هل للهيئة السورية لشؤون الأسرة دور في مسألة العمل؟
نرى ان التعليم المهني الناجح والفعال، المؤثر في حياة طلابه، هو الدواء الناجع لأهم تداعيات الافراط السكاني غير المسيطر عليه والمتعنت والمعند على الكبح لأسباب كثيرة اجتماعية وفكرية واقتصادية ولضغوط وثيقة الصلة بالعادات والتقاليد والموروث القديم بأشكاله المتعددة والمتداخلة واستغلال بعض السيئين لكلام حق في مقاصد باطلة.
واذ نتأمل في نشاطات الهيئة السورية لشؤون الأسرة وهي هيئة حكومية، لكنها تتمتع باستقلال اداري وتتبع لرئاسة مجلس الوزراء مباشرة وتتسم أنظمتها ببعض المرونة ولها علاقات واسعة مع القطاع الأهلي، نجد انها تقوى على الأداء في المجال الأهم ألا وهو الطفولة التي تعد الأب الحقيقي للإنسان.
مما لا شك فيه ان الموضوع صعب والملفات شائكة والمهام كبيرة، الا انه لا بد من المواجهة والانتصار على أفكار وعادات وتقاليد معيقة للتقدم، قاتلة أحياناً للشباب الذين يتكدسون في البيوت أو المقاهي أو الأعمال التي تحتاج الى ما يعرف بالعامل العادي المفتقر الى أية مهارات مهما كانت متدنية وعادية.
اننا ننفق مبالغ طائلة على التعليم ( عشرات مليارات الليرات السورية كل عام)، ومن المفروض الاستفادة من هذه المبالغ الهائلة في الحصول على مردود في أصابع الشبان والشابات، فليست المدرسة اليوم للقضاء على الأمية وتعليم القراءة والكتابة، انها مصنع البشر فعلاً وذاك هو حال الجامعة.
ومن يتأمل في مدارسنا يجد ان نصف خريجي التعليم الأساسي يطلب منهم التوجه الى التعليم المهني، لكن المفجع في الأمر ان 42 ٪ منهم لا يتوجهون الى هذا التعليم!!.
ان الطفولة في الدول الراقية والمتحضرة والمتقدمة لم تعد تنتهي عند سن الـ 14 عاماً، بل هي تمتد الى الـ 25 سنة وربما أكثر، أي الى ان ينهي الانسان تعليمه ويحصل على عمل، وفي رأينا ان هؤلاء الذين يتركون المدرسة بعد الصف التاسع لأنه لم يسمح لهم بمتابعة تعليمهم العام ولأنهم لا يريدون تعلم مهنة في المدرسة المهنية (الصناعية)، هم انتكاسة كبيرة في واقع الموارد البشرية السورية، فإما ان يذهبوا الى السوق غير مؤهلين علمياً لمتابعة التطورات التقنية التي تنتشر بسرعة هائلة في حياتنا وفي كل الاجهزة والتجهيزات والادوات، أو انهم يلتحقون بالمعاهد الخاصة ويدرسون مواد التعليم العام (سراً) ثم يتقدمون الى البكالوريا الادبي ليذهبوا بعد ذلك الى كليات الاداب التي يكتظ بها عشرات ألوف الطلاب الذين يدرسون المواد النظرية الهامة والجيدة في صوغ عقول ناضجة ومنطقية، لكن سوق العمل لا تحتاج اليها كلها.
ويحزن المرء عندما يرى خريجي هذه الاقسام والفروع يعملون في أعمال لا تحتاج الى اجازات في الفلسفة أو التاريخ أو الصحافة أو اللغات، علماً ان هذا التعليم يكبد الوطن نفقات ضخمة.
لقد تابعنا مشروعاً هاماً للهيئة السورية لشؤون الاسرة هو ادخال مفاهيم منع العنف ضد الاطفال في مناهج التعليم العالي.
وعلى غرار هذا الأمر نطالب بمشاريع متعددة تعمل على الأصعدة التالية:
1- التأثير في الرأي العام لجهة احترام المهن ودور المهنيين في الحياة.
2- صوغ أفكار جديدة لدى الأسرة السورية حول ثقافة العمل ودحض الضلال الجماعي المتهافت من خلال التعليم العام على عدة مقاعد في الجامعات لمهنة ذات بريق ووجاهة وربح مالي يتنافس عليها مئات ألوف الطلاب.
3- حث وزارتي التربية والتعليم العالي على التغيير المنطقي بسرعة هائلة للمناهج وأساليب التعليم التي غدت بعيدة تماماً عن متطلبات الحياة اليومية والأسواق سواء في التعليم العام أو المهني أو الجامعي.
ومثلما غدا الاعلان الطرقي «اسرة اصغر مستقبل افضل» حكمة جماهيرية دخلت اغلب البيوت والعقول، يمكن ان تكتسب الحكمة القديمة: «صاحب الصنعة مالك قلعة» الشعبية ذاتها، مما يوفر للمدرسة المهنية قاعدة شعبية مع الزمن تلغي العزوف عنها وتستبدله بالتهافت عليها، مما سيضغط علىالعقول التربوية ان تتحرك بسرعة نحو التغيير والتطوير، اذ لا يجوز ابداً ان نبقي على تعليم يرفد صفوف العاطلين عن العمل بالمزيد من البشر، انها مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة تفرض على هيئة الاسرة ان تكبر وتتوسع لأنها ضرورة وطنية.
ميشيل خياط
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد