دراما مشتركة تخطف الجماهير بأبطال من كرتون
تتفق شركة «سيدرز آرت برودكشن» المعروفة بـ «الصبّاح» وشركة «إيغل فيلم» اللبنانيتين على صيغة معينة للشراكة الإنتاجية. هذا الموسم، يقدّم كلّ منهما مسلسلها الخاص، إذ تقدّم الأولى «تشيللو» (سيناريو نجيب نصير، وإخراج سامر البرقاوي عن فيلم «عرض غير لائق» لأدريان لين ــ يُعرض على mbc، و«سما»، و«المستقبل»)، فيما أطلقت الثانية «24 قيراط» (كتابة ريم حنا وإخراج الليث حجو ــ يُعرض على mtv).
لكن رغم ذلك، خرجت النتيجة متشابهة من حيث فرضية الطرح وأسلوب التنفيذ، إضافة إلى الاعتماد على الورقة السورية الرابحة والمتمثّلة بكاتب ومخرج ونجم سوريين، مع توليفة لبنانية مُغرية. ولا ضير من حضور مصري عابر حتى ولو كان لممثلين من الدرجة الثالثة بُغية التوفير في الميزانية. كل ذلك، يحقّق مواصفات «الدراما العربية المشتركة» الحريصة على تلبية مزاج المحطات، كونها لم تعد معنيّة بأيّ سويّة فنيّة أو فكريّة، أو بتقديم تبريرات درامية منطقية تشرح اجتماع تلك الشخصيات في بيت واحد؟ لدرجة صار المشاهد يشعر أحياناً بأنّه يتابع لوحة كوميدية تقدّم في مسلسل «بقعة ضوء». بكل الأحوال، انسحب عابد فهد من «تشيللو» ليحلّ مكانه النجم تيم حسن، وينقذ الموقف ويساهم في جذب جمهور يتربّص بالمسلسل لمتابعته. يرسم حسن بأداء مُتقن شخصية رجل أعمال ثريّ (تيمور تاج الدين) وحادّ الذكاء. لكن في العمل تطغى الحالة اللبنانية بسبب وجود الممثلين يوسف الخال (آدم) ونادين نسيب نجيم (ياسمين). فإذا انطلقنا من تقييمه على أنّه مسلسل لبنانيّ، فإنّ النتيجة ستكون لصالحه حتماً. اختار الكاتب نجيب نصير أن يضبط الحكاية قدر الإمكان، ويخلق شخصيات جديدة علّها تساعد في استمرارية أحداث تصل بالقصة إلى ثلاثين حلقة. لكن سبق لنا أن شاهدناها في الفيلم الأميركي «عرض غير لائق» (ساعة و47 دقيقة) الذي صُنّف ضمن أسوأ الأفلام التي أنتجتها هوليوود. في الدراما العربية، يُصنع من كل دقيقة سينمائية حلقة تلفزيونية مليئة بالكلام الفارغ، ويغيب التشويق عن مفاصلها لمعرفتنا السابقة بما سيحدث. مع ذلك، ينجح «تشيللو» في تحقيق نسب مشاهدة عالية بسبب التوليفة الإخراجية المبهرجة، والحوارت التي نسجها نصير، وأداء ممثله الرئيسي تيم حسن، فضلاً عن الحوارات بين «تيمور» وعشيقته «ياسمين»، وبين الأخيرة وزوجها وحبيبها الأوّل «آدم».
يتشابه «24 قيراط» و«تشيللو» بفرضية الطرح وأسلوب التنفيذ
لكنّنا لم نلمح إحساس عازف الموسيقى على يوسف الخال. فبنيته الجسدية الرياضية تؤهّله للعب أدوار عدّة، غير أنّه ربما ليس أحدها عازف بيانو. ولو حيّدنا فكرة فجاجة الفرضية التي يقوم عليها المسلسل، واستفزازيتها وعدم انسجامها أصلاً مع منظومة القيم التي تتمسّك بها المجتمعات العربية، فمن غير الممكن تجاهل السقطات المتتالية. بدءاً من غياب التبرير ليكون «تيمور» سوري الجنسية، وكذلك محامي المصرف (أيمن عبد السلام)، مروراً بالطريقة الجنائزية التي أتت بها «ياسمين» إلى مضجع من وافقت بيع نفسها له، معوّلة على قدرتها على منعه من لمسها، وصولاً إلى إعادة تكرار المشاهد نفسها مراراً على أساس أن الشخصيات خطر لها أن تتذكّر. وهذا بقصد كسب أطول وقت ممكن. لم يكتف «تشيللو» باستنساخ قصته من فيلم رديء، بل وصلت الوقاحة إلى مستوى غير مقبول عندما سرق صنّاعه مشهداً وثائقياً بحرفيته من فيلم «الرجل ذو النعل الذهبي» للراحل عمر أميرالاي عن حياة رفيق الحريري. المشهد لم يكن موجوداً في السيناريو أصلاً، إنّما تفتّقت عنه مخيّلة المخرج المبدع.
في المقابل، نشاهد فرضية مكرورة في «24 قيراط» عن «يوسف زهران» (عابد فهد) الذي يحمل ماضياً وتاريخاً خطيرَيْن في التزوير وعالم المافيا. يستفيد «يوسف» من موهبته الخارقة في التصميم والرسم ليصبح واحداً من كبار تجّار الماس، ثم يفقد ذاكرته بعد محاولة خطفه. يصحو على خضرة وماء ووجه حسَن، هو وجه «ميرا» (سيرين عبد النور) التي تنذر نفسها للرجل الذي تربيّه مثل أحد أطفال حضانتها وتسميّه «آدم». سرعان ما تقع في غرامه، وفي هذه الفترة التي يفقد فيها زهران ذاكرته يبدو واضحاً غياب الوعي الكافي للعمل وتقاعسه عن تحقيق السوية التي يمكن أن يصل إليها الرجل عندما يعيش حالة مشابهة. إذ نراه يتصرّف بطريقة كوميدية ملفتة تخلق من هذا الخط مسلسلاً «لايت» مستقلاً، لكنّه يصل في أماكن معينة إلى البلاهة والخفة الدرامية، من دون أن تغيب مهارات «يوسف زهران» في الحركات القتالية والدفاع عن نفسه.
وفيما يطغى الادعاء والتصنّع على أداء بعض الممثلين، نكتشف إمكانات جديدة لعابد فهد تمنحه قدرة على لعب شخصية مختلفة كلياً عما قدّمه سابقاً. خصوصاً في مشاهد عودة الذاكرة إليه في يوم جنازة الفنانة صباح. في حين يبدو لافتاً حضور ديمة قندلفت في العمل، ويشكّل دورها حالة خاصة فيه، إضافة إلى طريقة جديدة للتعاطي مع مثل هذه الأدوار.
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد