«لحظات قاتمة جداً» في حلب والجيش السوري يندفع غرباً باتجاه إدلب
واصل الجيش السوري، أمس، توسيع طوق الأمان حول مدينة حلب، مستغلاً الضربات التي وجهها في السابق إلى تجمعاتهم في منطقة الراشدين. ولا يزال الجيش يعمل على إسقاط حلب الشرقية من الداخل، تجنباً لمعارك مُكلفة ودامية، خاصةً في جنوب شرق المدينة حيث تتمركز «جبهة النصرة»، إذ خرجت خلال الأسبوع الماضي ما لا يقل عن 12 تظاهرة تطالب المسلحين بالخروج من المدينة، وهي أحد البوادر العلنية لانسلاخ البيئة المحاصرة عن المجموعات المحاصرة.
في غضون ذلك، فشلت فصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا في تحقيق اي تقدم يذكر ضمن السباق التركي ـ الكردي نحو مدينة الباب، وذلك بعدما اصبحت على تخوم المدينة قبل ثلاثة أيام، حيث تمكن تنظيم «داعش» من استرجاع قرى عدة بعد ساعات من انسحابه منها، في حين أكدت تركيا أن عمليتها نحو مدينة الباب تأتي بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وقال وزير الدفاع التركي فكري إيشيق «نسعى بقدر الإمكان أن نبحث هذه المسألة عبر التواصل، وعلى طاولة المباحثات» مع كل من موسكو وواشنطن.
وعاد طيران الجيش السوري إلى سماء حلب الشرقية بالتزامن مع تكثيف القصف المدفعي وفتح جبهات إضافية تهدف إلى استنزاف قدرات المسلحين الموجودين داخل أحياء حلب، أفضت بعد ساعات قليلة إلى تحقيق تقدم مهم على المحور الشمالي لهذه الأحياء، بالتزامن مع عمليات ضغط متزامنة في ريف دمشق، قوبلت بقصف طال أحياء العاصمة، واستهداف مباشر لبلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين.
ووفق الخطة المرسومة ذاتها، تواصل قوات الجيش السوري عملها تحت غطاء ناري توفره الطائرات الروسية، التي تفرغت بشكل كبير للتمهيد لقوات الجيش الراجلة على المحور الجنوبي الغربي للمدينة، وصولاً إلى ريف إدلب، ضمن العمليات الروسية التي تستهدف «جبهة النصرة» بالمقام الأول.
وفي هذا السياق، قال مصدر ميداني إن المسلحين المتمركزين في منطقتي الراشدين 4 و5 انسحبوا من المنطقة، لتبقى مسألة تقدم مشاة الجيش والتثبيت في المنطقة الواقعة غرب حلب مسألة وقت. وساهمت العملية الجوية الروسية بضرب مخازن عدة للأسلحة على محور حلب ـ إدلب، وفق الصور التي بثتها وزارة الدفاع الروسية، من دون ورود أية معلومات دقيقة عن حجم الخسائر البشرية في صفوف مسلحي «جيش الفتح».
وفي وقت تتلقى فيه الفصائل المسلحة وابلاً من القصف «الثقيل» على تخوم حلب الغربية، كثف الجيش السوري ضغطه على المسلحين المحاصرين داخل أحياء حلب الشرقية، وذلك بعد فشل الهدن السابقة، التي كان آخرها وقف الغارات على تلك الأحياء لمدة شهر كامل، لم تثمر بإقناع الفصائل المسلحة بالخروج من تلك الأحياء.
مصدر ميداني أكد أن الجيش السوري يسعى من خلال تكثيف غاراته إلى استنزاف الفصائل المحاصرة من جهة، وزيادة مستوى الضغط الشعبي عليها، بالإضافة إلى تقطيع أوصال المسلحين داخل تلك الأحياء عن طريق عمليات خاطفة تثمر سيطرةً على ممرات فاصلة، لتأتي العملية الأخيرة التي شاركت فيها قوات «لواء القدس الفلسطيني» في السياق ذاته، حيث تمكن الجيش السوري من التقدم على محور دوار بعيدين جنوب منطقة العويجة وسيطرت قواته على أبنية عدة ومزارع في المنطقة بعد معارك عنيفة تسببت بمقتل عدد من المسلحين، أبرزهم القيادي في «الجبهة الشامية» المدعو «منيب مصطفى»، قائد «قطاع حي الإنذارات».
ويبدو أن الخطة السورية الروسية تجاه أحياء حلب الشرقية بدأت تثمر من ناحية فقدان المسلحين للحاضنة الشعبية، حيث ارتفعت وتيرة المطالبة الشعبية بخروج المسلحين، ووصلت إلى مستوى شن المواطنين هجمات على مقرات الفصائل، آخرها هجوم غاضب طال مقراً للفصائل المسلحة قرب معبر بستان الرز شمال حلب، حاول خلالها عددٌ من المواطنين الخروج من أحياء حلب الشرقية، إلا أنهم فشلوا بعدما قوبلوا بوابل من الرصاص، ما تسبب بمقتل وإصابة عدد من المدنيين، وفق تأكيد مصادر أهلية.
في موازاة ذلك، ذكرت مصادر معارضة أن القصف المتواصل على أحياء حلب الشرقية رفع عدد القتلى إلى أكثر من 50 شخصاً، إلا أن مصادر محايدة أكدت أن هذه الأرقام لا تخص أحياء حلب الشرقية، وإنما هي نتيجة دمج أعداد القتلى في الغارات التي طالت إدلب وضحايا غارات حلب، وذلك بهدف زيادة الضغط السياسي على دمشق وموسكو لإيقاف الهجمات المتتالية.
من جهته، وصف مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، السكان المحاصرين في الأحياء الشرقية في حلب بأنهم «يواجهون لحظات قاتمة جدا»، معتبراً في تصريح له أمس أن «روسيا والمعارضة رحبتا بخطة الأمم المتحدة الإنسانية بإجلاء المرضى وإيصال المساعدات، إلا أنهما لم يقدما الموافقة النهائية». وتؤكد روسيا مرارا أنها جاهزة لإجلاء من يريد إجلاءه، كما قامت الحكومة السورية بتجهيز ملاجئ عدة لمن يرغب بالخروج، إلا أن الفصائل المسلحة منعت الأهالي من ذلك حتى الآن.
وفي مقابل عملية الجيش السوري، كثّفت فصائل «جيش الفتح» قصف أحياء مدينة حلب الغربية الخاضعة لسيطرة الحكومة، كما كثّفت قصف قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف إدلب. وذكر مصدر طبي في مدينة حلب أن القذائف خلّفت ستة قتلى وأكثر من 20 مصاباً، موضحاً أن من بين القتلى طفلتين شقيقتين. كذلك أصيب عدد من المواطنين في بلدتي كفريا والفوعة، بينهم نساء، كما تم تسجيل إصابة عدد من المواطنين استُهدفوا بالقذائف خلال صلاة الجمعة.
وفي دمشق، عادت القذائف إلى شوارع العاصمة بعد أسابيع عدة على انقطاعها، بالتوازي مع عمليات الجيش السوري على تخوم مدينة دوما في الغوطة الدمشقية، والتي كثف الجيش السوري استهدافها، وسط معارك كرّ وفرّ في محيطها. وسقطت قذائف عدة على شوارع دمشق طالت أحياء المزة وركن الدين والمزرعة ومنطقة دمشق القديمة، تسببت بمقتل شخصين أحدهما امرأة وإصابة آخرين.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد