لا بلح الشام ولا عنب اليمن
أيتهما «مغامرة» أكثر خطورة؟ مواجهة إسرائيل العدو التاريخي المحتل، أم غزو اليمن؟ لأي منهما حشدت المملكة جهدا عسكريا وإعلاميا أكبر، للحرب على التكفيريين، أم لتأديب اليمنيين؟
هذه عينة من التساؤلات التي تثيرها الحرب الظالمة على اليمن، وهي كثيرة، ويمكن أن نسترسل بالمزيد: كيف تستقيم الدعوة السعودية إلى حوار يمني في الرياض، بينما كانت كل الاستعدادات تتخذ لبدء حرب عسكرية؟ هل يعقل أن كل هذه الحشود البرية والجوية قد جرى حشدها بين ليلة وضحاها؟ ألا تعجز أكثر الجيوش حرفية عن القيام بمثل هذه التعبئة بهذا الوقت الزمني المحدود؟
هل صحيح أن المملكة قررت قلب الطاولة بعدما بدا لها أن التفاهم النووي الإيراني – الأميركي صار وشيكا؟ ألا يقوم الإسرائيليون عادة بمثل هذه المهمات إقليميا كلما لاحت تطورات سياسية أو أمنية محددة ليست في مصلحتهم؟ وللمناسبة، هل يكفي الاتفاق النووي ليكون ردا إيرانيا ملائما على الرياض؟ وهل هو أيضا رد أميركي؟
كم حربا على الحوثيين شنتها قوى داخلية وخارجية؟ كم خرابا كان يجب على الحوثيين أن يحتملوا قبل أن يقولوا كفى؟ وكم تيارا أو جماعة تكفيرية جرى احتضانها داخليا وتمويلها من الخارج، لضرب الحوثيين مذهبيا وحتى في مواقع تواجد الزيديين الأساسية في صعدة مثلا؟ كم مليارا من الدولارات أُنفقت على تفرقة اليمنيين وتفتيتهم وزرع الشقاق السياسي والاجتماعي وتكفيرهم؟ وبالأحرى، كم مليارا أنفقت باسم تنمية اليمن السعيد وجعلته أكثر تعاسة؟
ألم يحصد الحوثيون مكسبا مهما منذ الضربة الأولى ضدهم؟ ألا تفترض البداهة أن النتيجة الفورية لهذا الغزو، تعني استنهاض همة شريحة واسعة من اليمنيين، سواء كانوا من مؤيدي «أنصار الله» أو من خصومهم سياسيا أو قبليا؟ هل أخذ المخططون لهذه الحرب الظالمة بحساباتهم أن الخصومة التاريخية بين أقدم الدول العربية تاريخا وبين مملكة آل سعود، لا يمكن لهكذا حرب إلا أن تغرزها عميقا في الذاكرة؟
وبهذه المناسبة، من يقود الحرب السعودية؟ وأي حكمة دفعت إليها؟ هل هو محمد بن نايف أم محمد بن سلمان؟ وهل هناك إجماع سعودي على الغزو؟ هل من مصدر سعودي موثوق يمكنه أن يؤكد أو ينفي وجود مثل هذا الإجماع من عدمه داخل تيارات العائلة الحاكمة؟ هل هي صحيحة التقارير التي تتحدث عن خلاف بين محمد بن سلمان ومتعب بن عبدالله، أي بين وزارتَي الدفاع والحرس الوطني؟
ألم يحن الوقت للسعوديين لمراجعة نتائج سياساتهم تجاه الجار العربي الأكثر فقرا؟ ألم يكن بالإمكان أفضل مما كان؟ أليس لافتا أن تكون المملكة رأس حربة في حربَين عربيتَين مفتوحتَين في آن واحد، في اليمن وسوريا؟ هل لاحظتم أن الدول المتحالفة في الحربَين هي ذاتها؟ فهل سيأخذهم غرور القوة في ما لو عجز الحوثيون عن الصمود طويلا، إلى مغامرة شبيهة في بلاهتها في سوريا التي تماسكت أربعة أعوام؟ هل تصدق على السعوديين مقولة «لا بلح الشام ولا عنب اليمن»، فيخرجوا منهما بِخُفَّي حنين؟
أمام سبع حروب تعرض لها الحوثيون خلال أعوام قليلة، وصبروا، ألا يحق لهم الآن أن يرددوا ما قاله الراحل درويش: «سنصير شعبا، إن أردنا، حين نعلم أننا لسنا ملائكة، وأن الشر ليس من اختصاص الآخرين»؟ أما كان يحق لهم، بعدما ذُبحوا مرارا، الزحف إلى عدن وصنعاء؟
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد