اتفاق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا
«لدينا الآن بارقة امل». عبارة باردة، حتى في قاموس المصطلحات الديبلوماسية، استخدمتها المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في اعقاب قمة مينسك، التي خرجت باتفاق لوقف اطلاق النار في الشرق الاوكراني.
ولعلّ ما بدر من تصريحات غربية متناقضة إزاء اتفاق وقف اطلاق النار، الذي يفترض ان يدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من بعد غد الاحد، يفسر برودة التعليق الالماني على القمة البيلاروسية، التي جمعت قادة «مجموعة النورماندي»، في إطار المساعي المبذولة لحل الازمة الاوكرانية، التي تتخذ منحى تصاعدياً منذ الإطاحة بنظام الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في شباط العام 2014. كذلك، فإن التفاصيل التي رافقت الاجتماع البيلاروسي، سواء في مينسك حيث لم يوقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل على الاتفاق بل «دعموه» فحسب، أو في واشنطن حيث يدور جدل حاد حول تزويد أوكرانيا بأسلحة «فتّاكة»، تفسر عبارة «ليست لديّ أوهام»، التي ردّت من خلالها المستشارة الالمانية على سؤال حول ما إذا كان اتفاق وقف اطلاق النار سيؤسس لحل شامل للأزمة الأوكرانية.
ويبدو أن ازمة اوكرانيا مرشحة لمزيد من التصعيد، بما يتجاوز الحرب الدائرة في الشرق، حيث تنتظر الجمهورية السوفياتية السابقة مرحلة صعبة على المستوى الاقتصادي، إذ تزامن الاجتماع البيلاروسي مع إعلان رئيسة «صندوق النقد الدولي» كريستين لاغارد عن «خطة إنقاذ» بقيمة 17.5 مليار دولار، من ضمن حزمة أكبر تقدر بـ 40 مليار يورو، يتوقع المراقبون أن تتطلب مزيداً من إجراءات تقشّف، ما يُنذر بتنامي الغضب الشعبي على النظام الحاكم في كييف، في بلد يتجاوز معدّل التضخم فيه عتبة الثلاثين في المئة، واقتصاده مهدّد بالإفلاس.
خريطة طريق
وفي ختام 16 ساعة من المحادثات المكثّفة، وقعت كييف مع المتمرّدين الانفصاليين الموالين لروسيا على خريطة طريق تستهدف إعادة السلام لهذا البلد، في خضم حرب أوقعت حتى الآن ما يزيد على خمسة آلاف قتيل.
وأجرت مجموعة الاتصال التي تضمّ موفَدين أوكرانيين وروس وممثلين عن «منظمة الأمن والتعاون في أوروبا» مفاوضات مع المتمردين الانفصاليين بشكل موازٍ مع محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيريه الأوكراني بيوتر بوروشينكو والفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل. وكان رئيسا جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ألكسندر زاخارتشينكو وإيغور بلوتنيتسكي وصلا إلى مينسك، يوم امس، إلى مكان اجتماع مجموعة الاتصالات.
وجاءت الخطوط العريضة للاتفاق على النحو التالي:
ــ بدء سريان وقف إطلاق النار يوم الاحد 15 شباط الحالي عند الساعة 00:01 بالتوقيت المحلي.
ــ سحب الأسلحة الثقيلة من منطقة النزاع خلال فترة اسبوعين تبدأ في 17 شباط الحالي، بهدف إقامة منطقة عازلة بعمق 50 كليومتراً للمدفعية الثقيلة (من عيار 100 ميللمتر وما فوق)، و70 كيلومتراً لراجمات الصواريخ، و140 كيلومتراً لأنظمة الصواريخ الأكثر تطوّراً، على ان يضمن مراقبون من «منظمة الأمن والتعاون في اوروبا» تنفيذ هذا البند، بما يتطلب ذلك من استخدامهم للأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع.
ــ العفو عن المقاتلين المنخرطين في النزاع.
ــ تبادل الاسرى خلال خمسة ايام من سحب الاسلحة الثقيلة.
ــ سحب كل الميليشيات الاجنبية من الاراضي الاوكرانية ونزع سلاح كل المجموعات غير الشرعية.
ــ رفع القيود عن المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين في اوكرانيا، وضمان حياة طبيعية لسكانها.
ــ إقرار تعديل دستوري يسمح بتطبيق اللامركزية في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين بحلول نهاية العام 2015، على ان تبدأ مفاوضات حول إجراء انتخابات محلية في إقليمي لوغانسك ودونيتسك وحول الحكم الذاتي لهذين الإقليمين، في اليوم الذي يلي سحب الأسلحة الثقيلة، ويترافق ذلك مع إصدار قانون في البرلمان الاوكراني لتحديد النطاق الجغرافي لمناطق الحكم الذاتي خلال 30 يوماً، وفق مرجعية اتفاق مينسك الاول في ايلول العام 2014.
ـــ السماح لأوكرانيا بمراقبة الحدود مع روسيا بحلول نهاية العام 2015، في حال تمّ تنفيذ باقي بنود الاتفاق. وتضمّن الاتفاق كذلك بنوداً أخرى من بينها ضمان ايصال المساعدات الانسانية، وإعادة دفع التعويضات وتحصيل الضرائب والرسوم، واستئناف العمل في النظام المصرفي الأوكراني في مناطق النزاع، وعقد لقاءات دورية لضمان تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.
تشكيك في النجاح
وبالرغم من أن ما تمّ التوصل إليه يوم امس يشكل مدخلاً لحل النزاع في شرق اوكرانيا، إلا أن اتفاق مينسك الثاني لا يذهب أبعد من الاتفاق الأول الذي تم التوصل إليه في أيلول 2014، والذي نصّ بدوره على وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة، من دون أن يترجم ذلك على ارض الواقع، لا بل أن الأوضاع الميدانية قد زادت تفاقماً منذ ذلك الوقت، وتمكّن المتمردون الموالون لروسيا من تحقيق مكاسب ميدانية على مختلف جبهات القتال.
ولعلّ المواقف المشككة التي صدرت في أعقاب توقيع الاتفاق تعكس تدني سقف التوقعات في ما يتعلق بحل الازمة الاوكرانية.
وقال هولاند إن اتفاق مينسك «لا يضمن نجاحاً دائماً»، لافتاً الى ان «الساعات المقبلة حاسمة» بالنسبة الى مصير الاتفاق، فيما علّق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالقول «إذا تبين انه وقف اطلاق نار حقيقي، فإني سأرحب به»، قبل ان يستدرك قائلاً «يجب ان نكون واضحين تماماً حيال فلاديمير بوتين الذي يجب ان يعرف ان العقوبات لن ترفع الا اذا تغير موقفه».
بدورها، قالت ميركل إن «الاتفاق لا يضمن نجاحاً دائماً»، مضيفة «لدينا الآن بصيص امل. ليست لديّ أي أوهام. ولا تزال هناك عقبات كبيرة أمامنا، لكن ثمة فرصة حقيقية لدفع الامور نحو الافضل».ورحبت الولايات المتحدة الخميس باتفاق وقف اطلاق النار، لكنها حذرت من ان هذه التسوية يجب ان تنفذ عملياً على الارض.
اما بوروشينكو، فكان أكثر صراحة في تصريحاته الصحافية على هامش القمة الاوروبية في بروكسل، والتي تأخّرت بضع ساعات بانتظار وصول ميركل وهولاند من مينسك، حيث شكّك بنجاح الاتفاق.
ودخل بوروشينكو القاعة التي انعقدت فيها القمة الأوروبية، ثم خرج منها. وبوجه لم يغادر التجهم والإحباط ملامحه، قال إنه «متفائل بحذر»، قبل أن يوضح أنه «للأسف، بعد توقيع اتفاق مينسك على الفور، شن الانفصاليون المدعومون من روسيا هجوماً عدوانياً مركزين بشكل رئيسي على (مدينة) ديبالسف». وشدّد بوروشينكو على أن تأجيل وقف اطلاق النار حتى يوم الأحد هو شرط وضعته موسكو، مشككاً بالنيات التي تقف خلف ذلك، قائلاً «لا يوجد أي تفسير يشرح لماذا يمكنك إعلان وقف إطلاق للنار، ثم يأتي أحد ويريدنا أن نؤجله. هذا لأنهم يريدون كسب أراضٍ إضافية، وهو الأسلوب ذاته الذي أظهروه في المفاوضات حول هذه القضية».
ونفى بوروشينكو أن تكون مباحثات مينسك مع بوتين تعرّضت لقضية انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي. وكان واضحاً من حديثه أنه كان مجبراً على توقيع الاتفاق، وأن ليست لديه أي قناعة به، لكنه وافق عليه بضغط من الرئيس الفرنسي والمستشارة الالمانية. وظهر ذلك خلال إجابته عن سؤال إن كان يثق بالرئيس الروسي، إذ ردّ قائلاً «أنا أثق بالقادة الأوروبيين، وأعتقد أن لدينا مشكلة ثقة مع روسيا»، قبل أن يطالب بتشديد العقوبات الأوروبية والاميركية في حال تم خرق الاتفاق الأخير.
والى جانب المواقف المشككة في النجاح، فإن بعض المؤشرات التي رافقت التوصل الى اتفاق مينسك تحمل في طياتها عراقيل عدة.
وعلى سبيل المثال، لفت الرئيس الروسي إلى أن الانفصاليين يتوقعون أن يقوم جنود أوكرانيون محاصَرون في ديبالتسيف، التي أصبحت في الاسابيع الاخيرة نقطة ساخنة جداً، بـ«نزع أسلحتهم».
وفي هذا الإطار كذلك، يمكن الإشارة الى تصريحات المتحدث باسم الجيش الاوكراني اندريه ليسينكو بشأن «دخول نحو 50 دبابة و40 قاذفة صواريخ متعددة الرؤوس من طراز غراد واوراغان وسميرتك، والقدر ذاته من المدرعات» من روسيا الى اقليم لوغانسك، ليل أمس، تزامناً مع انعقاد قمة مينسك.
أما نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف فحذر من ان تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بالاسلحة الفتاكة «سيكون تطوراً دراماتيكياً» في الازمة الاوكرانية، مضيفاً «اذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقاً بإحلال السلام (في اوكرانيا)، فعليها الا تفكر بهذه الاسلحة، وانما في كيفية التأثير على كييف لكي يبدأ الحوار السياسي مع دونيتسك ولوغانسك».
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد