انتفاضة فلسطين في 2016: أربعة سيناريوهات
أصدرت «مؤسسة القدس الدولية» تحليلاً للبيئة المحيطة بانتفاضة القدس، وتقديراً للموقف في عام 2016 خلصت فيه إلى الاستنتاج أن المجتمع الفلسطيني انخرط في هذه الانتفاضة استناداً إلى إرادة التحرر ورفض الاحتلال، وأن الانتفاضة الجارية اليوم هي الثامنة عشرة في سياق الانتفاضات والثورات والهبّات الشعبية التي شهدتها فلسطين خلال مئة عام منذ الاحتلال البريطاني في سنة 1917 حتى اليوم. ورأى «تقدير الموقف» أن الانتفاضة انطلقت في البيئة الجغرافية لاتفاق أوسلو حيث الكثافة السكانية الفلسطينية محاصرة في داخل المدن، والريف الفلسطيني، في معظمه، تحت السيطرة العسكرية والإدارية الإسرائيلية المباشرة، وأكثر من 522 حاجزاً إسرائيلياً يتحكّم بحركة الفلسطينيين في كل مكان. ولاحظ «تقدير الموقف» أن الضفة الغربية دخلت في هذه الانتفاضة من دون أن يكون لديها بنى تنظيمية فاعلة باستثناء حركة فتح، وهي حالة تختلف عما كانت الحال عليه في انتفاضتي 1987 و2000، وأن هذه الهبّة حلّت على فلسطين بعد سنوات من السير السياسي في الاتجاه المعاكس، وغداة استثمار دولي مديد في الميزانيات التشغيلية للسلطة الفلسطينية الذي كرّس سياسات الإقراض البنكية وتوسيع التوظيف الحكومي، الأمر الذي أبعد الكتلة السكانية الفلسطينية عن الإنتاج الزراعي والحرفي الذي كان يضمن قدراً من الاستقلالية في الدخل وفي الموقف السياسي.
أما على المستوى السياسي، فالانقسام، على ما يورد التقرير، ما برح سيد الموقف، أكان في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، ما يعني أن الانتفاضة الحالية اندلعت في أحوال اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية معاكسة لها، الأمر الذي يفسر، ولو جزئياً، تركزها في المدن ولا سيما القدس والخليل. وفي جانب آخر قال «تقدير الموقف» إن الانتفاضة نشبت عشية العام 2016 الذي سيتساوى فيه عدد اليهود والفلسطينيين في فلسطين التاريخية. وهذا الشأن سيكسر، أول مرة، التفوق السكاني اليهودي الذي صنعته حرب 1948، ويضع المشروع الصهيوني أمام معضلة وجودية هي أن اليهود يحاولون السيطرة على شعب يساويهم عدداً في نطاق الجغرافيا نفسها. وبعد أن عرض التقرير للبيئات الإقليمية والدولية والمحلية الحاضنة للانتفاضة، استنتج أن دور الولايات المتحدة الأميركية ينحسر، بالتدريج، في العالم، في الوقت الذي تعجز أي قوة دولية عن ملء الفراغ الذي يخلّفه هذا الانحسار. وبناء على المقدمات التي عرضها التقرير، وعلى الرؤية التي استند إليها، خلص إلى أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل الانتفاضة في سنة 2016: الأول يتوقع اتساع رقعة الانتفاضة جغرافياً، وتوسعها بشرياً، وهذا الاحتمال رهن تغير موقف السلطة الفلسطينية وتبنّي هذا الخيار. والثاني يرى أن الممكن هو استمرار وتيرة الانتفاضة كما هي عليه اليوم، أي استمرار العمليات الفردية من غير أن يتمكن أي طرف من فرض تسوية سياسية على الطرف الآخر تتوقف بموجبها هذه العمليات. والثالث يضع احتمال التوصل إلى تسوية لوقف الانتفاضة ممكناً، لكنه قليل الاحتمال. والرابع هو الذوبان التلقائي والمتدرج لعمليات الطعن والدهس جراء القمع واستنزاف قدرات الناس، وهذا الاحتمال هو الأسوأ لأنه يُنهي الانتفاضة من دون أي ثمن سياسي.
يرجّح تقدير الموقف الاحتمالين الثاني (أي استمرار الانتفاضة على المدى المتوسط) وكذلك الاحتمال الرابع، (أي الذوبان التلقائي) مع أن تقدير الموقف نفسه يقرّ بأن جميع الاحتمالات تبدو متقاربة لكنها غير واضحة المآلات.
بناء على هذه الرؤية، وعلى تقدير الموقف استطراداً، يوصي تقرير «مؤسسة القدس العالمية» بضرورة دفع الأمور نحو استدامة المواجهة؛ والبحث عن أدوات فاعلة لدعم الانتفاضة كي لا تبقى فردية الطابع؛ وتطوير فاعلية المواجهة في القدس والخليل؛ وصوغ بدائل شعبية مجدية تشجع الناس على الانخراط في فاعليات الانتفاضة؛ وكشف جرائم الاحتلال أمام العالم بصورة متواصلة.
اللافت في التوصيات أن المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية لإسرائيل لا ترد على الإطلاق، مع أنها باتت واحداً من الميادين الرئيسة للنضال الوطني والأممي ضد إسرائيل. ثم إن التقرير لا يلحظ أي شأن لفلسطينيي الداخل، أي عرب 1948، في دعم الانتفاضة والضغط على إسرائيل. وعلى الرغم من أن التوصيات تؤكد ضرورة المحافظة على تواصل دائم ومفتوح مع الأردن لضمان اتزان أي مبادرة سياسية للتسوية، إلا أنها لم تتطرق إلى فتح الأبواب الموصدة مع مصر وسوريا.
السفير
إضافة تعليق جديد