القتل اغتيالاً فى الإسلام
عرف التاريخ الإسلامى أربع خلافات هى الدولة الأموية، والدولة العبَّاسية، والدولة الفاطمية، ويمكن اعتبار دولة الأندلس امتدادًا لدولة بنى أمية، حيث إن الأمويين هم من أسَّسوا «دولة الأندلس» بعد سقوط خلافتهم، إضافةً إلى دولة الخلفاء الراشدين الذين قُتلوا جميعًا غِيلةً: أبو بكر الصديق (الذى مات على فراشه مسموما، هو وطبيبه الحارث بن كلدة فى يومٍ واحدٍ، مما يعنى أنه اغتيل مسمومًا، وتذكر المصادر أن من وضع له السُم نفر ممن كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة محمد، ثم رجعوا إليه بعد حروب الرِدَّة التى خاضها أبو بكر، ثم سمح لهم بعد ذلك بالعودة إلى المدينة ومخالطة المسلمين)، وعمر بن الخطَّاب، وعثمان بن عفَّان، وعليُّ بن أبى طالب، مما يعنى أن الاغتيال هو الإشارة الأبرز، والعنوان الأوضح لهذه الخلافة الراشدية، وما جاء بعدها من خلافاتٍ، إذْ شهدت الخلافة الأموية مقتل مروان بن عبدالحكم، وعمر بن عبدالعزيز، والوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد غِيلةً، أمَّا الخلافة العبَّاسية فقد شهدت مقتل اثنى عشر خليفةً اغتيالا هُم: المهدى، الهادى، الأمين، المتوكل، المنتصر، المُستعين، المعتز، المهتدى، المعتمد، المقتدر، القاهر، المتقى، إضافةً إلى خلفاء وأمراء وولاة ووزراء وقادة وقضاة قُتلوا غيلةً فى الخلافات التى تلت الدولة العباسية.
فلا أدرى لماذا يتباكى المتأسلمون على زوال الخلافة الإسلامية، التى سقطت مع سقوط الخلافة العثمانية فى يوم الثالث من مارس سنة ١٩٢٤ميلادية، وكانت جميعها تتقنَّع بالدين، وتأخذه لباسًا فِضفاضَا حينًا، وضيِّقًا حينًا آخر، إذْ لم يجد المرء معهم حُريَّةً للفرد أو التعبير أو الدين، ولم يجد عدلا ولا مساواة بين رعايا الدولة، بل رأينا فِرقًا وشِيعًا، وقهرًا وأسرًا وسبيًا وتشريدًا وقتلا ونهبًا مُنظمًا وسرقةً واستحلالا لأموال المسلمين، واغتصابًا، وعربدةً فى بيوت الخلفاء والأمراء والولاة والحُكام ومن يدور فى فلكهم من الحاشية والتابعين والمُقربين.
وكُلنا يعرف أن الخلافة الإسلامية ليست رُكنًا فى الإسلام كالصلاة والصيام والحج والزكاة وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ولذا رأينا أن الجماعات المتأسلمة، ومن قبلها جماعة الإخوان (المسلمين)، تسعى عن طريق الجهاد «الاغتيال والقتل» إلى إقامة الخلافة، أو على أقل تقدير إعلان وتأسيس الولايات والإمارات الإسلامية، حيث يتم تكفير الشعوب والحُكَّام معًا
ولعلَّ الحالمين بزمن الخلافة يريدون أن يصيروا خلفاء لله فى أرضه، مثلما فعلها من قبل ثانى الخلفاء العباسيين أبو جعفر المنصور الذى نصَّبَ نفسه خليفةً لله فى الأرض سنوات (١٣٦ - ١٥٨هـ/ ٧٥٤ - ٧٧٥م).
وكأنَّ المتأسلمين (وهم بعيدون عن القراءة والعلم)، لا يُدركون أن الاغتيال السياسى كان الظاهرة الأبرز فى تاريخ الخلافات، إذْ طال أعدادًا تفوق الحصر، ولأننى مهتم منذ زمنٍ بهذه الظاهرة، فقد قرأتُ كتبًا أبرزها «الاغتيال السياسى فى الإسلام» لهادى العلوى، و«أشهر الاغتيالات السياسية فى الإسلام» لخالد السعيد، و«الاغتيالات فى الإسلام: اغتيال الصحابة والتابعين» لحسن عبد الله، و«معجم السياسيين المغتالين فى التاريخ العربى والإسلامى» لفؤاد صالح السيد، و«الاغتيالات السياسية فى مصر فى عصر الدولة الفاطمية» لمحمد محمود خليل، وأيقنت أن الاغتيال إن لم يكن وجهًا بارزًا فى تاريخ الخلافات ما وجد الباحثون مادةً ليكتبوا آلاف الصفحات، ويسردوا مئات القصص عن الاغتيال باسم الدين، وهو أساسًا يتمُّ تحت جناح الحُكم والسلطة، والبحث عن غنائم السلطان، والاستفراد بالحكم، فلا أحد ينسى ما قاله محمد بديع المرشد العام للإخوان (المسلمين) من أن جماعته جاءت لتحكُم مصر خمسمائة سنة.
فمن يبتغى وجه الله، ويريد إعمار أرضه، لا يمكن أن يقتل غِيلةً أو غفلةً.
ومن يطالع تاريخ الاغتيالات فى الإسلام، سيصدم حين يعلم أن القتل تحت راية الدين، كان يتم فى العائلة الواحدة التى تتوارث الحكم، إذْ رأينا الأب يقتل ابنه، والأم تقتل ابنها، والابن يقتل أباه أوعمه، والشقيق يقتل شقيقه، والزوجة تقتل زوجها، بهدف الاستيلاء على السلطة، وقد عرفنا فى التاريخ من تولَّى الخلافة مدة شهرين فقط وتم اغتياله (إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان)، ومن تولاها سنةً واحدةً (المهتدى) وقُتلَ اغتيالا...!!
أحمد الشَّهاوى
إضافة تعليق جديد