أوروبا والمهاجرون: فشل سياسة «دعهم يغرقون»!
حادث غرق جديد لمئات المهاجرين في البحر المتوسط أعاد تذكير أوروبا بخطايا سياستها.
استبدال عمليات «البحث والإنقاذ» الإيطالية، بعمليات أوروبية لمراقبة الحدود، لم يعكس اتجاه الظاهرة المتنامية. الأسوأ أن سياسة «دعهم يغرقون» لم تنجح إلا في المخاطرة بخسائر بشرية أكبر، خلافاً لمن رددوا، وعلى رأسهم المانيا، بأنها ستردع المهربين وستبعد المهاجرين عن ركوب قوارب الموت.
حادث غرق نحو 400 مهاجر من دول افريقية أعاد القضية إلى الواجهة. تفاصيل الحادث رواها ناجون من بين 150 شخصاً أنقذتهم سفن حربية ايطالية، كانت تقوم بدورية أمنية بين صقليا وسواحل ليبيا.
صحيح أن للظاهرة أسباباً متشابكة ومعقدة، لكن حينما تتكلم سيسيل كينجي عن تقصير السياسة الأوروبية فهي تعرف تماماً عما تتحدث. قبل أن تصير برلمانية أوروبية كانت وزيرة للهجرة في ايطاليا. خلال حديث تقول إن «مشكلة أوروبا أنها لا تقوم بما يكفي»، قبل أن تضيف «لدينا الأدوات الكافية للرد على الظاهرة، لكن يجب تغيير السياسة لاستخدامها، وهذا ما نحاول فعله».
تعمل كينجي الآن مع بعض المشرعين الأوروبيين على تقديم سياسة جديدة للهجرة واللجوء في التكتل الأوروبي. تتعامل بحذر مع استثمار القضية سياسياً من قبل أحزاب اليمين الأوروبي، ولذلك تتجنب الحديث عن «أزمة هجرة» كما تردد تلك الأحزاب لاستنفار الناخبين وكسب أصواتهم.
تقول وزيرة الهجرة السابقة إن «الأزمة هي في أن نجد أنفسنا في أزمة». تفسر ذلك بأن تدفقات الهجرة «ليست مسألة طارئة»، بل هي «حالة يجب أن يتم تنظيمها على المدى الطويل».
السياسة التي يعمل عليها البرلمانيون تعالج مجمل جوانب الهجرة، بوصفها كلاً لا يمكن تجزئته، من أزمات بلدان المهاجرين الذين مرورا بالتهريب وشبكاته، وصولا إلى عمليات البحث والإنقاذ ومنح اللجوء أو الحماية. لكن هذه السياسة لن تكون نسختها الأولى جاهزة، في أحسن الأحوال، قبل بداية العام 2016.
أحد الجوانب التي ستدعو لها السياسة الجديدة، كما تشدد كينجي، هي «عمليات بحث وإنقاد فعالة». يحضر ذلك وسط الانتقادات المستمرة للعملية الأوروبية لمراقبة الحدود «ترايتون»، التي استبدلت عمليات البحث والإنقاذ الإيطالية «ماري نستروم» (بحرنا). كان ذلك أشبه بمن يوقف خدمة سيارات الإسعاف، لتقليل تكاليف الإقامة في المستشفيات، رغم علمه أن الحوادث بحكم الواقعة. مع ذلك، دافعت برلين بشدة عن هذا الخيار، وحاججت بأن العملية الايطالية «تشجع» المهربين على إرسال المهاجرين لأنهم يعلمون أن «هناك من سينقذهم».
لكن جعل المهربين يرتدعون، عبر ترك المهاجرين يغرقون، لم ينجح في تقليل الأعداد. فقد أنقذت البحرية الايطالية نحو 10 آلاف شخص. عدد الذين ماتوا غرقاً تضاعف، فخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2014 سجّل غرق حوالي 100 شخص، في حين بلغ عدد الغارقين في العام 2015 نحو 900 شخص (من دون حساب الحادث الأخير الذي غرق فيه حوالي 400 شخص).
فشل سياسة «دعهم يغرقون» تؤكد عليه المنظمة الدولية للهجرة. يعلق فرانك لاكزكو، رئيس قسم الأبحاث في المنظمة، بالقول «ما نراه هو أن عدد الموتى يستمر في الارتفاع»، لافتاً إلى أنه «لم يكن صحيحاً المجادلة بأن عمليات البحث الايطالية كانت عامل جذب للمهاجرين».
السياسة التي تطالب المنظمة باتباعها هي «فعل كل ما يمكن لمحاولة إنقاذ الأرواح في البحر». لكن بدلاً من ذلك، تركز دول أوروبية مؤثرة، مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا، على أن التهريب هو السبب الرئيسي للمشكلة. هكذا تتجاهل تلك الدول أن أبرز عوامل تسهيل تجارة المهربين هي الحرب في ليبيا، وهو البلد الذي تركته عمليتهم العسكرية لوحده بيد ميليشيات القتل والفوضى.
يقول رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إن حوادث الغرق الأخيرة تؤكد أن «الأزمة الليبية تكلف أرواحاً داخل ليبيا وخارجها على حد سواء». ويشدد على أن أوروبا تتحمل مسؤولية أكيدة تقتضي التعامل مع قضية الهجرة كتحد مشترك، قبل أن يذكر بأن «البحر المتوسط هو حدود أوروبا، وهي اليوم الحدود الأكثر فتكاً في العالم».
الجميع مدركون لحقيقة أن الصراعات، وأبرزها الحرب السورية، هي أكبر المحركات التي تنتج يأساً كالذي يدفع اللاجئين للمخاطرة في قوارب الموت. منظمة الهجرة الدولية تقول إنه ما «لم يكن هناك مؤشر» لوجود تسوية، فإن موجة اللجوء ستستمر في الارتفاع.
في السياق ذاته، اعتبرت منظمة العفو الدولية أن ما يحدث يثبت «فشل السياسة الأوروبية»، لافتة إلى أن تبرير إلغاء عمليات الإنقاذ والبحث بأنها «عامل جذب» للمهاجرين هو «حجة معيبة». علق غورب فان غولك، المسؤول في المنظمة، متسائلا «كم يجب أن يزداد عدد القتلى حتى تقتنع الحكومات الأوروبية بهذا المنطق الفاسد؟».
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد