الصحافيون السوريّون الجدد.. من الميدان مباشرةً إلى «فايسبوك»
أثار رحيل الصحافي ثائر العجلاني ضجّة واسعة، منذ إعلان خبر استشهاده قبل أيّام، وصولاً إلى السجال حول عمله الميداني في تصوير وتوثيق محطّات مهمّة من الحرب السوريّة. وأعادت الحادثة التذكير بمجموعة من الصحافيين الذين اختاروا من «فايسبوك» منبراً رئيسياً لنشر عملهم، كما كانت حال العجلاني عبر صفحته «ثائر من دمشق».
يمكن القول إنّ العجلاني كان من أبرز الوجوه في ظاهرة إعلاميّة جديدة نشأت خلال الحرب السوريّة، وتتمثّل بتيّار واسع من «صحافيي الشارع»، أو «صحافيي الإعلام البديل». ظهر ذلك التيّار كردّ فعل على تأخّر وسائل الإعلام السوريّة الرسميّة وغير الرسمية بشكلها التقليدي، عن مواكبة الحدث، ما أدّى إلى تخلّي جزء كبير من السوريين عن متابعتها منذ بدايات الحرب، وانصرافهم إلى مصادر أخرى للحصول على الأخبار، خصوصاً مواقع التواصل التي تصدّرت تدريجيَّاً المشهد.
ذاع صيت العجلاني في دمشق، ولكنّ زملاء له، يعتمدون الأسلوب ذاته في نقل الحدث، متواجدون اليوم على امتداد الأرض السورية. ما يجمع بينهم أنّهم اختاروا جبهات القتال مكاتب لهم، ومواقع التواصل الاجتماعي منبراً، فغدوا «نجوماً في فضاء الإعلام البديل»، بسبب اقترابهم من المواطن، وملامستهم لمشاكله بشكل مباشر، وخوضهم في تفاصيل تهمّه ولا تجد مساحة في وسائل الإعلام التقليديّة.
من بين زملاء العجلاني البارزين، عمر عبد الله من قرية دير ماما في ريف حماة. يعدّ عبد الله حالياً من أهمّ مصادر الأخبار عن معارك المنطقة الوسطى في سوريا. كان يعمل قبل الحرب في مجال صيانة الكومبيوتر. وفي العام 2007، بدأ يدوّن عبر الإنترنت من خلال منتدى خاص أسّسه. وبعد اندلاع الحرب، تحوّل من مالك لمنتدى وعامل صيانة، إلى ناشط صحافي. يرى عمر أن «فشل الإعلام الرسمي يعتبر عاملاً مهمّاً في نجاح الإعلام البديل»، موضحاً أن «السوشل ميديا، وموقع «فايسبوك» على وجه الخصوص، وفّرت إمكانات لا يتمتع بها الإعلام التقليدي أبرزها سرعة نقل المعلومات والحرية البعيدة عن الرقابة»، الأمر الذي يعدّ حاجة ملحّة للشارع السوري الباحث عن معلومة حقيقية في «زمن الكذب».
يُعرَف عمر عبد الله (34 عاماً) أيضاً بلقب «عمر دير ماما» كما يكنّى عبر صفحته على «فايسبوك». لا يخفي استياءه من الإعلام التقليدي، الذي «استكان إلى حدّ كبير وتحوّل إلى وظائف مكتبيّة»، بحسب تعبيره. يضيف: «الناس بحاجة إلى مراسل ينقل الحدث من مكان وقوعه وبسرعة، لذلك حملت الكاميرا وبدأت بتغطية الأخبار الميدانيّة من حماه وصولاً إلى حقل الشاعر. كنت أملك محلاً أعمل فيه، اضطررت لإغلاقه للتفرّغ لنقل الأخبار، فواكبت معارك السلميّة وعمليّة فتح طريق حلب ــ خناصر الشهير في منطقة أثريا، وأخبار جسر الشغور/ وكنت من الصحافيين القلائل الذين تمكّنوا من الوصول إلى محيط مشفى جسر الشغور المحاصر حينها. نقلت الأخبار من مكان وقوعها، ما ساهم باكتسابي ثقة المتابعين، سواء عبر حسابي الشخصي أو عن طريق صفحات أخرى كنت أنشر فيها أخباري».
في كل مدينة أو منطقة سوريّة، تجد ناشطاً تحوّل مع الوقت إلى مصدر معلومات، وكثيرون منهم يحصلون على تسهيلات ميدانيّة من الجيش السوري. من بينهم علي النداف (21 عاماً) الذي اختار العمل ذاته في محافظة اللاذقية. يقول إنّه لاحظ تقصير وسائل الإعلام في تغطية أخبار مدينته. هكذا، أنهى دراسة البكالوريا والتحق بجبهات القتال بحثاً عن الأخبار، فقام بتغطية معارك كَسَب ودورين. نسأله عن مستقبله في حال انتهت الحرب، فيصمت لبرهة ثمّ يجيب: «ما بعد الحرب سنقوم بتغطية إعادة الإعمار، أو قد أتوقف عن هذا العمل وأعود لإكمال دراستي في معهد الكومبيوتر».
لا يختلف رأي إياد حسين (36 عاماً) عن آراء زملائه حول محفّزات نقله للأخبار عبر مواقع التواصل. يقول الناشط الذي يغطي أخبار ريف إدلب ميدانياً، إنّ عمله كان «ضرورة بسبب عدم مواكبة وسائل الإعلام لأحداث المحافظة» التي اقتحمتها «جبهة النصرة» وحلفاؤها. ذلك ما حوّله من تاجر إلى ناشط يحمل كاميراه ويجوب ساحات المعارك لينقل الأخبار لمتابعيه. يرى أنّه يشعر بمسؤولية تجاه أولئك المتابعين، «لأنّهم منحوني ثقتهم، وكان من واجبي أن أنقل لهم الأخبار بدقّة وموضوعيّة بعيداً عن ميول وسائل الإعلام وتوجّهات مالكيها ومدرائها».
يرى إياد أنَّ مشكلة الإعلام السوري المقصّر، ليست في الكادر البشري. «نشطاء ميدانيّون كثر بدأوا بنقل الأخبار ما أن وجدوا منبراً لهم، فأثبتوا أنهم قادرون على العمل ونقل الحقائق في أحلك الظروف، ما يعني أنّ المشكلة بمن يدير المؤسَّسات الإعلاميَّة في سوريا». يقول إنّه بعد نهاية الحرب، قد يتابع عمله كناشط ميداني أو قد يتخلّى عنه خصوصاً أنّه ما زال يمارس التجارة، مهنته الأساسيَّة.
نينار الخطيب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد