عن دراما الموسم: النقاد ينتقمون
الياسمين الدمشقي ينزف وجعاً وأحلاماً بالرحيل
تحظى مسلسلات «غداً نلتقي» و«بانتظار الياسمين» و«عناية مشددة» بالنصيب الأوفر من المتابعة خلال شهر الصوم، من بين الأعمال التلفزيونية التي تتناول «الحرب السورية» بعيداً عن المقاربات الساخرة. هذا ما تكشفه أحاديث الشارع السوري، ومواكبات السوريين عبر موقع التواصل الاجتماعي لدراما تستوحي أحداثها من معاناتهم.
في المقابل، ثمّة سوريون أقلعوا عن مشاهدة هذا النوع من الأعمال، بسبب قسوة طرحها، وإيغال بعض مشاهدها في نكئ الجراح، وإبراز أبشع صور الحرب، بينما يحاولون الهرب من مرارة الواقع، بحثاً عن فسحة تسلية ضيقة عبر أعمال خفيفة. بين هذا وذاك، هناك حالة من الإجماع على «غداً نلتقي» (سيناريو إياد أبو الشامات ورامي حنّا، وإنتاج شركة كلاكيت ــ يُعرض على lbci، و«أبو ظبي، وLDC) في ملامسته لهموم اللاجئين السوريين الفقراء على اختلاف انتماءاتهم السياسية، وبعيداً عن الشعارات المختلف عليها، عبر ملاحقة يوميات مجموعة جيران ألقت بهم أقدار الحرب في بناء متهالك في لبنان بانتظار رحلة الهجرة التالية. هؤلاء، يتشاركون البؤس، ويستجرون خيباتهم القديمة التي تعود إلى ماضٍ يأبى مفارقتهم، ويواجهون خيبات جديدة.
الأداء الأخّاذ لمجمل نجوم العمل، واعتناء المخرج رامي حنّا بأدق التفاصيل؛ يجعل المشاهد في حالة ترقب لحلقاته، متعطشّاً لمتابعة مصائر الشخصيّات، خصوصاً «وردة» (كاريس بشّار) التي تتصّدر المشهد ببساطتها، وعفويتها، وجنونها، عبر حكاية حبّها لـ «محمود» (عبد المنعم عمايري)، وحبِّ شقيقه «جابر» (مكسيم خليل) لها، وتناقض أسلوب حياة الشقيقين، واتجاهاتهما السياسية، بينما تجمعهما الخيبة والمرض والحبيبة نفسها. من دون أن نغفل عوامل الجذب الكثيرة في حكايات المسلسل وشخصياته التي يجسّدها باقي الممثلين بأداءٍ منضبط يعيدنا إلى زمن البطولات الجماعية في الدراما السورية.
وفي مسلسل «بانتظار الياسمين» (تأليف أسامة كوكش، إنتاج شركة abc ــ يُعرض على «osn يا هلا»، و«osn يا هلا دراما»، و«دبي»، و«سوريا دراما»، و«تلاقي»)، يجسّد أبطال العمل شخصيّاتهم ببساطة وواقعية واحترافية، أمام كاميرا المخرج سمير حسين.
أداء أخّاذ لمجمل نجوم «غداً نلتقي» واعتناء المخرج رامي حنّا بأدق التفاصيل
حكايات تدور حول مهجّري حرب نزحوا من مناطق ساخنة في سوريا، ليتجمعوا في حديقة في قلب دمشق، ويحاولون التأقلم مع واقعهم الجديد، بينما لا يتوقف القدر عن صفعهم مرّة تلو الأخرى. هكذا، تُختطف ابنة «لمى» (سلاف فواخرجي) بالتوازي مع استمرار مأساتها بانتظار خبرٍ عن زوجها الذي ذهب ليحضر ربطة خبز ولم يعد، ويحترق وجه «أم عزيز» (شكران مرتجى) فيهتزّ كيانها كامرأة، ويتهدّد الخطر أطفالها في العراء، كما يتوالى سيناريو الخيبات التي يواجهها «أبوسليم» (غسان مسعود) وعائلته. فبعد أن كان صاحب معملٍ لصناعة صابون الغار، يتحوّل الرجل إلى حمّالٍ في الأسواق، وسط محاولاته اليائسة مع ابنه لتأمين متطلبّات العائلة.
سكّان تلك الحديقة بنوا علاقةً قائمة على التعاطف من جانب المشاهد من خلال حكاياتهم المرّة وأدائهم البعيد عن التكلف، في مواجهة «أبو الشوق» (أيمن رضا) وعصابته الذين يمثلون الشرّ المطلق، ولا يكفّون عن التربّص بهم. هنا، يقع النص نوعاً ما في فخ «الأبيض والأسود» في رسمه لملامح بعض الشخصيّات، فيما تبدو عوالم شخصيّات المدينة الموازية وحكاياتهم أكثر تلوّناً، وسط جهدٍ واضح لإبراز تأثيرات الحرب اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً على العائلات السوريّة، ما أدخلها في حالةٍ من انعدام الوزن.
على الضفة الأخرى، تميل الحوارات خارج مسرح القصّة الرئيسي إلى الثرثرة والتطويل، مع أداء مفتعل في أحيانٍ كثيرة. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الاختيار الخاطئ لعددٍ من الممثلين، ما أضرّ ببعض خطوط «بانتظار الياسمين» رغم زخم حضور النجوم. ويشوب العمل أيضاً ميل بعض الجمل الحوارية لـ «الكليشيهات» في تغنيّها بالتنوّع السوري الذي «طعنته الحرب في الصميم».
من جهته، يستمر «عناية مشددة» (سيناريو علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج أحمد إبراهيم أحمد، وإنتاج شركة «قبنض» ــ يُعرض على nbn، و«حواس»، و«سوريا دراما») بإشعال السوشال ميديا. وتعكس هذه الأصداء أحاديث الشارع حول مسلسل يحظى بمتابعة واسعة منذ الحلقة الأولى. متابعة تتأرجح بين التبني المطلق وإبداء الإعجاب الكبير، وانتقادات كبيرة وصل بعضها إلى حد التطرف في رفض ما يطرحه العمل، وإعلان التوقف عن مشاهدته.
لا يُخفي صنّاع «عناية مشددة» انتهاجهم أسلوب الصدمة بتقديم مقاربتهم لما يجري على الأرض السوريّة. وهذا ما حدث فعلاً مع عرض مشهد تقطيع «هموم» (أمانة والي) لضحيتها التي تحوّلت جثتها إلى قطع للمتاجرة بالأعضاء البشريّة، فيما كان مصير ضحية أخرى في القمامة. لم ينتظر العديد من المشاهدين تقديم مبرّرات لساديّة هذه الشخصيّة، قبل توقّفهم عن المشاهدة، بينما بارك كثيرون آخرون جرأة العمل بتقديم شخصيّات لها مرجعيتها الحقيقية، استناداً إلى ما سمعوه وعايشوه في مناطقهم.
ينسج المسلسل أحداثه عبر تقديم حكايات تتسم معظم شخوصها بالشر أو الخير المطلقين، وسط تأكيدات القائمون عليه أنّ الأحداث مستوحاة من «واقع سوريا الأليم». هكذا، لا تمرّ حلقة من العمل من دون الإيغال بالوجع السوري.
تبدو خطوط «عناية مشدّدة» وأحداثها غزيرةً وخاطفة، الأمر الذي يوقع المتلقي في حالة توهان، كما أنّ هذه الخطوط تحتاج إلى ممثلين متمكنّين لتقديمها بما يوازي زخمها. وهنا تكمن نقطة الضعف الأبرز، إذ جاء أداء عددٍ كبيرٍ منهم باهتاً ومتعثّراً في مجارات الأحداث، وربمّا يعود الأمر هنا لأسبابٍ إنتاجية حالت دون استقطاب الممثلين الأفضل لأداء الأدوار المناسبة. ويستثنى من ذلك الأداء المميّز لعباس النوري بشخصية «أبو معتصم» البعثي الفاسد كرمز لأحد مفاصل الفساد الأعمق في البلاد. ويبدو أداء حلا رجب لافتاً في شخصيّة «نهلة»، وكذلك مهيار خضور بدور «زكوان» زعيم العصابة. غير أنّ أداء باقي أفراد عصابته ظهر كاريكاتورياً، وكذلك أشكالهم ولا تخرج عن صورة الأشرار التقليدية في أفلام الرسوم المتحركة. ولا يمكن تجاهل الشعور بالصدمة حيال أداء سليم صبري الذي يمكن اعتباره من الأداءات الأكثر سوءاً بالعمل.
وإذا كان الإخراج يقتضي إعادة كتابة المسلسل بصيغة بصريةٍ مُثلى، يمكننا القول إنّ «عناية مشددة» تمت صياغته بصرياً على عجل في أماكن ينفع فيها التأنّي لتقديم عملٍ على هذا المستوى من الحساسية.
محمد الأزن
فخ الكليشيهات أوقع هيثم حقّي ونجدت أنزور
بموازاة الكارثة التي ضربت دمشق قبل أكثر من أربع سنوات، راحت صناعة الدراما تتهاوى نحو الانهيار بسرعة كبيرة، تفوق بأشواط المدة التي استغرقتها حتى ازدهرت. المشكلة أنّ السياسة هذا الموسم دخلت بشكل عاصف ضمن كواليس الفنّ الاستهلاكي أيّ الدراما التلفزيونية، وتحوّلت القضية لما يشبه توزيع مكافآت لمخرجين وممثلين أطلقوا مواقف متباينة خلال سني حرب عجاف تكفّلت بهدم سوريا.
هكذا، صار اسم المخرج نجدت أنزور ماركة مسجّلة ليس بالطريقة التي عرفناه بها عندما صنع أيقونات الدراما «نهاية رجل شجاع» (كتابة حسن يوسف) و«أخوة التراب 1» (كتابة حسن يوسف)، إنّما بشكل آخر تمثّل بقدرته الفائقة على تلميع صورة السلطة. على أي حال، قدّم أنزور هذا الموسم مسلسل «إمرأة من رماد» (كتابة جورج عربجي وإنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» ــ يُعرض على «تلاقي»، وnbn). وفي العمل نحن أمام كليشهات جاهزة، يعتقد المشاهد لبرهة أنّها أُعدّت في «الإدارة السياسية» أو في «دائرة الإعلام الحربي» بهدف التعبئة العامة والانسجام الكلي مع الإعلانات الطرقية التي تملأ شوارع الشام وتشجّع على الالتحاق بالجيش والقوات المسلحة! لكن هذه المرّة بلغة بصرية فقدت بريقها عندما أُدلجت مسبقاً، ورسمت أهدافها السياسية قبيل البدء بإنجازها.
فالسيّدة «جهاد» (سوزان نجم الدين) بطلة العمل تمثّل مطلع الإخفاق الذريع، بسبب محاولات مبالغة لفريق الماكياج لتصغيرها لتتناسب مع عمر الشخصية المكتوبة. وكان يُفترض أن نلاحق هزائم المواطن السوري وقهره من خلال «جهاد» التي فقدت ابنها في تفجير، فإذا بنا أمام ادعاءات ومصادفات رتيبة وإيقاع مملّ لسيدة متصابية تتصرّف بطريقة غير مفهومة. تلك الطريقة لا يمكن أن تكون مبرّرة وفق منطق الدراما حتى لو كانت الشخصية تعاني من عقد نفسية متراكمة، لأنّ أحداث العمل تدور في فراغ لتصل إلى مفترقات خطابية لـ«جهاد». خصوصاً عندما تحاضر بأخيها، بعدما يقرّر الذهاب إلى الجيش من أجل الذود عن أبناء وطنه، وهو ما يتكرّر مع والده عند لحظة وداعه لابنه. فيما ينشغل المسلسل في غالبية مفاصله بهم تبرئة إحدى الفئات السورية مقابل تجريم البقية، لتبقى مصادفة لقاء «جهاد» بضابط يصغرها بسنوات (سعد مينه) خارجة عن السياق الذي يمكن للمتابع هضمه.
في مقابل ذلك، لم تكن عودة «شيخ المخرجين السوريين» هيثم حقي بعد انقطاعه سنوات عن مهنته الإبداعية بأحسن حال مما فعله صاحب «الجوارح» (تأليف هاني السعدي وإخراج نجدة إسماعيل أنزور). فالعودة التي انتظرناها وتمثّلت في مسلسل «وجوه وأماكن» (كتابة هيثم حقي وخالد خليفة وغسّان زكريا، يُعرض على «العربي»)، سرعان ما خيّبت آمالنا. خرج بعض نجومها على قناة «العربية» قبيل عرض المسلسل، وتباهوا بأنّ مسلسلهم هو أوّل تجربة تنجز بعيداً عن مقصّ الرقيب البعثي؟!
طبعاً، يعرف كل من يتابع الدراما السورية أنّ أعمالاً عدّة سبقت هذا المسلسل وأُنجزت بمنأى عن أيّ رقابة رسمية منها «الولادة من الخاصرة 3» (تأليف سامر رضوان، وإخراج سيف الدين سبيعي) و«غداً نلتقي» (اخراج رامي حنّا الذي تشارك الكتابة مع إياد أبو الشامات). هذا إذا تجاهلنا عن قصد حقيقة السقف الرقابي المعقول الذي كان يُتاح لصنّاع الدراما قبيل تدهور الأوضاع في البلاد.
تتوالى في «وجوه وأماكن» مشاهد متقنة من حيث جودة الصورة وجهود مهندس الديكور هجار عيسى وفريق الإنتاج الذي قاده فهر الرحبي بتجهيز لوكيشنات تقنع المشاهد بأنّ الحدث يدور في سوريا رغم تصويره في تركيا. لكننا نلمس على مستوى حكاية العمل الأولى «وقت مستقطع» بنية مكرورة في قصة مهندس كمبيوتر (جمال سليمان) متزوّج من أستاذة جامعية (يارا صبري) يقع في شِباك غرام تنسجه له سيّدة مطلقة (سوسن أرشيد)، وهي ابنة لواء متقاعد (عبد الحكيم قطيفان)، لكنه لا يزال متنفّذاً لدى الدولة. لنشاهد على خلفية القصة نشرات أخبار تعبُر سريعاً لتعلن اندلاع شرارة «الربيع العربي»، عندما أحرق التونسي محمد البوعزيزي نفسه. وسرعان ما تصل رياح الحرية العاتية إلى دمشق، فيُعتقل ابن المهندس ويتواسط له اللواء فيُطلَق سراحه. ثم تعتصم شخصيات العمل عند جُمل تكرّر مرّات في كل حلقة لتُفيد بأنّ «النظام يطلق الرصاص الحيّ على المتظاهرين السلميين»، وهو عنوان أُعيد آلاف المرّات على الشاشات، لدرجة أنّه أصبح بديهية حفظها العالم عن ظهر قلب. وفي الوقت الذي جرّب العمل تصنيع حكايات المظلومين الذين التحقوا بـ «الجيش الحرّ»، خرج هزيلاً أمام واقعية قصص خَبِرها السوريون جيداً. هكذا، لم نفهم ما هو المبرّر من العودة إلى زمن وثّقه الناشطون بمئات الفيديوهات المصّورة، وصُنع عنه عشرات الأفلام الوثائقية، وظلّ واقعاً يتفوّق على أيّ مخيّلة خصبة. ربما يكمن السرّ في رغبة شركة «ميتافورا» المنتجة للعمل والمولودة حديثاً، والتي يترأس مجلس إدراتها الفلسطيني عزمي بشارة، بلمّ شمل المعارضين للنظام السوري لصناعة دراما باهتة ليست أفضل حالاً من بعض الأعمال التي تنتجها «المؤسسة العامة للإنتاج التفزيوني». بل هي تمثلّ وجهاً آخر لعملة واحدة نشهد زمن تدهورها.
مع ذلك، يتمكّن السيناريست والمخرج زهير قنوع من صناعة مسلسل لطيف هو «شهر زمان» (يُعرض على nbn، و«سوريا دراما»، و«تلاقي»). رغم إنجازه قبيل رمضان وعرضه الأوّل على «mbc plus» المشفّرة ، يبعث العمل رسالة من دمشق يقول صنّاعه فيها «نحن بخير رغم ما يسوّرنا من موت». يمكنهم ببراعة استثمار الغليان وتوظيفه بسلاسة في مادة تلفزيونية تُحاكي الواقع بهدوء وبمعافاة من الانفعال والتطرّف. في المسلسل نلاحق مصائر نماذج سورية بأبعادها الحقيقية، بما فيها من سلبية وإيجابية لأشخاص قرّروا التشبّث بالبلاد رغم المِحَن. كما نشاهد أمثلة حيّة عمن استسلم للظرف الراهن، وجلس يتحسّر منتظراً انتهاء الأزمة، وعمّن راح يتلقّف طاقة إيجابية حتى من رائحة البارود وقرر الانهماك في حياته، والتركيز على مستقبله. إضافة إلى بداية طرح خط درامي يغوص في عمق أحلام شابة تأمل صناعة سينما تسجيلية علّها توثق للأحداث الموجعة.
وسام كنعان
كوميديا الأزمة يلفّها السواد
تؤكد دراسات عدّة أنّ ملحمة «الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالي دانتي مسروقة من «رسالة الغفران» لأبي العلاء المعري. مع ذلك، بُرّئ دانتي من التهمة لتظل الملحمة الشعرية المكتوبة في ثلاثة فصول «الجحيم والفردوس والمطهر» أيقونة أدبية منذ زمن بعيد تشرح معنى الكوميديا السوداء. برع السوريون في هذا المجال منذ أيام «مسرح الشوك» (أسّسه الراحل عمر حجو) قبل أن تتلفز الفكرة لاحقاً على يد المخرج الليث حجو، وبشراكة واقتراح من النجمين أيمن رضا وباسم ياخور.
لكن شركة «سما الفن» حوّلت الفكرة إلى تجارة رابحة، وصار مسلسل «بقعة ضوء» تقليداً سنوياً، حتى ولو في غياب نجومه المؤسّسين! في هذا الموسم، نتابع الجزء 11 من السلسلة الكوميدية الشهيرة (يُعرض على «سما»، و «سوريا دراما»، و«المنار») الذي يعتمد في غالبية مفاصله على الأزمة العاصفة بالبلاد، ويقدم نمطاً من الكوميديا السوداء.
تسلّح المخرج سيف الشيخ نجيب بنجوم الصف الثاني أمثال أندريه سكاف، ومحمد حداقي، وفادي صبيح، وأحمد الأحمد، ورنا شميّس، مع وجود للنجمين عبد المنعم عمايري وفايز قزق. هكذا، مرّ المسلسل رغم تدنّي مستوى نصوص لوحاته وتكرار أفكار لوحات قديمة، وغَرَق بعضها الآخر في التهريج، متخذة من اللهجة مفتاحاً وحيداً للكوميديا، كما كان يفعل الكوميديان ياسر العظمة في مراياه.
لكن «بقعة ضوء 11» استفاد من تماس أحداثه مع الواقع السوري حتى في المناطق الساخنة، من دون تقديم جديد عمّا شاهدناه في الجزءين الماضيين.
مع ذلك، تمكّنت بعض اللوحات من تحقيق ضربات ناجحة، مثل تلك التي تتحدّث عن موظّف عصامي يصرّ على الوصول إلى مكان عمله عابراً الحواجز ومجابهاً الموت، لنكتشف بعدها أنّه المسؤول عن التقنين الكهربائي في دمشق.
بدا اقتراح لوحات «وطن بدل ضائع» بدلاً من «غداً نرتقي» التي قُدّمت في الأجزاء الثلاثة الأخيرة معقولاً إلى حدّ كبير، لكونه يلخّص همّ السوريين الذين هربوا من جحيم الموت فابتعلهم البحر خلال هجرتهم غير الشرعية نحو وطن بديل! ونتابع في هذه اللوحات أداءً ملفتاً لمحمد حداقي وأندريه سكاف. الأخير شارك سابقاً في لوحات «أمل ما في» مع بسام كوسا. هنا، يطل حداقي بقدم مكسورة، في إشارة إلى النظام السوري الذي يعرّيه الممثل الكوميدي بأسلوب هادئ، فيما يمثّل سكاف الشعب. ربّما يطرح الثنائي بديلاً موضوعياً لموالٍ ومعارض من عامّة الناس، علقا في جزيرة معزولة وراحت نقاشاتهما اليومية تطرح واحدة من عناوين نشرات الأخبار بلغة يرتفع مستواها حيناً نحو الفلسفة الساخرة، وينحدر أحياناً باتجاه العموميات المكرورة، قبل أن ينتهي الجدال بشقاق محبّب باعتباره لمحة كوميدية مقبولة.
بدورها، تسير النجمة السورية أمل عرفة في حيثيات الجزء الثاني من مسلسلها «دنيا» (إخراج زهير قنوع ــ يُعرض على «أبو ظبي»، و«الجديد») بمحاذاة الحالة الإنسانية في الشام على خلفية الأحداث الدامية. ورغم محاولات المخرج الجادّة وأداء نجوم المسلسل وشعبية الكاركتيرات التي يجسّدونها وحرفية الكوميديان أيمن رضا، نجد أنفسنا غالباً أمام غياب لحدث كوميدي جاذب على صعيد القصص، إلى جانب غرق «دنيا 2» في موجات صراخ متتالية وتكرار مبالغ فيه لـ«إفيهات» من الجزء الأوّل.
وسام كنعان
«عناية مشدّدة» حرّكت مستنقع التطرّف
تتعالى الأصوات المنتقدة لجرأة الدراما السورية هذا العام، وإسرافها في تقديم جرعة زائدة من المشاهد الساخنة بما يتجاوز المقتضيات الدراميّة لبعض القصص، والمضي قدماً بتكريس صورة مجتمع تنخر الخيانة قيمه، فيما تتصدّر بنات الهوى، والسيّدات اللعوب الواجهة. وبينما كانت سهام النقد منصبّة على «صرخة روح» في الموسمين السابقين، وجد الموسم الثالث من العمل نفسه (إنتاج «غولدن لاين») منافساً هذا العام هو مسلسل «عناية مشددة» (سيناريو علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج أحمد إبراهيم أحمد، وإنتاج شركة «قبنض» ــ يُعرض على nbn، و«حواس»، و«سوريا دراما»).
فقد قوبلت مشاهد عدّة من العمل بانتقاداتٍ واسعة وصلت إلى حدّ التطرّف، أبرزها المشهد الذي تختار فيه «عتاب» (لينا كرم) بين مجموعة من الشبّان مفتولي العضلات من يقدمّون خدمات جنسية مقابل المال في أحد فنادق بيروت.
قد لا نتفق مع بعض طروحات «عناية مشددة» أو لا نستسيغها، ويحقّ انتقاد ذلك أو تشريحه ضمن إطار نقدي، أمّا أن يصل الأمر إلى إطلاق حملة لمحاكمة صنّاع العمل قضائياً، فهذا أمر مستغرب، خصوصاً حين يتم الحشد لهذه الحملة فايسبوكياً باستخدام لغةٍ متطرفّة. هذا ما قامت به مصمّمة الأزياء السورية منال عجاج عندما شنّت أخيراً هجوماً على صنّاع «عناية مشدّدة»، متهمةً إيّاهم بــ «الإساءة لصورة المرأة السوريّة». وأعلنت أنّها قرّرت جمع 200 سيّدة من مختلف الشرائح المجتمعية ليس عليهن إلّا توكيل محامين للتحرّك قضائياً، بينما ستتولّى هي دفع أتعابهم.
وسرعان ما وجد «نضال» عجاج الافتراضي أصداءه في الصحافة ليتلقفّه عددٌ من العاملين فيها. لم يكتفِ هؤلاء بالتطبيل لعجاج، بل أفسحوا لها المجال لإطلاق تهديداتها ونيّتها «مكافحة الرذيلة»، الدفاع عن المرأة السورية في وجه المسلسل الذي «يشوّه صورتها». وتفطنّت مصمّمة الأزياء فجأة إلى «صرخة روح» الذي يعرض موسمه الثالث حالياً، وتوّعدت صنّاعه بمواجهة المصير نفسه، هذا بالتزامن مع إطلاق صفحة على الموقع الأزرق تهلّل لوعيدها، وتتبنى شعارات على شاكلة: «معاً لمحاربة المسلسلات السوريّة المسيئة للسوريين».
عندما كان مسلسل «عناية مشددة» عالقاً في شباك الرقابة السوريّة، وتسرّب خبر منع عرضه على شاشات التلفزيون الرسمي، تضامن العديد من الصحف مع القائمين عليه وفاءً لمبدأ الدفاع عن حريّة التعبير. وعند عرض الحلقات الأولى من العمل ترقبّناه متحفّزين لمواجهة أيّ حذوفات قد تطاوله بعد إجازة عرضه. وسررنا أيضاً بأنّ حذوفات مقص الرقيب (رغم رفضها) لم تكن ذات شأن حتّى الآن، مقارنةً بمقاصل المحطّات العربية التي قد تبدو أكثر فتكاً من ساطور «هموم» (إحدى شخصيات العمل). نحن هنا لسنا بمعرض تلقين الدروس لأحد، ولكن أليس حريّاً بنا في هذا الزمن العربي الرديء أن نكون أكثر تشدّداً بالدفاع عن حرية التعبير، بدلاً من التلويح بالسجن والمحاكمات لمن صنع مشهداً تلفزيونياً، سواء أعجبنا أم لم يعجبنا؟! ألم يأن الأوان لاعتبار الكلمة وحدها وسيلة محترمة لإبداء الانتقاد، والتعبير عن الرأي والدفاع عنه، بما يليق بصورة المجتعمات العربية المعاصرة التي ننشدها؟
محمد الأزن
«دنيا» إم خبار... ما زالت حبيبة الشعب!
يعتقد المخرج السوري عبد الغني بلاط، وهو صاحب اليد الطولى في نجاج الجزء الأوّل من مسلسل «دنيا»، أنّ هذه الشخصية لا يمكن أن تدخل زواريب دمشق في ظل الغليان، وأنّ هذا النوع من الكوميديا لن ينجح إذا اتّكأ على الأحداث الحالية التي أغرقت الناس في الألم. لهذا السبب، ولدواع مالية، رفض مخرج «المنعطف» شراكة عرفة في الكتابة عندما قرّرت استثمار أشهر كاراكتير قدّمته في حياتها، لتكون التجربة تمهيداً لتأسيسها شركة إنتاج مستقلة هي «الأمل للإنتاج الفني»، حسبما أعلنت في لقائها التلفزيوني الأخير ضمن برنامج «رايتينغ» (يُعرض «أبو ظبي» وmtv).
هكذا، افترقت عرفة عن بلاّط من دون أن يفسد للودّ والاحترام قضية، في حين تهاوى خلافها مع عمّار مصارع، المنتج المنفذ للجزء الأول والمساهم في كتابة بعض حلقاته، إلى مستوى وضيع. أما السبب، فهو اصطياده في الماء العكر، واتهامها زوراً بأنّها تقدم عملاً «سلطوياً» بذريعة واهية هي «قربها من النظام السوري»! وهي التهمة الجاهزة والمنتشرة سورياً من أجل ليّ الذراع .
على أيّ حال، خرج المسلسل، بعدما ألّفته عرفة، وأعيدت كتابته بمنطق الورشة بينها وبين سعيد حناوي وزهير قنوع الذي تولى مهمة إخراجه.
تسير النجمة السورية في حيثيات «دنيا 2» ( يُعرض على «أبو ظبي»، و«الجديد» و«سما» و«تلاقي») بمحاذاة الحالة الإنسانية في الشام على خلفية الأحداث الدامية. إذ نجد أنّ الخادمة البسيطة التي كانت تتنقّل بين بيت وآخر بسبب مفارقات موغلة في كوميديا خفيفة الظل، عادت بالصيغة نفسها مع تراجع واضح في سوية التقاط النكتة وذكائها، بدءاً من طريقتها الإلقائية المتعجّلة لإخبارنا بمصير شخصيّات الجزء الأوّل، علّها تبرر سبب غيابهم بعدما مات قسم منهم، وتقدّم قسم آخر منهم في السن وسافر آخرون، أو صار بعضهم على قدر كبير من النجومية. لكن رغم محاولات المخرج الجادّة لضبط العمل وإيقاف اجتهادات وارتجالات ممثلتيه الأساسيتين عرفة وشكران مرتجى (الصورة)، وصيت نجومه الطاغي في الكوميديا، إضافة إلى شعبية الكاريكتيرات التي يجسّدونها، نجد أنفسنا غالباً أمام فراغ في الحدث الكوميدي الجاذب على صعيد القصص، إضافة إلى غرق تفاصيل الحلقات في موجات صراخ متتالية وتكرار مبالغ فيه لـ«إفيهات» من الجزء الأوّل. مبالغة تصل بالمشاهد إلى درجة يشعر فيها بنهاية الحلقة عندما يخبو صوت الصراخ والعويل والضحك المصطنع وردود الأفعال المبالغة. مع كل ذلك، وجدت عرفة متسعاً في قلوب الجمهور، على اعتبار أنّ الشخصية صُنعت بعناية فائقة قبل أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن. هذه المرّة، ساعدتها في تجنّب الهبوط موهبة أيمن رضا الاستثنائية، وحرفيته القديمة في الكوميديا، إلى درجة أنّه عدّل المزاج من خلال أدائه وخلق حالة خاصة وجديدة على العمل، رغم أنّ لهجة مدينة «يبرود» التي يوظّفها لمصلحة دوره، سبق أن استخدمها في الكثير من الشخصيات التي لعبها في مسلسله «بقعة ضوء». غير أنّها تبدو هنا في غاية المنطقية.
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد