قصة تروى: شاب يحصل على شقة وضيعة بمليون و 500 ألف
الجمل ـ حلب ـ باسل ديوب: يشكل تأمين مسكن معضلة كبرى تواجه الشباب السوري ،فسورية التي يعاني فيها القطاع التعاوني السكني من أزمات عميقة ، و في ظل غياب خطة وطنية للسكن حيث تقدر الزيادات السكانية سنوياً بنصف مليون نسمة يحتاجون إلى أكثر من 100 ألف مسكن جديد ، بالإضافة للمضاربة في سوق العقارات والتي تساهم في رفع قيمة المساكن كثيراً قياساً بكلفتها ، تدفع بالملايين من مواطنيها للسكن في أحياء مخالفة وفي شروط صحية سيئة وإنسانية مذلة، وفي هذه الأحياء الشعبية المخالفة كثيراً ما يلجأ الابن إلى البناء فوق سطح منزل الأسرة ، و إذا ما أراد الشاب الحصول على شقة في حي أقل شعبية فإن عليه لتقصير الطريق إلى ذلك الاعتماد على قروض المصرف العقاري .
قرر " رامي " شراء منزل بالاعتماد على الاقتراض من المصرف العقاري ، فاستدان واستلف واقترض، وطلب المساعدة ، و شحد ، حتى تمكن في نهاية المطاف من جمع مبلغ محرز ، أودعه المصرف العقاري .
و بعد ثلاثة أشهر طلب "رامي " سحب وديعته هذه البالغة 700 ألف ليرة ، سيدفع 450 ألف منها لصاحب المنزل الذي اشتراه بمبلغ مليون و أربعمائة وخمسين ألف ليرة ، كدفعة ثانية بعد "العربون" البالغ 150 ألف ، والذي دفعه عند توقيع العقد بانتظار إنجاز معاملة القرض واستلام 700 ألف من المصرف لإكمال السداد.
تستغرق العملية ربع ساعة وتبدأ بعدها رحلة معاناة طويلة ، لو عرف أن قراراً جديداً سيصدر بتغير آلية منح القروض لما سحب الوديعة بل كان سيتركها ثلاثة أشهر جديدة لكي يحصل على سقف الاقتراض كاملاً ، ويبلغ مليون ليرة .
رحلة العذاب بدأت في الدوائر العقارية، سينجز المعاملات بيده ويتوقع أن يتمها خلال شهر، المكتب العقاري الذي تم عقد الشراء عنده طلب مبلغ 20 ألف ليرة عمولة إنجاز المعاملة، وهو مبلغ كبير يفاضل رامي بين دفعه وبين إنجازها بنفسه
فيفضل ذلك لكن لا وقت كاف لديه فهو يرتبط بثلاثة أعمال معاً ، وظيفة بعقد مؤقت في مشفى حكومي ودوامين جزئيين في اثنين من المشافي الخاصة.
لكن المسألة لن تقف هنا فتدبير أمر الكفلاء ليس بالأمر السهل، ليس من السهل إقناع صديق موظف، أو صديقة موظفة بكفالته، خاصة أن مبلغ القرض يتطلب كفلاء يبلغ مجموع رواتبهم المقطوعة 24 ألف ليرة.
رحلة المعاناة مع الدوائر الحكومية لن تكون بسهولة إيداع الوديعة واستردادها ، هنالك مفاجآت كثيرة يحملها استخراج الأوراق المطلوبة، والمتعلقة بالعقار لكنها الطريقة الوحيدة للحصول على مسكن مساحته سبعون متراً مربعاً أشبه بعلبة الكبريت ، شمالي الاتجاه ولا تدخله الشمس!
في البداية يقوم رامي باستخراج أوراق المعاملة ، لكنه يصطدم بمعوقات كثيرة فيضطر أخيراً إلى تسليم المعاملة إلى معقب لاكمال ما عجز عنه منها، مقابل خمسة آلاف ليرة سورية دون أن تشمل ما يرشرشه المعقب هنا وهناك ترطيباً للأجواء، وتلييناً للعقل البيروقراطي المتحكم، و إنقاذاً لورقة تاهت بين المكاتب ، وبلغت قيمتها أكثر من 2000 ليرة .
يقول " رامي " البالغ من العمر 31 سنة " منذ خمس سنوات، وأنا أتنقل من منزل لآخر بالإيجار تارة، وبالرهن تارة أخرى، سأرهق نفسي بالأقساط والديون، وبغير هذه الطريقة لن أمتلك مسكناً في حياتي ، السكن الشبابي يتطلب أن أكون مولوداً في حلب ، أو أن يكون مضى علي في وظيفة عامة 10 سنوات، ووظيفتي عقد سنوي ولست على الملاك ، عملي في حلب وأسرتي في محافظة أخرى ، وعلى هذا لن يحق لي الاكتتاب قبل سبع سنوات "
مشكلة السكن لا تزال من أكبر المشاكل التي تواجه الشباب، و أسرة " رامي" تلح عليه من أجل الزواج ولكن كيف سيتزوج من دون مسكن ؟
والده المتقاعد مقتنع بان تأمين المنزل سيضعه على سكة الزواج، ولن يحتاج بعدها سوى إلى " دفشة " صغيرة تقدر بـ 150 أ لف ليرة .
و لرامي تصور حول هذا الموضوع، فخلال ثلاث سنوات قادمة سيفي الديون التي ترتبت عليه، ما عدا أقساط المصرف العقاري ، وسيجهز منزله ، ويصبح قادراً على الإقدام على هذه الخطوة.
حالة رامي هي أكثر من جيدة بل ممتازة قياساً بأبناء جيله، فقد تمكن من توفير 200 ألف ليرة خلال أربع سنوات من العمل ، يضاف إليها نفس المبلغ كمساعدة من شقيقته ومن أبيه، ويبلغ دخله الشهري العائد من 15 ساعة عمل يومياً كفني تخدير ، وممرض مناوب بعد نسج علاقات عمل كثيرة في حلب، حوالي 20 ألف ليرة ستمكنه من تسديد قسطي قرضي المصرف العقاري البالغ حوالي 8600 ليرة وقرض مصرف التسليف البالغ 3500 ليرة والذي ستقترضه له صديقته" شذى " على راتبها، والإنفاق وتجهيز المنزل بالباقي .
ويقول " فكرت أكثر من مرة بالتراجع عن المشروع وبيع البيت واسترداد العربون، هي مغامرة لا أعرف كيف ستنتهي، طالت المعاملة شهراً إضافياً ،كنت قد سددت خلالها 700 ألف ليرة منتظراً قبض مبلغ القرض واستلام المنزل من التاجر "
بعد شهر من الشراء حضر والدا رامي للإطلاع على البيت الذي يحتاج إلى صيانة كبيرة أيضاً، وكانت دهشتهما بالغة ،فالبيت الذي بلغت تكاليفه مليون و نصف مليون ليرة لا تدخله أشعة الشمس ، تبلغ مساحة الحمام فيه أقل من مترين مربعين !!!
و لا يوجد نافذة واحدة في البيت الذي يحوي غرفة بشرفة مطلة على شارع عرضه 6 أمتار تجعله بين الأبنية الطابقية الخماسية أقرب إلى البئر منه إلى الشارع .
رامي ينصح صديقه " باسم " بسحب و ديتعه البالغة 200 ألف ليرة و الاستفادة من القرار الجديد بمنح القروض بلا وديعة وشراء بيت بأسرع وقت، وعدم الانتظار حتى انتهاء فترة الستة أشهر اللازمة لحصوله على قرض يبلغ 800 ألف ليرة، رغم أن العمولة على هذا المبلغ هي 5% تقتطع من اصل القرض فوراً الذي سيكون بفائدة أعلى بحوالي 2 % من فائدة القرض بوديعة .
الأمر سيؤثر بلا شك على أسعار العقارات فالطلب سيزيد نتيجة تسهيل الإقراض وستحمل الزيادات على أسعار البيوت في المحصلة ، لا يقتنع الصديق بهذا الكلام ويفضل الانتظار شهوراً أخرى ، هو مأخوذ بخطة التطوير العقارية التي أقرتها الحكومة وزعمت فيها أنها ستسيطر على سوق العقارات وتمنع المضاربة مما سيخفض الأسعار.
" سامر" صديقهما الثالث أودع 400 ألف ليرة، ويحلم بشراء بيت بالقرب من أهله في حي السليمانية الذي لا يقل فيه سعر منزل مساحته أقل من 50 متر مربع عن المليونين.
ينتظر الأصدقاء الثلاثة الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر قدوم الصيف وإتمام معاملات الاقتراض ليحتفلوا بحصولهم على مساكن .
تنتشر أخبار هذه التطورات الدرامية في حياة الزملاء الثلاثة في مكان العمل مما يصيب كثيراً من الزميلات بالحبور الشديد!
الجمل
إضافة تعليق جديد