رحلة «أولاد حارتنا» من المنع إلى العودة
في عام 1994 تعرض الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال.
طعنه شاب في رقبته، والتقى الكاتب المصري محمد سلماوي بهذا الشاب وسأله عن دافعه فقال لأنه (محفوظ) سب الاسلام في رواية أولاد حارتنا، وعندما سأله سلماوي:هل قرأتها؟ أجاب : لا ولكن أمير الجماعة قال لي ذلك.
إذن هذه الرواية (أولاد حارتنا والتي عرفت خارج العالم العربي باسم أولاد الجبلاوي) والتي صدرت للمرة الأولى عام 1959 عندما نشرت في الأهرام كانت أكثر روايات نجيب محفوظ إثارة للمتاعب له حيث اعترض عليها بعض شيوخ الأزهر باعتبار أنها تتعرض للذات الالهية والأديان، كما اعترضت عليها السلطة السياسية حينئذ باعتبار فيها إسقاط على عصر عبد الناصر ثم كادت تودي في النهاية بحياة الأديب الكبير.
وتنشر هذه الرواية حاليا في مصر للمرة الأولى بعد 4 أشهر من رحيل كاتبها بل وأصبحت أكثر الكتب مبيعا وفقا لسيف سلماوي مدير التوزيع في دار الشروق التي نشرت رواية محفوظ.
وتدور أحداث الرواية في أحد أحياء القاهرة، فهناك تقع حارة الجبلاوي وبستانه.
وتبدأ الأحداث مع ولادة أدهم ابن الجارية السمراء وتفضيل الجبلاوي له على بقية أبنائه، و تمرد ابنه إدريس عندما اختار الجبلاوي ابنه أدهم لادارة الوقف الأمر الذي أدى إلى طرد إدريس من البستان إلى الحارة.
وينجح إدريس في التسبب في طرد أدهم من البستان عندما يغريه بالاطلاع على وصية الجبلاوي وبتأثير من زوجة أدهم الفاتنة يقدم على ذلك، وتتوالى الأحداث حيث يقتل ابن أدهم ابنه الآخر، و ينتشر أبناؤه في الحارة.
وبمرور الزمن تتحول الحارة إلى ثلاثة أحياء ارتبطت بثلاثة أبطال ظهروا في أزمنة مختلفة هم جبل ورفاعة وقاسم.
ثم يظهر في النهاية عرفة الذي سيقضي على الجبلاوي.
وطرح رجال الدين الاسلامي، الذين اعترضوا على الرواية، تفسيرا دينيا لرؤيتهم لها فقالوا إن الجبلاوي هو الله والبستان هو الجنة والحارة هي الدنيا وأدهم هو آدم وإدريس هو إبليس والأبطال الثلاثة هم رؤوس الأديان السماوية الثلاثة فجبل هو موسى ورفاعة هو عيسى وقاسم هو محمد واعتبروا أن الشخصية الرابعة وهي عرفة ترمز للعلم.
إذن هذا هو ملخص الرواية والأسباب التي حالت دون نشرها فهل تغيرت الرؤى لها حاليا؟
يرفض الكاتب المصري محمد سلماوي التفسير الديني للرواية ويقول إن العمل الفني يتسع لكل التفسيرات فهو غير المقال الصحفي ومن يطالع عملا أدبيا يتناوله من خلال تجربته ورؤيته.
وأكد أنه لا يجب محاسبة كاتب بناء على تفسير معين فالعمل الفني يتسع لكل التفسيرات.
ووصف الرواية بأنها واحدة من أفضل روايات محفوظ الذي تنقل بين مراحل الواقعية والتاريخية والملحمية.
وقال سلماوي إن حرية التعبير والوضع السليم بالنسبة لأي مكان ديموقراطي هو ترك جميع الزهور تتفتح.
ومن ناحية أخرى، قال الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الاسلامية وعميد كلية أصول الدين السابق "رأيي في الرواية سلبي فالرموز فيها واضحة وقريبة جدا من الذات الالهية والأنبياء، ولكن الدكتور أحمد كمال أبوالمجد الذي كتب لها مقدمة يرى أن مواصفات الجبلاوي تنطبق على الدين وليس الله وأنا أختلف معه في ذلك حيث أرى أن مواصفاته تنطبق على الذات الالهية".
وقال بيومي " وعلى أي حال ربما يصرف تأويل الدكتور أحمد كمال أبوالمجد الأذهان عن ما بها من إهانة للرموز".
وفي الوقت نفسه، قال الداعية الاسلامي الشيخ يوسف البدري "إن هذه الرواية تمثل جرأة على الله وأنبيائه وشرعه فتصوير رب العباد على أنه شخص منعزل لا يدري بملكوته والأنبياء كفتوات يأتون ليدبروا الكون ومحمد (ص) كعاشق ولهان كما صور الكاتب يجعله قد درس تاريخ الأديان ثم صور ذلك بشكل إزدرائي ".
ومضى يقول "نجح محفوظ في تصوير الأحداث بأسلوب اقترب كثيرا من الأسلوب القرآني حتى ترى وكأنه أخذ القرآن وصبه في قالب روائي وهذه هي الرواية التي أخذ عنها نوبل تصور الله بصورة قميئة والأنبياء في صورة مقززة، والغرب لم يكرمه إلا لأنه تعدى حدود الدين وسب الاسلام كما احتضن سلمان رشدي وتسليمة نسرين".
أما القس مارك عزيز موفد الكنيسة القبطية في اسكتلندا فيقول "قد تكون الفكرة مخالفة للفكر الكتابي ولكن الرواية رمزية وهو لم يصرح بما فيه تعديا على الله على عكس رواية شفرة دافنشي لدان براون الذي صرح بشكل مباشر وواضح وقال أسماء حقيقية وأورد أكاذيب".
وأضاف عزيز قائلا "ومن هذا المنطلق يمكن إخضاع الرواية لتفسيرات أخرى فقد يراها البعض معبرة عن النظام السياسي في مصر".
يقول سلماوي إن الرواية لم تكن في السوق لأن الكاتب الراحل هو الذي أراد ذلك فهو لم يكن يريد مضايقة أحد.
وأشار إلى إقدام صحيفة الأهالي على نشرها بعد محاولة اغتيال محفوظ كما نشرتها أيضا صحيفة المساء.
وقال إن المرة الوحيدة التي تم فيها الاعتراض على نشر الرواية عندما حاولت مجلة الهلال نشرها دون رغبة المؤلف.
وأكد سلماوي انه ليس من حق السلطة الدينية، وفقا للقانون، أن تصرح بمنع عمل فني فسلطتها لا تنسحب إلا على المصحف الشريف فقط.
وفي الوقت نفسه، قال الدكتور عبد المعطي بيومي "كان من الأفضل ألا تنشر، وإذا نشرت ألا تعرض على الأزهر، فالنشر سيثير بلبلة، وعلى أي حال فان القراء سيحكمون عليها".
واشار الدكتور بيومي إلى أن الأزهر لا يفتش على أحد وإنما يبدي الرأي إذا طلب منه ذلك. وأكد على حق الجميع بما في ذلك رجال الدين والسياسة في إبداء الرأي في أي عمل أدبي ومن يقول بالمنع يحجر على الحرية.
ومن جانبه، قال البدري"إن إعادة نشر الرواية من جديد يدل على أن الأزهر تراجع كثيرا وبدل وغير من مواقفه كما فعل تجاه مسألة فوائد البنوك، وقانون مجمع البحوث الاسلامية ينص على أن الأزهر هو المسؤول عن أي كتاب يتناول أمور الدين وإذا رأى أي مخالفة شرعية أرسل إلى السلطات ليتم المنع والمصادرة كما حدث بالنسبة لكتاب المتنبئون في الاسلام لوليد طوغان، كما أن هناك توجها يطالب بمنح الأزهر حق الضبطية القضائية".
وقال البدري "إن الاسلام لا يقف في وجه حرية الفكر ويكفي أن الله حكى ما قالت اليهود والنصارى عنه"
وأكد أن إعادة نشر هذه الرواية يمثل نكوصا من الأزهرأو تعاميا أو تراجعا أو ضغوطا يتعرض لها.
وقال البدري "لم أكفر محفوظ فنحن أبعد ما نكون عن تكفير الآخرين فالتكفير لا يكون إلا بشروط يصعب تحقيقها ونقدنا ينصب على الانتاج وليس على شخص من أنتج".
ومضى يقول "لقد وقفت في وجه الرواية في مجلس الشعب وقلت عن محفوظ بعد فوزه بنوبل إنه يجب أن يجرم لا يكرم".
وأما القس عزيز فيقول "إنني مع نشر الرواية ولا يجب حرمان إنسان من حرية الابداع، والفكر المسيحي يقبل فكرة الحوار مع الله ولكن لا نقبل أن يتعدى أي إنسان عليه".
وكان محفوظ نفسه قد وصف الرواية بأنها "عمل حرمته الظروف من النقد، هذا عمل سياسي في المقام الأول... والمقصودون بالعمل فهموا معناه... لذلك الأرجح أنهم كانوا وراء تحويل الأمر إلى الناحية الدينية لكي أقع في شر أعمالي."
وليد بدران
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد