دير الزور: الموت جوعاً يهدّد 300 ألف مواطن
خلال الشهور الستة الماضية شكلت مدينة دير الزور محط أنظار وسائل الإعلام العربية والعالمية كافة، مع محاولة «داعش» اختراق مطار المدينة، وانكسار أطماع التنظيم الساعي لبناء «دولته الإسلامية» على أسوار المطار ورجاله الذين تمكنوا من تحويل المطار إلى «أسطورة»، لتجول كاميرات المصورين على جبهات القتال المشتعلة، في وقت كان فيه آلاف الجياع، المنتشون بالنصر على عدو يريد لهم الموت بسكينه، يموتون بصمت تحت وطأة الجوع الذي يفرضه حصار التنظيم للمدينة.
«داعش يحاصرنا من جميع الجهات، وتجار الأزمة يفتكون بنا في الداخل»، بهذه الكلمات يلخص أبو محمد شكل الحياة في المدينة التي يعيش في ما تبقى من أحيائها الصامدة نحو 300 ألف مواطن، بعد أن فرض تنظيم «داعش»، في 16 كانون الثاني الماضي، طوقاً على المدينة ومنع الأهالي والبضائع من المرور من الدير وإليه، ليبقى طريق الإمداد الوحيد لها هو الطيران، الذي مازال يعمل بشكل متواتر، علماً أن «داعش» بدأ بفرض الحصار على المدينة بشكل جزئي منذ أواخر العام 2013.
ومع استمرار الحصار الخانق الذي يفرضه التنظيم، برز داخل المدينة «داعش» من نوع آخر، وفق تعبير أحد أبناء المدينة، موضحاً أن «تجار الأزمة بدأوا يفتكون بنا، ويتحكمون بلقمة عيشنا. الأسعار في المدينة تفوق بقية المدن السورية بأكثر من 10 أضعاف، الأمر الذي لا يمكن لإنسان عادي تحمله، فكيلو البندورة يتجاوز ثمنه الـ 1500 ليرة (نحو خمسة دولارات، علماً أن متوسط راتب الموظف نحو 90 دولاراً)، في وقت يُباع فيه كيلو البندورة في المحافظات الأخرى بين 50 إلى 100 ليرة على أبعد تقدير».
ويعتمد التجار على الطيران لاستيراد بضائعهم، في وقت فشلت فيه جميع محاولات الوجهاء، والمتطوّعين من أبناء محيط المدينة في إدخال المواد إلى الأحياء المحاصرة، حيث قام «داعش» بتصفية عدد من المواطنين ممن حاولوا إدخال مواد غذائية من مناطق سيطرة التنظيم. كذلك شهد نهر الفرات غرق عدد من المواطنين ممن غامر بحياته للخروج إلى مناطق سيطرة التنظيم بهدف شراء بعض الحاجيات.
وأمام الوضع المعيشي السيئ، ارتفعت أصوات كثيرة في المدينة تطالب الحكومة السورية بفتح تحقيق مع تجار الأزمة، خصوصاً مع توافد آلاف المواطنين إلى مكتب اللجنة الأمنية للتقدم بطلبات للخروج من المدينة، علماً أن السفر إلى خارج دير الزور يمر بطريقين، أحدهما عبر الجو، وهو معقّد جداً، والآخر عبر البر، ويمر من مناطق سيطرة التنظيم الذي يقوم بين حين وآخر باحتجاز الركاب وإخضاعهم لـ «دورات شرعية»، بالإضافة لسجنهم فترة تتراوح بين 20 يوماً إلى شهر، تُضاف إليها غرامات مالية، قبل الإفراج عنهم وتركهم يمرون إلى مدن أخرى، في حين يمنع التنظيم مرور النساء من دون محرم.
وفي آخر مستجدات آثار الحصار الخانق، المقرون بانقطاع كامل للتيار الكهربائي منذ آذار الماضي، سجل ناشطون في المدينة وفاة التوأم سارة ومحمد هواس جوعاً، بعد أن نضب الحليب في ثدي أمهما بسبب الجوع وتعذر تأمين الحليب لهما. وسجل كذلك ارتفاع نسبة الأمراض في المدينة، وفق مصدر طبي، كذلك توقف صرف الرواتب للموظفين الحكوميين الموجودين داخل دير الزور بسبب انقطاع الاتصالات وتوقف الصرافات الآلية منذ كانون الثاني، الأمر الذي ضاعف من جرح أبناء المدينة.
واتهم ناشطون، في بيان مشترك نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، «مسؤولين فاسدين بالاتجار في لقمة عيش أبناء المدينة ورفع الأسعار»، مطالبين الحكومة بفتح تحقيق في أوضاع المدينة التي يحاصرها «داعش» وسكينه المشحوذة من جهة، وينتظر أبناؤها الموت «جوعاً» على وقع تحكم التجار الفاسدين وتجار الأزمة من جهة أخرى، في حين لم تتحرك أية منظمة إغاثية سورية بشكل فعلي في المدينة، وضاعت المبادرات المحلية الشعبية مرة أمام رصاص «داعش»، ومرات أخرى غرقاً في نهر الفرات أو بتحريض من تجار الأزمة الذين يقفون «سداً» أمام هذا النوع من النشاطات.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد