موريتانيا: لا شيء هنا قد يستوقف السياح
راكعين تحت نجوم السماء المتلالئة يصلي رجلان مستقبلين القبلة فيما ترفرف عمامتاهما في الريح فوق قطار لنقل خام الحديد يمر ببطء عبر الصحراء.
وأخذ أحدهما وهو صبي يكبر ويوحد وهو يبتسم .. هو ورفيقه حسن متجهان من بلدة شوم في موريتانيا الى ميناء نواديبو على ساحل الاطلسي في غرب افريقيا لزيارة الاقارب ويحملان معهما بعض متعلقات ملفوفة في ملاءات.
وقال حسن وهو يدخن "الان تستطيع أن تقول انك ركبت اطول قطار في العالم."
بعد اكثر من أربعة عقود في الخدمة يمتد القطار لمسافة 2.5 كيلومتر لكنه لم يعد أطول قطار في العالم فقطارات نقل خام الحديد في غرب استراليا يمكن أن تكون ثلاثة أمثال هذا الطول. لكن الموريتانيين الفخورين بدولتهم الاسلامية ما زالوا يصفونه بهذا الوصف.
والسكك الحديدية حبل النجاة لواحدة من افقر دول العالم واكثرها انخفاضا للكثافة السكانية والتي تفصل بين افريقيا السوداء وافريقيا العربية. ويأمل بعض الموريتانيين الان في أن تنقلهم التغييرات السياسية الاخيرة والانتاج النفطي الجديد الى حياة افضل.
وتسلق الرجلان أعلى واحدة من عشرات العربات التي تنقل الخام من مناجم الحديد في زويرات الى الساحل حيث انهما أفقر من أن يدفعا 2500 اوقية (9.21 دولار) مقابل مقعد في عربة الركاب. انها رحلة شاقة لمسافة تزيد عن 640 كيلومترا.
يعتلي أشخاص اخرون أسطح العربات فيما يمتد القطار عبر الصحراء. بعضهم مهاجرون فقراء من صحراء افريقيا متجهين الى الميناء يحدوهم الحلم بالوصول الى جزر الخالدات في اسبانيا.
حسن الذي جثم تحت بطانية واحدة مع ثلاثة غرباء يسعى الى الاحتماء من البرد القارس والسخام. حين يبطيء القطار ترتطم عربات القطار بعضها ببعض محدثة صوتا اشبه بصوت الرعد فتوقظ الرجال من نوم متقطع.
وتستغرق الرحلة نحو 14 ساعة حيث تبلغ سرعة القطار 50 كيلومترا في الساعة فيما تجد برادة الحديد طريقها الى ملابسهم وأعينهم وافواههم.
وقال بابا ولد سيدي الامين وهو جالس خارج متجره في ميدان رملي في شوم قبل رحيل القطار "القطار يقل مهاجرين غير شرعيين او أشخاصا ينقلون بضائع لبيعها... لكن اذا كنت لا تملك 2500 اوقية لتسافر في عربة الركاب فانك لا تملك شيئا على الاطلاق."
دخلت السكك الحديدية الخدمة عام 1961 بعد عام واحد من استقلال البلاد الصحراوية الشاسعة عن فرنسا. ثم جسدت مناجم خام الحديد التي اكتشفت حديثا امال الجمهورية الجديدة في الرخاء لكن الاسعار العالمية المتأرجحة وسوء الادارة الاقتصادية وسلسلة من الانقلابات خلفت موريتانيا في مستنقع للفقر.
وشكل الحديد اكثر من 50 في المئة من صادرات البلاد العام الماضي من دولة لا يتجاوز عدد سكانها الثلاثة ملايين نسمة.
وقال حسن "نحن الموريتانيين معتادون بشدة على الجوع والعطش... الان باذن الله الامور ستتغير."
وبعد عقدين من الدكتاتورية تحت قيادة الرئيس السابق معاوية ولد سيدي احمد الطايع يأمل الموريتانيون بحذر في تحقيق الديمقراطية حيث سيطرت حكومة عسكرية على الحكم في اغسطس اب عام 2005 مع وعد بالانتقال الى الحكم المدني بحلول مارس اذار من العام القادم.
وقال اعل ولد محمد فال رئيس الحكومة العسكرية في مقابلة مع رويترز "موريتانيا دولة غنية محتملة... فيوجد بها النفط... والصيد والزراعة... لكن لديها نفس المشكلة التي تعاني منها الدول النامية الاخرى الا وهي كيفية استغلال هذه الثروات."
وتعززت الامال حين بدأ انتاج النفط من الحقول البحرية في فبراير شباط.
وفاز الاسلاميون بمقاعد في البرلمان في انتخابات جرت في ديسمبر كانون الاول.
وقال حسن وهو متكيء على صرة ممتلكاته على سطح القطار "نحن عرب... الناس هنا فخورون بحزب الله وبزعيمه السيد حسن نصر الله لانهما أظهرا أن اسرائيل ضعيفة" مشيرا الى الحرب التي دامت لاكثر من شهر في لبنان وبدأت في يوليو تموز.
وأضاف "توني بلير وجورج بوش شريران... صدام حسين كان دكتاتورا لكنهما أرادا فقط النفط" مشيرا الى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق للاطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وموريتانيا حليفة الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب وهي واحدة أيضا من بضع دول عربية تعترف باسرائيل. ويقول ساسة ان مسؤولية مراجعة هذه العلاقات ستقع على عاتق رئيس جديد ينتخب في مارس.
وبلدة شوم القريبة من الحدود الشمالية لموريتانيا مع الصحراء الغربية مقامة عند خط السكك الحديدية بالفعل.
واسقف المنازل الطينية في شوم والتي أسسها عمال في عام 1960 كانوا يمدون خطوط السكك الحديدية مصنوعة من قضبان السكك الحديدية. وتفصل عوارض السكك الحديدية بين الاراضي بين بعض المنازل.
وأطار هي اقرب بلدة وتقع على بعد أربع ساعات بالسيارة على امتداد طريق صخري.
وقال الامين وهو يشاهد مبارة لكرة القدم داخل متجره في تلفزيون يعمل بالطاقة الشمسية "السياح يمرون من هنا لاستقلال القطار ولا يمكثون في شوم. لا يوجد شيء هنا... ليست لدينا شبكة كهرباء... والمياه مذاقها مالح."
ويدوي صوت بوق من نافذة سيارة قديمة عليها ملصقات انتخابية وتسير في الشارع للترويج للانتخابات البرلمانية.
ومضى الامين يقول "الجميع يغادرون هذه البلدة... لا يوجد عمل هنا... الانتخابات هنا لن تغير شيئا. الساسة يقطعون وعودا لكنهم لا يملكون مالا."
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد