة، كتيبة تسليح، كتيبة إشارة، كتيبة مدفعية، كتيبة دفاع جوي، كتيبة كيمياء، كتيبة نقل، وكتيبة خدمة. بقيت هذه الكتائب، وهي كتائب اختصاصية وليست كتائب مقاتلة ككتائب المشاة والمدرعات، صامدة في موقعها لأكثر من 17 شهراً، منذ سقوط مدينة الرقة يوم 6 آذار2013. وبسبب ملاصقة قيادة الفرقة لمدينة الرقة، بقيت تحت الحصار وعرضة للهجمات منذ اليوم الأول لسقوط مدينة الرقة، ولكن المقاتلين فيها رفضوا الاستسلام، واستمرت الذخيرة والإمدادات بالوصول إليها بالرغم من كل الصعاب. أما هذه المرة، فيتعرض مقر قيادة الفرقة لحملات متجددة من قبل داعش أقوى من سابقاتها بكثير، ويعود سبب ازدياد شدة الهجمات إلى عدة عوامل، على رأسها: الأسلحة الجديدة التي غنمتها داعش من الجيش العراقي، والتي استعرضتها داعش مؤخراً في مدينة الرقة، إضافة إلى الدفعة المعنوية العالية التي حصلت عليها داعش بعد سيطرتها على مساحات واسعة من القطر العراقي الشقيق وتمكنها من ربط مناطق نفوذها في الرقة في سورية بمناطق نفوذها في العراق مروراً بدير الزور، و، هذا هو الأهم، ازدياد هجمات الجيش السوري على داعش.
لماذا الهجوم الآن على الفرقة 17؟
بداية، لا بد من تصحيح هذه المعلومة، فما هو معرض للهجوم الآن هو «مقر» قيادة الفرقة حيث ماتزال ألوية الفرقة منتشرة في محافظات المنطقة الشرقية، فاللواء 137 ينتشر في دير الزور ومحيطه آمن تماماً، واللواء 93 ينتشر في شمال غربي الرقة، ومايزال صامداً، والفوج 121 في الحسكة مايزال صامداً بالرغم من تعرضه لهجمات متزامنة مع الهجمات على مقر قيادة الفرقة 17. من الناحية العسكرية، احتفظ الجيش العربي السوري بقواته في مقر قيادة الفرقة 17، وفي الألوية التابعة لها، بالدرجة الأولى، لمنع القوات المعادية من ربط مناطق سيطرتها بعضها ببعض، ولكي تستخدم هذه المواقع العسكرية، لاحقاً، في معارك تحرير المنطقة الشرقية. ولكن، وبتأثير التغييرات الإقليمية وخصوصاً توسع مناطق نفوذ داعش في العراق وسيطرتها على كامل الحدود السورية العراقية وحصولها على كميات هائلة من معدات وذخائر الجيش العراقي، اختل التوازن العسكري في المنطقة الشرقية من سورية، ولاسيما بعد مبايعة مسلحي كتائب «الجيش الحر» لداعش وانقسام مقاتلي جبهة النصرة بين مبايعين لداعش وهاربين منها. كانت النتيجة الأولى لهذه التغييرات أن داعش أصبحت القوة المعادية الوحيدة للجيش السوري في شرق سورية. يجب لفت النظر هنا إلى أن هجوم داعش على مقر قيادة الفرقة 17 لم يكن سوى رد فعل من قبل داعش، وذلك بعد أن بدأ الجيش السوري سلسلة مكثفة من الهجمات بالطيران والصواريخ ضد مقرات قوات داعش في الرقة وفي ريف دير الزور الشرقي، وأيضاً بعد أن بدأ الجيش السوري تقدمه في ريف دير الزور الغربي، وتقدمه وسيطرته على بلدة عياش، وبعد أن عزز الجيش قواته في مطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة.
وهكذا بدأت داعش رد فعلها من خلال سلسلة من الهجمات على الأهداف التي اعتقدت أنها أسهل من غيرها، مثل مقر قيادة الفرقة 17 في الرقة والفوج 121 في «ميلبية» جنوب الحسكة، لكونها محاصرة منذ فترات طويلة جداً ويصعب على الجيش السوري إرسال تعزيزات إليها. ولنفس هذه الأسباب تحديداً تجنبت داعش الهجوم على مطار دير الزور العسكري، الذي لايوجد طوق عسكري لداعش حوله، أو حتى بالقرب منه، أو على على اللواء 137 في دير الزور، وهو أقوى ألوية المنطقة الشرقية ولا توجد أي قوات معادية حوله ومنه انطلق الهجوم الاستباقي للجيش السوري إلى ريف دير الزور الغربي منذ حوالي العشرة أيام. حصلت هذه التغييرت الهامة ولم يكن من الممكن أبداً القيام بعملية إجلاء للقوات الموجودة في مقر قيادة الفرقة 17، وذلك لتواجد قوات داعش حول مقر القيادة، وهذا يعني صعوبة الانتقال براً أو هبوط طيران مروحي داخل الفرقة. أما إرسال أي قوات جديدة، لفتح الطريق إلى مقر قيادة الفرقة، فهذه عملية معقدة جداً ولايمكن قياسها بعملية فك حصار سجن حلب المركزي وذلك بسبب انتشار قوات داعش على امتداد مساحات واسعة شرق وشمال وغرب منطقة مقر الفرقة أما جنوب المقر فتقع مدينة الرقة وجنوب المدينة يقع نهر الفرات، الذي يفصلها عن بقية محافظة الرقة وعن مطار الطبقة. أي أن عملية فك الحصار برياً تتطلب إما التقدم من الجنوب وعبور نهر الفرات وتحرير مدينة الرقة ومن ثم فك حصار مقر قيادة الفرقة أو القدوم من إحدى الجهات الثلاثة الأخرى إما عن طريق إنزال جوي، وهذا صعب جداً، لأن وجود أي قوات مشاة، بدون آليات ثقيلة، في ذلك المحيط سيجعلها تواجه خطر الحصار هي أيضاً، أما التقدم براً والالتفاف حول مدينة الرقة فهذه عملية طويلة جداً وقد تستغرق شهرين أو ثلاثة حتى تنجح.
الخيار العسكري الأنجع، حالياً، هو الاستمرار بصد الهجمات المتتالية، بينما يستمر الجيش باستهداف نقاط تجمع داعش، حول مقر الفرقة وفي النقاط الأخرى، بالطيران والصواريخ. هذه المشاغلة هي السبيل الوحيد لإضعاف قوات داعش والسماح لقوات الجيش السوري، عندما تسنح الفرصة، بالتقدم وتأمين موقع مقر قيادة الفرقة 17. فالصمود وإضعاف قوات الخصم المحاصِرة هو ماسيسهل تحقيق الهدف التكتيكي، وهو فك الحصار، أما الإجلاء السريع فيعني تركيز وقوع الخسائر في طرف واحد، وهو طرف الجيش السوري، وهذا لا يساهم لا في تحقيق الهدف التكتيكي ولا الاستراتيجي. هذه التكتيكات ستسمح أيضاً بتحقيق الهدف الاستراتيجي وهو إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الدواعش، ولاسيما وأن الأحداث الأخيرة، خصوصاً المواجهات بين داعش وخصومها، قد أظهرت أن لدى داعش حساسيةً بالغةً تجاه الخسائر الكبيرة في الأفراد وذلك لكون نواة مقاتليها من غير السوريين، وبالتالي لايتوفرون بأعداد كبيرة ويصعب تجنيد بدائل لهم، ولإدراكها أن أي ضعف أو نقص في تعدادها أو عتادها سيشجع خصومها السابقين على الانقلاب عليها ونقض بيعتهم لها ولأن هدفها الاستراتيجي هو إقامة دولة إسلامية، وهذا هدف يتطلب وجود الاستقرار قدر الإمكان.
تعليق ختامي
لابد هنا من توضيح بعض النقاط، وخصوصاً للقلقين من المتابعين. إن مايعمل الجيش السوري على تحقيقه في شرق سورية هو مهاجمة قوات داعش وعدم السماح لها بالتمدد والانتشار والاستقرار. والأولوية هي لإضعاف داعش وليست للاحتفاظ بنقطة عسكرية معينة. مع التأكيد على أن امداد القوات السورية في المناطق المتقدمة المتعرضة لهجوم الدواعش وتزويدها بمقومات الصمود يقود مباشرة إلى تحقيق هدف الجيش السوري في شرق سورية. الهدف الاستراتيجي هو إضعاف داعش أما بقاء قوات عسكرية في موقع معين، سواء شمال الرقة أو غيره، فهذه مسألة تكتيكية تخدم الغاية الاستراتيجية، ولا يجب أن تتقدم عليها وتحول دون تحقيقها. لذلك يجب أن يبقى المسار الاستراتيجي للمعركة نصب أعيننا. وماقام به الجيش السوري، خلال الأشهر السبعة عشر الماضية، كما شرح أعلاه، كان أفضل مايمكن القيام به، ومايقوم به حالياً هو أيضاً أفضل الخيارات المتوافرة، وهذا رأي أقدمه بموضوعية تامة.
أما داعش فهي ليست مرتاحة أبداً في سورية، كما تحاول هي أن تصور، وكما يحاول البعض أن يروج لغاية أو لأخرى، وهي ماتزال تتعرض باستمرار للقصف بالطيران والصواريخ ومواقعها غير آمنة أبداً فموقع حقل غاز الشاعر الذي استولت عليه مؤخراً قد عادت وخسرته اليوم. وأحب أن ألفت النظر هنا إلى أن ماخسرته داعش من مقاتلين في حربها مع الجيش السوري منذ بداية هذا الشهر يفوق كل خسائرها، في وجه كل أعدائها في سورية والعراق، خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام. تعتقد داعش أن أسلوبها الذي نجح ضد الجيش العراقي وضد جبهة النصرة و«ميليشيا الجيش الحر» سينجح أيضاً ضد الجيش السوري، وقد ظهر بشكل واضح، على صفحات داعش الإعلامية على «تويتر»، أن هناك حالةً من التفاجؤ بسبب تأخر سقوط مواقع الجيش السوري، في مقر قيادة الفرقة 17 وفوج الميلبية وغيره، وخصوصاً بعد أن أعلنت مصادر داعش الإعلامية عن سقوط مقر قيادة الفرقة 17 عدة مرات لتعود وتشير في اليوم التالي إلى أن القتال مايزال مستمراً. وهنا، أحب أن ألفت إلى أن الصمود المعنوي لجمهور الجيش السوري، سيقود بشكل مباشر إلى الصمود العسكري، وبالتالي تحقيق الهدف الاستراتيجي، والانهيار المعنوي سيقود إلى جعل المواجهة أكثر صعوبة. أما الصور التي تنشرها داعش لشهداء الجيش السوري فماهي إلا محاولة لتحقيق الانهيار المعنوي المطلوب، لذلك لاتقدموا لها هذه الخدمة. الحرب مع داعش ستكون الحرب الأشرس والأكثر دموية وأي معركة معها سيرتقي فيها الكثير من الشهداء. لا يجب أن يتفاجأ أي شخص بذلك، ولكن يجب أن يبقى في ذهننا أنهم يألمون كما نألم وتبقى الغاية هي الانتصار النهائي في الحرب.
التعليقات
فقعتونا
يلزمنا المزيد من التعلم
الأساطير الحية!
إضافة تعليق جديد