«داعش» يسيطر على معبر الوليد: تكريس استراتيجية «كسر الحدود»!
يوماً بعد يوم، تظهر الوقائع الميدانية أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يبرمج «غزواته» وفق استراتيجية، يلخصها شعاره «باقية وتتمدد».
وبعد أيام على اجتياحه مدينتي الرمادي وتدمر، وتمكنه بالتالي من ربط البادية السورية بمحافظة الأنبار، أحكم التنظيم المتشدد، فجر امس، سيطرته على معبر الوليد العراقي، وذلك بعد ثلاثة أيام من سقوط معبر التنف المقابل، على الجهة السورية، في قبضته، لتصبح بذلك كل المعابر الحدودية بين سوريا والعراق تحت قبضته، باستثناء معبر الربيعة الذي فيه قوات كردية.
ونقلت وكالات الانباء عن مصادر عسكرية في الانبار ان مسلحي «داعش» سيطروا على منفذ الوليد، بعدما انسحبت القوات الأمنية العراقية منه، فجر امس، وذلك بعد ثلاثة أيام من سقوط معبر التنف، وهو الجانب الآخر من المعبر البري الأخير الذي كان مفتوحاً بين البلدين الجارين، وذلك عقب دخول التكفيريين مدينتي الرمادي وتدمر.
وبحسب المصادر فإن القوات العراقية الموجودة في معبر الوليد انسحبت باتجاه منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن.
وقالت رئيسة لجنة المنافذ الحدودية في محافظة الأنبار سعاد جاسم «لم يكن هناك أي دعم عسكري للقوات الامنية، التي لم تكن كافية، بدورها، لحماية المنفذ».
وبسيطرته على منفذ الوليد ـ التنف بالكامل، يكون «داعش» قد أحكم قبضته على آخر المنافذ الحدودية بين سوريا والعراق، ما عدا معبر ربيعة (العراق) ـ اليعربية (سوريا)، الذي تسيطر عليه قوات البشمركة الكردية من الجانب العراقي و «وحدات حماية الشعب» الكردية على الجانب السوري منذ أشهر.
وإلى جانب الوليد ـ التنف، هناك منفذ آخر يسيطر عليه مسلحو «داعش»، وهو القائم (العراق) - البوكمال (سوريا)، والذي سقط في قبضة التنظيم المتشدد في تموز العام 2014
ويظهر إصرار «داعش» على التحكم بالمعابر الحدودية، ان التنظيم التكفيري يتوخّى «كسر الحدود»، وتوسيع خطوط المواصلات والإمداد بين مناطق سيطرته في سوريا والعراق، ما يتيح له نقل التعزيزات العسكرية على جانبي الحدود بحريّة أوسع، وكميات أكبر، كما أن حركة عناصره وقياداته بين حدود البلدين ستكون أكثر أمناً من قبل.
ومن المتوقع، إذا استطاع «داعش» أن يستمر بسيطرته على معبر التنف - الوليد أن يؤدي ذلك إلى عرقلة الجهود الرامية إلى استعادة السيطرة على تدمر في سوريا، والرمادي في العراق، بسبب هامش المناورة الجديد الذي بات يمتلكه التكفيريون.
وحول ملابسات سقوط معبر الوليد، قال القيادي في «الحشد الشعبي» معين الكاظمي لـ «السفير» إن «أسباب السقوط تمثلت في انقطاع الدعم اللوجستي والعسكري من العمق العراقي للقوات المرابطة في المعبر»، في إشارة إلى تداعيات سقوط الرمادي في أيدي «داعش».
وشرح الكاظمي الوضع الذي كان قائماً على معبر الوليد منذ فترة، قائلاً ان «الوضع في هذا المعبر كان مثيراً للقلق منذ فترة طويلة»، ومعتبراً انه «كان ينبغي على الحكومة العراقية أن تأخذ موضوع المعبر بالاعتبار».
وحذر القيادي في «الحشد الشعبي» من خطورة تحول المعبر إلى مصدر تمويل لـ «داعش»، داعياً إلى إغلاقه، والعمل على منع التنظيم المتشدد من إدخال الشاحنات عبره، خصوصاً ان الاتاوات التي يفرضها على هذه الشاحنات تشكل مصدراً مهماً من الواردات المالية لنشاطاته.
وفي اتصال مع «السفير»، تحدث الخبير العسكري السوري العميد علي مقصود عن أهمية معبر الوليد – التنف.
وأوضح مقصود ان هذا المعبر يربط بين سوريا والعراق، ويشكل عقدة الوصل بين مدينتي تدمر والرمادي.
وأضاف مقصود ان «هذا المنفذ الحدودي هو بمثابة الشريان الذي يربط سوريا والعراق، ما يفسر سعي (داعش) الدؤوب للسيطرة عليه»، خصوصاً بعد سيطرته على الرمادي وتدمر.
وأشار مقصود، كذلك، الى ان المعبر «يفصل بين الاراضي السورية والعراقية من جهة، ويجاور الحدود السعودية بعد محاذاة الحدود الأردنية من جهة ثانية، وبالتالي فهو يربط بين أربع دول متجاورة».
وفي ما يتعلق بتأثير هذا التطور الميداني على الوضع في سوريا، قلل مقصود من التداعيات المباشرة لسقوط الوليد - التنف، موضحاً ان المعبر مغلق منذ فترة، ولن تتأثر المبادلات التجارية بين دمشق وبغداد بسيطرة التكفيريين عليه، بالنظر الى وجود طرق بديلة، علاوة على استمرار الرحلات الجوية بين البلدين.
ويذهب مقصود أبعد من ذلك، قائلاً انه ينبغي عدم النظر إلى التطورات الأخيرة التي حدثت في البادية على أنها نهاية المطاف، موضحاً ان «القيادة السورية تعتمد اليوم استراتيجية الاقتصاد في العنصر البشري في مواجهة حرب الاستنزاف المفتوحة»، ومستشهداً بالعملية العسكرية الأخيرة في جسر الشغور «التي تعد مثالاً على هذه الاستراتيجية»، بحسب قوله.
بدوره، لفت الخبير العسكري الاردني فايز الدويري، في حديث الى «السفير»، الى ان «معبر الوليد يعد الأقرب إلى الحدود الاردنية»، لكنه قلل، برغم ذلك، من خطورة الامر على الاردن، موضحاً ان «هذا المعبر ليس لصيقاً بالحدود الاردنية، وهو يبعد عنها ما يقرب من 100 كيلومتر».
وأضاف «اذا نظرنا إلى الارض المحيطة بهذا المعبر لوجدنا انها عبارة عن فراغ سكاني، والمقصود بذلك منطقة بادية الشام الشرقية والمناطق البركانية، بالتالي هي ليست محط اهتمام القوى المتصارعة للسيطرة على المنطقة الجنوبية، ولا تشكل أهمية استراتيجية».
ومع ذلك، أكد الدويري ان السيطرة على الوليد – التنف ستنعكس إيجاباً على عمليات «داعش»، باعتبار ان هذه السيطرة ستختصر عامل الزمن في ما يتعلق بتحركات مسلحي التنظيم المتشدد شرقاً وغرباً.
وأوضح انه قبل سيطرة «داعش» على الوليد – التنف «كنا نتحدث عن منطقة بادية ليس فيها شبكات طرق، أو أن شبكات الطرق فيها محدودة جداً. أما اليوم فالحديث يدور حول الطريق الذي يعبر معبر القائم – البوكمال، والطريق الذي يعبر الوليد – التنف، وهذان طريقان رئيسيان، ومعبّدان، وسيستخدمهما (داعش) في تحركاته بين سوريا والعراق، وبدلا من أن ينقل مسلحيه عبر أرض صعبة، يحتاج عبورها الى 4 أو 5 أيام، فإن هذين الطريقين سيمكّنان التنظيم من الوصول إلى العراق من سوريا وبالعكس خلال 6 الى 8 ساعات».
وتثير هذه التطورات تساؤلات بشأن ما ستحمله الايام المقبلة في الحرب المفتوحة التي يخوضها «داعش» في العراق وسوريا.
يجيب الدويري «الآن أعتقد ان الخطوة المقبلة لتنظيم «داعش» ستكون باتجاهين: مدينة حمص والقلمون الشرقي».
• شارك في إعداد التقرير: عبد الله سليمان علي، طارق العبد (دمشق)، سعاد الراشد (بغداد)، رانية الجعبري (عمّان)
السفير
إضافة تعليق جديد