تصريحات نارية لأدونيس في ملتقى الفجيرة الإعلامي
لم يستطع شاعر وناقد أن يثير كل هذا الجدل حول مواقفه، كما فعل الشاعر والناقد السوري أدونيس، فمنذ أكثر من نصف قرن، والنص الأدونيسي مثار حيرة في الأوساط السياسية والأكاديمية والثقافية، ليس في العالم العربي فحسب، بل كذلك في العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية.
وإذ يصعب تفسير هذا الزخم الذي يتحلى به نص أدونيس، إلا أن جزءا من هذا الجدل يعود إلى أن أدونيس، في نتاجه النقدي والشعري معا، لا يخضع لأي سلطة، سوى سلطة المعرفة.
ويواصل أدونيس في حديثه لشبكة إرم الإخبارية طرح مواقفه التي توصف بـ” الراديكالية”، مطالبا المسلم القيام بثورة داخل دينه، لا القيام بثورة اعتمادا على هذا الدين.
ويوضح أدونيس في الحوار الذي أجري معه على هامش فعاليات ملتقى الفجيرة السادس، أنه يحترم الإيمان لدى جميع البشر، “فأنا لست ضد الإنسان الذي يمتلك إيماناً دينياً بوصفه فرداً، وإنما ضد أن يتحول هذا الدين إلى مؤسسة ثقافية وسياسية واجتماعية وتربوية وتفرض على المجتمع بأكمله”.
ويعتبر أدونيس أن العنف السائد من حولنا متجذر في المحظورات الدينية “فإذا لم نعد التفكير بأساس هذا العنف، ولم نتبين بأنه متجذر في الدين، فلن يكون بمقدورنا التخلص من العنف ولا من الحرب”، لافتا إلى أن المحظور الوحيد الذي ينبغي مراعاته لمواجهة العنف، والذي لا يلتفت إليه أحد هو:”لا تقتل”.
وردا على سؤال حول الربيع العربي ومساراته اللاحقة، يرى الشاعر السوري أن الثورات عبرت في البداية عن انفعال ومشاعر حقيقية وعن رفض للواقع السياسي، لكنها سرعان ما حوّرت وشوّهت واستلمتها قوى ليست إلا الوجه الثاني للنظام القائم.
وأكد أدونيس أن المعارضة استخدمت جميع الوسائل التي استخدمها النظام، والتي قادت بالأساس إلى هذه الثورات.
وأضاف أدونيس أن أبرز أسباب إخفاق الربيع العربي هو “العسكرة والعنف”، و”التديين”، والارتباط بالخارج، مشيرا إلى أن الأوضاع في البلدان العربية لم تعد مسألة معارضة من جهة وأنظمة طاغية من جهة ثانية، بل تحول الموضوع إلى صراع دولي.
ويستثني أدونيس التجربة التونسية، موضحا أن تونس تمتلك قاعدة نضالية هي التي أسست لظهور الحبيب بورقيبة الذي يعد السياسي العربي الوحيد الذي قام بمأسسة المجتمع”، مشيرا إلى أنه “لا توجد في البلدان العربية مؤسسة مدنية واحدة تقيم مسافة بينها وبين المؤسسة الدينية”.
خصومات كثيرة
هذه الآراء وغيرها جلبت لأدونيس خصومات كثيرة، والمفارقة أن خصومه الكثر لا يستطيعون وضعه في خانة محددة، فالتهم، إذا كانت كذلك حقاً، تتباين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فهو يتهم مرة بالشيوعية وأخرى بالقومية وفي ثالثة بالعدمية حتى أنه يتهم بالأمريكاني، والخميني والمناصر للتطبيع… الخ.
ويرى أدونيس أن هذا الالتباس نابع من أن المثقفين العرب لا يفهمون معنى أن يكون الإنسان مستقلاً “فأنا لم يحدث لي أن ارتبطت يوما بأي نظام سياسي عربي، ولم يكن هدفي أن انتقد الأنظمة، فمشكلتي أوسع من النظام”، مشكلتي حضارية ثقافية.
بهذا المعنى هو شاعر يصعب تصنيفه، فهمومه مختلفة عن الهموم التي تشغل معظم المثقفين العرب، كما أن جانباً كبيراً من هذا العداء يعود إلى جرأة الشاعر في مقاربة أكثر القضايا حساسية مثل: الدين والتراث، والتصوف، والمرأة، والجسد، والجنس، والسياسة.
ويشدد الناقد والشاعر السوري على رفض الأجوبة الجاهزة، مركزا على تكريس ثقافة الأسئلة والحوار والاختلاف، إذ يقول “ليست الحقيقة جاهزة مسبقاً، يتعلمها الجميع مثلما يتعلمون في كتاب. الحقيقة لا توجد أبداً في كتاب، وإنما في الوجود، وفي الحياة، وفي التجربة. إنها بانتظار الكشف عنها دائماً”.
وهو في بحثه هذا ينزع القداسة عن كل شيء، فيقول: “حين تنغلق أبواب الحرية تصبح الخطيئة مقدسة”، ليسير الشاعر على خطا جده أبي نواس الذي قال بدوره: “أنفت نفسي العزيزة أن تقنع إلا بكل شيء حرام”!
هذا يقودنا إلى موقف أدونيس من التراث، فهو لم ينظر إليه نظرة جامدة، بل حاول خلخلة هذا التراث ونزع صفة القداسة عنه ذلك أن التراث يحوي تعددا وتنوعا هائلاً لا يمكن النظر إليه بوصفه واحداً.
وقدم أدونيس دراسات حول هذا التراث غيرت من خلالها المفاهيم الثابتة، ولعل دراسته “الصوفية والسوريالية” تعد واحدة من الدراسات الهامة التي يبين فيها تأثر السوريالية الأوربية في مطالع القرن العشرين بالصوفية الإسلامية العربية التي سبقتها بعشرة قرون.
وأحدث، كذلك، كتابه “الثابت والمتحول” 1974 عاصفة نقدية، إذ أسس لقراءة التراث قراءة حديثة شكلت انقلاباً في بنية التفكير.
وحين أصدر أدونيس “الكتاب: أمس المكان الآن” 1995 أثار موجة جديدة من الغضب بحجة أن عنوان “الكتاب” يطلق على القرآن الكريم فحسب، لكن أدونيس يرد بهدوء من خبر التراث العربي الإسلامي: “إن تسمية الكتاب سبقت القرآن. الكتب سوابق. والقرآن سمى أصحاب هذه الكتب أهل الكتاب، وهو يعني أن ثمة كتبا سبقت القرآن، ثم جاء القرآن فسمي كتاباً، وأتى سيبويه فسمى كتابه في اللغة العربية (الكتاب) و”الكتاب: أمس المكان الآن” هو التسمية الرابعة.
ويتهم الكثير من النقاد أدونيس بأنه يدعو إلى قطيعة معرفية مع التراث وهو ما يثير الاستغراب لدى النظر بموضوعية إلى مجمل ما كتبه أدونيس الذي أسهم – على عكس ما يقال – في إظهار جمالية هذا التراث وتنوعه وتعدده، فهو يقول “لا تستطيع أن تخلق جمالاً جديداً بلغة تجهل تاريخها الجمالي”.
سيرة مختصرة
ولد الشاعر واسمه الحقيقي أحمد علي أسبر في قرية قصابين التابعة لمحافظة اللاذقية السورية عام 1930 لأسرة فلاحية. تتلمذ على يد والده، وبرع في حفظ قصائد المتنبي والشريف الرضي، وتشرب بالتراث في سن مبكرة.
التحق بمدرسة اللاييك في مدينة طرطوس (الليسيه الفرنسية) بين عامي 1944 و 1946 وانتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1948.
تخرج في جامعة دمشق حائزاً الإجازة في الفلسفة سنة 1945 وبعد الخدمة العسكرية الإجبارية غادر سوريا إلى لبنان مع زوجته خالدة سعيد سنة 1956، لتشهد بيروت ولادته الشعرية الحقيقية حيث نشر في صحافتها وخاض معارك فكرية وساهم بقوة في الحياة الثقافية في بيروت عبر مجلة “شعر” أولاً ثم مجلة “مواقف”.
غادر لبنان إلى باريس سنة 1986 وعمل أستاذاً زائرا في جامعة السوربون وغيرها من الجامعات الأوروبية، ولمع اسمه كواحد من الشعراء الكبار وترجمت أشعاره إلى مختلف اللغات الحية.
* شبكة إرم ـ ابراهيم حاج عبدي
إضافة تعليق جديد