هل وصلت الحرب السورية الميدانية إلى جزئها الأخير ؟
قد نكون أمام بعض الوقت لننزل إلى ساحات المدن والقرى السورية لنحتفل بالنصر بعد الإعلان عن انتهاء الحرب التي شُنّت على سوريا، وهو أمر بات يرتبط بالوقت كعامل أساسي والذي تستلزمه العمليات الأخيرة التي تسير بوتيرة متسارعة خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لكننا في كل الأحوال نعيش بداية نهاية الحرب في شقّها العسكري حيث حجم الإنجازات العسكرية تجاوز مرحلة العمليات الدفاعية المتحركة وما رافقها من هجمات مضادة موضعية لننتقل إلى مرحلة الهجوم الشامل والإستراتيجي.
قبل الدخول في توصيف المرحلة الحالية لا بد من استعراض الإنجازات الهامّة التي تراكمت عبر سنتين من العمليات وأدّت الى هذه النتيجة، فما نعيشه هذه الأيام لم يتكون من خلال الصدفة ولم يكن منحة من أحد بل نتيجة عمل دؤوب ومتواصل حصل ضمن ظروف معقدة عسكرياً وسياسياً، وتم التحضير له للوصول إلى هذه النتيجة عبر سلسلة من الخطط الإستثنائية في فهمها لطبيعة الحرب والقوى والإستراتيجيات المعادية، وهذا يعني انتصار التخطيط السوري بالإشتراك مع الحلفاء كما انتصار الجندي السوري وجنود الحلفاء والقوات الرديفة على التخطيط المعادي والأدوات الإرهابية المختلفة.
ممّا لاشكّ فيه أن تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب شكّل النقلة النوعية الكبرى لجهة توقعنا حصول المتغيرات الجيوسياسية الكبيرة وهذا ما يحصل فعلاً، وفي هذا الجانب كان لتوحيد حلب الأثر الكبير في دفع الأمور إيجابياً لمصلحة الدولة السورية حيث تم إجبار تركيا على تقديم تنازلات ما كان يمكن أن تقدمها لولا المتغيرات التي حصلت في ميزان القوى لمصلحة الجيش السوري، وهو أمر بدأ مع حصار الأحياء الشرقية من جهة الكاستيلو حيث كنا أمام اعتذار تركي في نهاية شهر حزيران من العام 2016 يرتبط بإسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية، ولنكون بعد شهر من تاريخه أمام الحدث الأهم الذي غيّر وجه المعركة في حلب وهو وضع الجماعات الإرهابية داخل الطوق من خلال السيطرة على طريق الكاستيلو، رغم أن هذه الجماعات حاولت في شهر آب من عام 2016 أن تفك الحصار عبر إطلاق معركة الكليات العسكرية ومن بعدها معركة غرب حلب التي كانت نتيجتها كارثية على هذه الجماعات في العديد والعدّة، ولنكون بعدها أمام عملية تحرير الأحياء الشرقية بكل تفاصيلها التي أدّت إلى خروج المسلحين وعائلاتهم إلى إدلب، وهو ما حصل مع جماعات أخرى من داريا والمعضمية وقدسيا والهامة والتل ووادي بردى وخان الشيح وغيرها من المناطق التي انتقلت فيها السيطرة للجيش السوري.
بعد هذه المرحلة، كنا أمام لقاءات أستانة المتتالية التي نتج عنها اتفاقية مناطق خفض التصعيد الأربعة.
ترحيل الإرهابيين واتفاقية مناطق خفض التصعيد أتاح للجيش السوري تحرير آلاف الجنود من مهامهم السابقة وتحولهم إلى قوات زجّ واقتحام ضمن خطة حصر مناطق الإشتباك والمحاور، وهو ما تجلّى في نتائج معارك تدمر والبادية بامتدادها الكامل من شمال شرق السويداء حيث الإنجازات الكبيرة وصولاً إلى شرق وجنوب حمص وما يحصل بمحاذاة الفرات، وبالطبع عملية الربط بين سوريا والعراق والتي تتجاوز نتائجها الحرب على سوريا لتهزّ أسس الكيان الصهيوني المذعور من نتائج الحرب بمجملها.
على المستوى الميداني المباشر كنّا اليوم أمام تحوّل في نمط العمليات، فبعد أن استعاد الجيش السوري القدرة على القتال الجبهي وتحول إلى قوّة ساحقة للإرهاب، نفّذت قوات النخبة ليلاً عملية إنزال جريئة ونوعية جنوب بلدة الكدَيْر لنكون أمام تطور بالغ الأهمية توازى مع إعلان مدينة السخنة مدينة محررة بالكامل، وهذا يعني أن العمليات ستستمر باتجاه بلدة الكوم من نقاط السيطرة الأخيرة بنتيجة الإنزال الجوي بالتوازي مع تقدم نحو الكوم من السخنة، وهذا يعني إغلاق جيب كبير لـ”داعش” يمتد من شمال شرق حمص حتى شرق السلمية.
في النتائج وبالربط بين ما حصل من عملية الإنزال إلى تحرير السخنة واستمرار تقدم القوات نحو بلدة معدان، سنكون أمام تشكّل خط الجبهة من المحطة الثانية شمال شرق التنف مروراً بحميمة وصولاً إلى الكوم والرصافة ومعدان بما يشبه القوس، لتبدأ عملية التقدم إلى دير الزور بالزحف عبر اتجاهات تقدم مختلفة سيحاول تنظيم “داعش” مواجهتها، ولكنه لن يكون قادراً على تأخيرها لفترات طويلة بعد خسارته لمدينة السخنة وعملية الإنزال الأخيرة.
في شمال شرق السويداء لا يختلف الوضع الميداني عن السخنة ومحيطها وعن تقدم القوات باتجاه ديرالزور، فإغلاق خط الحدود الشرقية مع الأردن والسيطرة على المعابر غير الشرعية والمخافر سيقطع الإمداد نهائياً عن الغوطة الشرقية، والتي باتت الآن محاصرة بالبعدين الموضعي والإستراتيجي حيث سيكون خط التهريب السابق أكثر ضبطاً وهذا ما سينطبق على إرهابيي محافظة درعا الذين كانوا يعتمدون على المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري.
مسألة هامّة لا يمكن تجاهلها وهي شلّ قدرة قاعدة التنف الأميركية وإنهاء دورها نهائياً، وهو ما يعني احتمالاً كبيراً بمغادرة القوات الأميركية لهذه القاعدة وسيطرة الجيش السوري على كامل خط الحدود مع الأردن وعلى معبر التنف ولتصبح عملية الربط مع العراق عبر المعبر الشرعي وليس من شماله كما هو الحال الآن.
تطورات كبيرة متسارعة ستحصل في المرحلة القادمة ستحسم القسم الأكبر من العمليات لتبقى مشكلة إدلب والمناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
وفي حين أنّ المشكلة مع الأكراد قد تجد طريقها للحل عبر مفاوضات مع الدولة السورية، فإنّ مشكلة إدلب لن تصل إلى خواتيمها إلّا عبر معركة عسكرية ولكنها ستتأخر بعض الشيء إلى حين حسم المعركة في دير الزور والميادين والبوكمال، وتسيطر الدولة على أغلب الحدود مع العراق والأردن وتبقى مشكلة الحدود مع تركيا هي الأخطر وهو ما يستلزم الإستعداد لهذه المرحلة، رغم قناعتي أن تركيا ستقدم تنازلات في هذه المسألة إذا ما حصلت على ضمانات بعدم إقامة كانتون كردي لا تريده ولا تريده سوريا أيضاً كما العراق وايران.
المصدر: بيروت برس – عمر معربوني
إضافة تعليق جديد