كتالونيا.. اقتراع الانفصال؟
اقترع أهالي مقاطعة كتالونيا أمس في انتخابات محلية حاسمة، يفترض أن يعبر فيها الناخبون عن موقفهم من خطة الاستقلاليين الذين يريدون الانفصال عن اسبانيا في العام 2017 والتحول إلى دولة مستقلة، وذلك عبر خطة تدرجية من 18 شهراً.
وتريد اللائحة الرئيسية للاستقلاليين «معا من اجل النعم»، التي يعد الرئيس المنتهية ولايته ارتور ماس أهم شخصياتها، إطلاق عملية الانفصال إذا حصلت مع اللائحة الاستقلالية الأخرى على الغالبية المطلقة (68 من أصل 135 مقعداً) في البرلمان الإقليمي لكتالونيا.
وتحرك النزعة الاستقلالية طموحات المقاطعة الشهيرة بسياحتها، وصناعتها، كما كونها مركزا للنقل، وشهرتها الرياضية أيضا، بسبب قرون من الاضطهاد الثقافي. ويتهم سياسيو كتالونيا الحكومة الاسبانية المركزية في مدريد «بالاضطهاد الاقتصادي»، عبر التوزيع غير العادل لثروة البلاد التي يؤمن الإقليم حوالي 20 في المئة منها.
وكثيراً ما يواجه السائل في كتالونيا عن سبب النزعة الانفصالية المتنامية أخيراً، بتفسيرات الهاجس الاقتصادي الذي وفقا لتقديرات الاقتصاديين المحليين يمكن أن يجعل وضع كتالونيا، باعتبارها دولة مستقلة، شبيها بالدنمارك وفنلندا، من حيث مستوى الدخل.
وفاقمت بالطبع الأزمة الاقتصادية التي تعصف باسبانيا منذ خمس سنوات من هذه الحمّى، وقادتها الأحزاب اليمينية نحو يوم السابع والعشرين من أيلول، الذي اعتبره كثيرون موعد اقتراع على الاستقلال. ووقع رئيس الحكومة المحلية في كتالونيا أرتور ماس على مرسوم يقضي بتنظيم الانتخابات في هذا التاريخ.
ولنزعة كتالونيا جذور ثقافية عميقة، إذ سبق للأمة الكتالونية أن اختبرت استقلالاً، وإن ناقصاً عبر تاريخها. وتعد أولى محاولات «قهر» الثقافة المحلية في العام 1700، حين نجح أحد القادة المحليين في احتلال برشلونة، ومنع سكانها من استخدام لغتهم، كما قام بتدمير جزء كبير من المدينة، التي تحظى بآثار ثقافية رومانية وإسلامية، وتعتبر أهم نقاط العبور والتجارة في البحر المتوسط.
وعادت كتالونيا لتحظى بنوع من الفدرالية في القرن الماضي، وذلك حتى انقلاب الجنرال فرانكو في الثلاثينيات وانتصاره لاحقاً في الحرب الأهلية الاسبانية، ففرض عقوبات شديدة على استخدام اللغة والمجاهرة بالهوية المحلية، وذلك حتى الثمانينيات من القرن الماضي.
وانعكست بالطبع حالة القمع على الحالة النفسية للمجتمع الكتالوني الذي كثيرا ما ميز نفسه عن الإسبان باعتباره «أكثر نشاطاً واجتهاداً في العمل». ومع تنامي أزمات النظام الاسباني البنيوية، لا سيما في مواجهة طلبات مماثلة كما في إقليم الباسك، والتطورات التي حلت بأوروبا مع تشكل الاتحاد الأوروبي، وحالات التفكك التي حصلت في دول أوروبا الشرقية، بات الحلم الانفصالي أقرب للعيان كواقع.
وتعيش كتالونيا حالياً كيانا شبيها بالمنفصل، فهي تتمتع بمقومات الاستقلال من نواحي عديدة، حيث يتم تعليم اللغة المحلية قبل الاسبانية، وتحجب أعلامها المزينة بالنجمة البيضاء، العلم الاسباني تماما في شوارعها.
لكن هل تحقق الحلم ممكن، بحيث تتحول كتالونيا إلى دولة مستقلة؟
نظريا، تحقق الحلم ممكن، أما من الناحية العملية، فهناك مرارات ستواجه المتحمسين بعد سكرة الانتصار، إن حصل الاستقلال فعلياً. ففك الارتباط مع إسبانيا لا يعني بالضرورة دخول كتالونيا العباءة الأوروبية. وهو ما أبلغته برلين ولندن وباريس إلى سلطات كتالونيا بشكل علني واضح.
وسيكون على سكان كتالونيا أن يتجردوا من الجنسية الاسبانية، وفقا لما هدد به وزير الداخلية الاسباني منذ أسابيع، وذلك إضافة إلى تهديدها بتأثر الكثير من الارتباطات والجسور بين قطاعي الأعمال والسياحة في مدريد وبرشلونة.
ومعروف أن اسبانيا حظيت هذا الصيف بـ47 مليون سائح، توزعوا بين إقليمي كتالونيا والأندلس بشكل أساسي. والطريف أن سكان الإقليم كثيراً ما يشكون أن «تعب عرق جبينهم» يذهب للإقليم «الجنوبي الكسول» ممثلا بالأندلس، الذي ترتفع فيه البطالة ويعتمد بشكل أساسي على قطاعي السياحة والزراعة، وذلك في الوقت الذي تنتج فيه كتالونيا 20 في المائة من الناتج المحلي الاسباني، وفيما تقدم، وفقا لإحصائيات العام 2010، حوالي 62 مليار يورو كعائدات ضريبية للحكومة المركزية، تستعيد منها ما يقارب 45 مليار يورو، وهي أرقام كانت في ظل أوضاع اقتصادية أفضل لاسبانيا، علما أن تقديرات العام 2013 تشير إلى ناتج محلي بحدود 214 مليار يورو.
لذلك، تعمل الحكومة المحلية على طمأنة هذا الرأسمال وإغرائه بتسهيلات اقتصادية وعبر الجباية، لإقناعه بجدوى خطتها للانفصال عن إسبانيا، على الرغم من الصعوبات التي ستنجم عن هذا الانفصال، والتي من بينها، قد يكون تغيير العملة عبر العودة إلى العملة المحلية القديمة «البيزيتا» وذلك في إمكانية تعثر اتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول استمرار التعامل باليورو. كما سيكون صعبا إبرام الاتفاقيات الدولية في حال لم تحصل الدولة الجديدة على اعتراف سريع من الأمم المتحدة، وسيحمل سكانها جنسية جديدة تتطلب تعاطياً دولياً جديداً، من دون الإشارة إلى أن مجد الإقليم الرياضي سيصبح مهزوزا في ظل منع المشاركات المحلية على النطاق الاسباني.
رغم ذلك، فإن الحكومة الإسبانية هي التي تواجه الموقف الأصعب، إذ تتدرج خسارتها من المعنوية وهي الأقل أهمية، إلى الجغرافية، والأكثر أهمية الخسارة الاقتصادية المحتملة، لبلاد تواجه أزمة دين كبيرة.
ويراهن الانفصاليون في كتالونيا على أن حكومة مدريد ستصل إلى نتيجة مفادها أنه لا بد من التفاوض الذي يتدرج من القبول بوضع استثنائي شبيه بالاستقلال، مع الاحتفاظ بالميزات الاقتصادية للإقليم، إلى الرضوخ لشراكة اقتصادية مع دولة مستقلة هي كتالونيا، على أن تعني هذه الشراكة التكامل الاقتصادي الندي، والاحتفاظ بالجنسية الاسبانية.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد