ما هي أسباب زيارة الرئيس بوتين لدول المنطقة
الجمل: تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر الأماكن التي تسبب ملفاتها الخلاف في العلاقات الروسية- الأمريكية بشكل يفوق تأثير ملفات المناطق الأخرى، مثل البحر الأسود، وبحر قزوين، والقوقاز، وآسيا الوسطى.
كذلك يمثل الشرق الأوسط في الإدراك الروسي المنطقة التي يتوجب على روسيا فيها الاستفادة من مزايا المناورة التكتيكية التي تتيح لها فرز وإضفاء التمايز على سياساتها الخارجية عن السياسيات الخارجية الأمريكية والغربية.
إن عودة روسيا إلى المنطقة قد لا تحمل تماثلاً وتشابهاً مع ما كان يحدث في الحقبة السوفييتية، وذلك لأن روسيا حالياً تتمتع بوفرة الموارد والقدرة على الابتكار عما كان عليه في الماضي، وذلك بسبب تصحيحها لما كان خاطئاً أيام الاتحاد السوفييتي.
إن زيارة بوتين خلال الأسبوع الماضي للسعودية وقطر والأردن تمثل تتويجاً لعام كامل من النجاح غير العادي الذي تميزت به السياسية الخارجية الروسية إزاء الشرق الأوسط.
بدأت القصة في آذار الماضي، عندما قام وفد من حركة حماس يقوده السيد خالد مشعل يزيارة موسكو، وقد كان الحدث آنذاك إعلاناً صارخاً بأن روسيا سوف تعود إلى ممارسة دورها السياسي الكبير في أيام المجد السابق.
وقد أدانت إسرائيل فوراً حينها، الفعل الروسي باعتباره يمثل (خنجراً حقيقياً تم إغماده من الخلف)، وبرغم ذلك فإن موسكو لم ترتدع من شجب إسرائيل، وهو أمر أكده تصريح سيرجي لافروف- وزير الخارجية الروسي، الذي قال فيه: (إن المحادثات في موسكو لن تكون الأخيرة).
كذلك فقد وضعت موسكو علناً وصراحة مبررها الذي يسوغ لها حق المبادرة وهو: لقد وصلت حماس إلى السلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة، وروسيا تقوم وتفعل ما قامت به مصر وتركيا، وان عزل حماس سوف يجعلها أكثر تطرفاً وراديكالية، وان حماس ظهرت بمعقولية مقبولة خلال محادثات موسكو، وان المجتمع الدولي ليس له من خيار سوى أن يعقد صفقة مع حماس، وان اتصالات روسيا مع حماس سوف تسفر عن شيء مثمر.
وعندما أصبحت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تواجه العاصفة، قالت موسكو بالآتي:
- ان المحادثات الروسية مع حماس قد تم إجراؤها ضمن سباق قرارات الرباعية (اللجنة الرباعية هي لجنة تهتم بمشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي وتمض عضويتها: روسيا، أمريكا، الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة).
- ان موسكو تحاول أن تقود وتدفع أزمة الشرق الأوسط إلى خارج الدائرة المغلقة.
- ان حماس يتوجب أن تصبح شريكاً يتمتع بحقوق متساوية في أي عملية سلام.
بعد ذلك ظلت موسكو تركز على القيام بدور الجسر بين مسلمي الشرق الأوسط والغرب، وفي الوقت نفسه ظلت موسكو تعمل من أجل تعزيز مصالحها في الشرق الأوسط، وتحاول الإبقاء على مكانتها ونفوذها وملء الفراغ السياسي والاستراتيجي الذي أحدثه في المنطقة غياب الاتحاد السوفييتي السابق.
جولة الرئيس الروسي بوتين الأخيرة وزيارته للسعودية وقطر والأردن، أكدت أن السياسة الروسية إزاء الشرق الأوسط سوف تشهد انفتاحاً أكبر، وذلك على أساس الاعتبارات الآتية:
• تأكيدات موسكو بعدم وجود بديل للجهد الجماعي الدولي المتعدد الأطراف في حل المشكلات العالمية.
• تعزيز أطروحة أن لا بديل لقيام العرب بأنفسهم بإعادة هيكلة وصياغة مستقبلهم السياسي.
• التوجه إلى القيام بدور يستند على تطبيق سياسة خارجية روسية متوازنة، تختلف تماماً عما تقوم به السياسة الخارجية الأمريكية التي تنحاز لإسرائيل مسبقاً في كافة القضايا الشرق أوسطية.
• التركيز على تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا والدول العربية عن طريق الجهد الثنائي بما يحقق التعاون الاقتصادي مع الدول العربية كل على حدة.
• جعل موضوع العلاقات الروسية- العربية مستقلاً عن اللجنة الرباعية، وفي الوقت نفسه تتابع روسيا عملها في اللجنة الرباعية باعتبارها منبراً للحوار والتفاهم مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حول قضايا الشرق الأوسط.
وعموماً، يقول الدبلوماسي بهادرا كومار، والسفير الهندي السابق في تركيا: إن موسكو غير متورطة في الصراع السني- الشيعي الذي تحاول أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي اللعب على خطة لإشعال منطقة الشرق الأوسط، ودعم أجندة الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.
كذلك يقول بهادرا كومار: إن موسكو لجأت لاستخدام الشراكة الاستراتيجية مع جميع الأطراف: إيران، السعودية، قطر.. وغيرها من بلدان الشرق الأوسط، على النحو الذي يؤمن لموسكو علاقات مستقرة مع الجميع، وهو أمر يتوقع المراقبون أن يضعف كثيراً النفوذ الأمريكي القائم على القوى العسكرية والإملاءات وحيدة الاتجاه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد