الجولان يواجه الأسرَلة: المقاومة خيارنا
منذ اللحظة الأولى لانطلاق المقاومة السورية في الجولان في نهاية عام 2012، وضعت إسرائيل نصب أعينها مشروع القضاء على الحركة الوليدة، باعتبارها تهديداً يلغي ما حصّلته إسرائيل من انشغال الجيش السوري في قتال الإرهابيين، وتراجعه عن الحدود الجنوبية واضطراره إلى تغيير تشكيلاته العسكرية.
فما حصّلته إسرائيل من إبعاد الجيش عن الجولان والخسائر التي ألحقتها به هجمات الجماعات الإرهابية، تحديداً في منظومات الرصد والاستطلاع والإنذار المبكر والدفاع الجوي والألوية الخاصة المقاتلة في الجنوب، لا يمكن أن تقبل أن تعوّضه سوريا بحركة مقاومة شعبية تثبّت الحقّ السوري بالقتال وتستنزف الأمن الإسرائيلي في جبهة مترابطة من الجولان إلى الناقورة. وعملت إسرائيل بالتوازي مع دعم الإرهابيين للسيطرة على غالبية الشريط الحدودي، إلى مطاردة المقاومين ورصد إمكانات عالية لتعقّبهم وآخرهم الشهيد سمير القنطار، مع حملة تحريض طائفية ومذهبية لإقناع أبناء الجولان وقرى جبل الشيخ بأن الحركة الوليدة هي تنظيم «شيعي» لا مقاومة وطنية. وجاء القرار السوري بالبدء بالمقاومة على هوى الأهالي الذين صمدوا طوال هذا الوقت، ولم يرضخوا لكل الضغوط الإسرائيلية، على الرغم من تسليط إسرائيل الإرهابيين لمهاجمة قراهم من جهة، ومن جهة ثانية مدّت يدها للمساعدة. وفي كلّ مرّة كانت إسرائيل تغتال قائداً في المقاومة، من موفّق بدرية ابن بلدة حضر، مروراً بالشهيد جهاد مغنية وانتهاءً بالقنطار، كان المزاج العام في جبل الشيخ والجولان يزداد تمسّكاً بخيار المواجهة. وتؤكّد مصادر مقرّبة من المقاومة السورية أن «خيار الناس هو مواجهة إسرائيل والجماعات الإرهابية التي تدعمها، وفي كلّ مرة يسقط شهداء يأتي إلينا عشرات الشبّان ويعلنون استعدادهم للعمل في صفوف المقاومة، ومنهم من يقاتل الإرهابيين منذ خمس سنوات من أبناء الجولان وجبل الشيخ، فضلاً عن نازحي الجولان الذين يريدون العودة إلى قراهم ولو بعد حين». ويضيف المصدر: «لا تظنّ إسرائيل أن هذه الحرب ستنتهي بذريعة أن سوريا ضعُفت، المسألة ليست بالقوة فحسب، بل بالإرادة والحقّ».
سعي لشرعنة الاحتلال
في 14 كانون الأول من عام 1981، كان رئيس حكومة العدو مناحيم بيغن في العناية المشدّدة في مستشفى «هداسا» في القدس المحتلة، حين استدعى وزيري الحرب أرييل شارون والخارجية إسحق شامير في حينها، وأبلغهما قراره تقديم مشروع قانون بعنوان «قرار الجولان» لإقراره في الكنيست في اليوم نفسه، يتعلق بتطبيق «القانون الإسرائيلي» على هضبة الجولان المحتلة، معلّلاً السرعة في القرار بالانشغال السوفياتي في الأزمة البولونية. ومن على كرسيه المدولب، شارك بيغن في الجلسة، وعبّر عن سعادته بموافقة الكنيست بالأغلبية على القرار، رافضاً مصطلح «ضمّ الجولان» الذي استخدمه عدد من أعضاء الكنيست، بحجّة أن «الجولان جزء من إسرائيل التاريخية»، وأن «الفرنسيين والإنكليز ظلموا إسرائيل واقتطعوا الجولان منها بعد الانتداب».
سواء في مفاوضات مدريد بين سوريا وإسرائيل في 1991، أو في كامب ديفيد في عام 2000، أو لاحقاً في المفاوضات التي جرت في تركيا في 2007، بقيت عقدة استعادة الجولان كاملاً، عائقاً أمام التوصّل إلى «سلام» بين سوريا والكيان العبري، مع رفض الأسد الأب والرئيس بشار الأسد التخلّي عن أمتار من الجولان على بحيرة طبريا، على قاعدة «الأرض مقابل السلام». اليوم، لا توفّر الدبلوماسية الإسرائيلية جهداً في الخارج للدفع باتجاه اعتراف دولي بشرعية احتلالها للجولان، بحجّة أن سوريا، الدولة القوية التي اضطرت إسرائيل في السابق إلى التفاوض معها من أجل «السلام»، قد تفكّكت الآن، ولم يعد من حاجة لمفاوضتها. فإسرائيل التي تدعم وتغذي وتوجّه الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري، والمساهمة في سيطرة هذه الجماعات على غالبية الشريط «الحدودي» مع الجولان المحتل (ومن بينها «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»)، تستغل وجود هذه الجماعات لإقناع العالم بأنّ إعادة الجولان إلى سوريا أمر غير وارد في ظلّ سيطرة هذه الجماعات على المساحة المتاخمة لأراضي الجولان، وهو ما غمز من قناته رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض في تشرين الثاني الماضي، حين طلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما «اعتبار الجولان جزءاً من إسرائيل وليس أراضي محتلة»، من دون أن يسمع من أوباما ردّاً. وتقول مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى إن «إسرائيل تسوّق لدى الأميركيين ضرورة الحصول على قرار دولي يلغي القرار 497 ويشرعن وجودها في الجولان على اعتبار أن الظروف تغيّرت، وأن من غير المعقول أن نسلّم الجولان بكلّ ثرواته لتنظيم داعش» وأن «الجولان جزء مهم من حماية إسرائيل الاستراتيجية». لكنّ المصادر تؤكّد في المقابل أنه «يجري الحديث بين الأميركيين والروس عن أنه لا حلّ لأزمات المنطقة في ظلّ استمرار الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وأن بقاء الجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت الاحتلال لا يمكن أن يوصل إلى السلام مع سوريا ولبنان، وأن أي حلّ للأزمة السورية لن يكون مكتملاً من دون السلام مع إسرائيل، لتحقيق الاستقرار في إنتاج النفط والغاز في شرق المتوسط».
المقداد: أبرز أهداف الحرب على سوريا دفعها إلى التخلي عن دورها في فلسطين
في المقابل، يقول نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إن «أبرز أهداف الحرب على سوريا هو دفعها إلى التخلي عن دورها في فلسطين ولبنان والجولان بالإصرار على استعادة الأراضي المحتلة». ويضيف أن «إسرائيل تستغل الوقت الضائع الآن، والدليل هو الدعم الذي تقدّمه للمجموعات الإرهابية في سوريا، وعدم استعدادها لتنفيذ الاتفاقيات التي عقدتها مع الفلسطينيين». ويؤكّد المقداد أن «سوريا لن تتخلى عن سنتمتر واحد من أرضها، سواء لصالح الجماعات المسلحة أو لإسرائيل في الجولان، ونحن على تواصل دائم مع أهلنا في الجولان، وهؤلاء هم من يقرّرون ويتمسّكون بارتباطهم بسوريا الأم».
انتزاع «شرعية» للاحتلال
يتلازم السعي السياسي الإسرائيلي بالحصول على غطاء دولي لشرعنة الاحتلال وتصفية خيار المقاومة، مع محاولات متجدّدة لانتزاع اعتراف من أهالي قرى الجولان الأربع، بشرعية الاحتلال. قبل نحو ستة أشهر، تذرّعت إسرائيل بمهاجمة مواطنين من الجولان سيارة إسعاف إسرائيلية تقلّ جرحى من المجموعات المسلّحة لتشنّ حملة اعتقالات واسعة لغالبية رموز «الحركة الوطنية» في الجولان، كالأسيرة بشرى محمود وأمل أبو صالح ومجد الشاعر، بالإضافة إلى وضع غرامات مالية وصلت إلى حدّ 5000 شيكل على كلّ من تحرّك ضد معالجة إسرائيل للإرهابيين. وكان جهاز الشاباك قد لفّق تهمة لعميد الأسرى السوريين صدقي المقت بـ«جرائم التخابر مع العدو والتآمر على أمن الدولة»، بغية إبعاده وإسكاته، في ظلّ التحولات التي تسعى إسرائيل إلى إحداثها وسط أهالي الجولان. وبالتوازي، أطلقت إسرائيل في الأشهر الماضية العنان لمجموعة من المتعاملين معها من أبناء الجولان، في مهمّة إقناع أهالي مجدل شمس وبقعاتا ومسعدة وعين قنيا بضرورة «الحصول على الهوية الإسرائيلية لأن سوريا ضعفت ولم يعد هناك أمل بالتحرير»، مع حملة شائعات عن أن أعداداً كبيرة من الشبّان الجولانيين تقدّموا بالفعل للحصول على هويّات، وأن المقاومة والرفض ما عادا مجديين.
ليس هذا فحسب، بل بدأ المتعاونون مع إسرائيل بدفعٍ من وزير «الأقليات» في الحكومة المقرّب من نتنياهو أيوب قرّا، حملة ضدّ المجالس المحليّة في الجولان، وهي مجالس معيّنة من قبل الاحتلال تقوم بدور البلديات، على اعتبار أن هذه المجالس لا تقوم بالخدمات بالشكل المطلوب، وتمارس الفساد والسرقة، ليتحوّل بذلك مطلب الأهالي من التحرير وعدم الاعتراف بشرعية المجالس المحليّة التي تمثّل الاحتلال، إلى المطالبة بالإصلاحات، وبضرورة إجراء انتخابات يختار أهالي القرى ممثّليهم في انتخابات شرعية! ومن شروط الترشّح إلى المجالس المحلية أو الاقتراع في الانتخابات أن يكون الناخب والمرشّح حاصلاً على الجنسية الإسرائيلية. وتمّ تقديم دعوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية قبل نحو شهرين ضدّ المجلس المحلي في بلدة مجدل شمس، كذلك نشر مراسل قناة «برس تي. في.» الإيرانية السابق حمد عويدات على صفحته على «فيسبوك» صورة له مع وزير الداخلية الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين خلال زيارة قام بها لمكتب الأخير، بغية طلب إجراء انتخابات للمجلس المحلي في مجدل شمس، بذريعة أن المجلس الحالي فاسد. وتقول مصادر في الجولان إن «المسعى الجديد للمتعاونين مع الاحتلال يحظى للأسف برضىً ضمني من الشيخ طاهر أبو صالح، لكنّه يثير غضباً وحنقاً على كل من يريد منّا أن نقبل بالهويّة الإسرائيلية، فمشكلتنا مع المجالس المحلية ليست أنها فاسدة، وهي فاسدة طبعاً، لكنّها تمثّل الاحتلال ولو كانت شريفة لا يمكن أن نقبل بها».
وعلمنا أن «ليغا إسرائيل» أو الدوري الإسرائيلي لكرة القدم عمل على ضمّ فريق الجولان ضمن الفرق الإسرائيلية قبل نحو شهرٍ ونصف الشهر، بعد محاولة فاشلة بالضّم جرت في عام 2013، وقوبلت بالرفض.
--------------------------------------------------------------------------------
7 آلاف «مستوطن» على أنقاض 340 قرية
بدأ القضم الإسرائيلي لأراضي الجولان منذ عام 1948، بالتزامن مع قيام «دولة إسرائيل». وبين سنوات «النكبة» و«نكسة» 1967، ارتكبت إسرائيل أكثر من 15 مجزرة بحقّ الجوالنة، قُتل فيها المئات وربما الآلاف من أهالي القرى، في سياسة ترهيب وتهجير واضحة، انتهت بعد «حرب حزيران» إلى تدمير وطمس معالم أكثر من 340 بلدة وقرية ومزرعة سورية، وأَنشأت على أنقاضها في العقود الماضية أكثر من 160 مستعمرة يسكنها نحو 7 آلاف مستوطن يهودي، أكبرها مستعمرة كاتسرين، التي أقيمت على أنقاض قرية قسرين السورية. وتمسّك أهالي قرى مجدل شمس ومسعدة وعين قنيا وبقعاتا بالبقاء في أرضهم، فيما تحاشت إسرائيل ارتكاب مجازر في القرى الأربعة، التي تقطنها غالبية من طائفة الموحّدين الدروز، لاعتبارات تتعلّق بكسب تعاطف أهالي قرى الجليل الفلسطيني الدرزية، ولوجود تجمّع درزي يمتد من جبل الشيخ بمقلبيه اللبناني والسوري إلى الجولان، راهنت إسرائيل على استمالته لحماية «حدودها» الشمالية، والمساهمة بتفكيك المجتمع السوري واللبناني والفلسطيني.
ولم يكد «قرار الضّم» يأخذ طريقه إلى التنفيذ عبر محاولات فرض الهويّة الإسرائيلية على سكّان القرى الأربع، حتى اندلعت مواجهات عنيفة بين الأهالي وقوات الاحتلال الإسرائيلي في 14 شباط 1982. وبدأ جنود الاحتلال برمي الهويات للسكان من شبابيك المنازل عنوةً، وفرض الاحتلال حظراً للتجوال في القرى إلا لمن يقبل بالهويّة الإسرائيلية، وقام بحملات اعتقال واسعة لقيادات الحركة الوطنية، ونُقل الجولان من تحت سلطة الحاكم العسكري إلى وزارة الداخلية. إلّا أن الإجراءات الإسرائيلية لم تنفع، فأعلن أهالي بقعاتا ومجدل شمس وعين قنيا ومسعدة الإضراب العام، وأُعلنت «الوثيقة الوطنية» التي تتمسّك بالهوية السورية ومقاطعة كل من يقبل بالهوية الإسرائيلية، ورُفض إعطاء أي شرعية للاحتلال. استمر الإضراب العام ستّة أشهر متواصلة، قابلته إسرائيل بسياسة تجويع واضطهاد، إلّا أن الغالبية العظمى من الأهالي لم تقبل الهوية الإسرائيلية، ولا يزال الأهالي يرفضونها حتى اليوم.
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد