02-02-2018
إفشال «سوتشي» لصدّ الطموحات الروسية
للمسعى الأميركي لإفشال مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي أهداف متعددة، بعضها قصير الأمد، وبعضها الآخر متوسط وطويل الأمد وشديد الصلة بالمواجهة المتنامية والمتنوعة الأشكال بين موسكو وواشنطن. ويأتي التزامن في إصدار قائمة عقوبات الكرملين، كما سميت في الولايات المتحدة، مع انعقاد مؤتمر سوتشي والموقف الأميركي والغربي المعادي له الذي أدى إلى مقاطعته من قسم كبير من المعارضة ممثلة بالهيئة التفاوضية العليا، أي منصة الرياض، وجماعة الائتلاف الوطني ليؤكد ممانعة أميركية للدور السياسي الروسي الناشط في سوريا وبقية دول المنطقة.
وبما أن نجاح الرعاية الروسية للحل السياسي في سوريا هو شرط أساسي لتحوّل هذا البلد إلى منصة لدور إقليمي طموح لموسكو، فإن إفشال هذا الحل بات أولوية أميركية.
للولايات المتحدة أهداف معلنة في سوريا في مرحلة «ما بعد داعش» تحدث عنها بإسهاب وزير الخارجية ريكس تيلرسون في خطابه أمام معهد هادسون يحتل بينها احتواء النفوذ الإقليمي لإيران مرتبة مركزية، بعد أن تعاظم نتيجة الانتصارات الميدانية التي حققها التحالف السوري - الإيراني - الروسي. هي معنية بإفشال أي حل سياسي يكرس هذه الانتصارات ويفقدها ذريعة الإبقاء على تموضعها العسكري في الشمال الشرقي السوري. هذا ما يفسر إصرارها التعجيزي على العودة إلى مسار جنيف وشروطه، وبينها عملية الانتقال السياسي التي تجاوزتها وقائع الميدان. لكن الهدف الذي لم يتحدث عنه وزير الخارجية الأميركي مرتبط بروسيا التي تعزز موقعها الدولي نوعياً بعد تدخلها العسكري في سوريا. وحتى أشد أعداء روسيا بين الخبراء الأميركيين، كجورج فريدمان، يعترفون بهذا الأمر: «استطاعت روسيا تحقيق غايتها الاستراتيجية الأبرز.
أظهرت أنها قادرة على خوض حرب مديدة بعيداً عن حدودها. هي لم تكن حرب واسعة والمساهمة الروسية في الانتصار كانت جزئية، لكن روسيا أنجزت هدفها باستعراض قوتها، وتبعا لذلك تكللت مهمتها بالنجاح». وفي بداية التدخل الروسي أيام إدارة الرئيس باراك أوباما، راهنت هذه الأخيرة مع حلفائها على أن يتحول التدخّل إلى فخ لروسيا على غرار التدخّل السوفياتي في أفغانستان.
التطورات اللاحقة خيّبت هذا الرهان. ساهم هذا التدخل في منع الانهيار الكامل للدولة السورية وبجهد دبلوماسي موازٍ للعمليات العسكرية عمل على إطلاق مسار سياسي تفاوضي بالشراكة مع تركيا وبعض المعارضة السورية، بما فيها تلك المسلحة. وبمعزل عن نتائج هذا المسار حتى الآن، فإن المشهد مختلف تماماً عمّا كان عليه أيام الاتحاد السوفياتي التي يصرّ بعض الخبراء الغربيين والعرب على مقارنتها به. وكما يوضح الخبير الروسي ديمتري ترينين، فإن «البلد الذي عاد إلى المسرح الشرق الأوسطي بعد طول غياب يعمل باختلاف ملحوظ عن الاتحاد السوفياتي. روسيا اليوم هي في العمق قوة لاثورية. قوة محافظة لا تشجع على التغيير الاجتماعي والسياسي من الخارج. بل على العكس من ذلك، هي تدعو إلى الحفاظ على استقرار النظم السياسية القائمة ضمن حدودها المعترف بها دولياً وإلى ترتيبات سياسية داخلية تستند إلى التوازن بين مختلف المصالح القبلية والطائفية والوطنية وإلى رفض أية هيمنة لقوة خارجية منفردة».
ظهرت نتائج السياسة الخارجية الروسية الجديدة في السنوات الماضية، وبشكل خاص في السنتين الأخيرتين، فقد أصبح لروسيا شبكة علاقات ومصالح لا يستهان بها مع أبرز اللاعبين الإقليميين المتصارعين في المنطقة: إيران والسعودية وإسرائيل وتركيا وقطر. باتت دول خليجية كقطر تستثمر في شركات قطاع الطاقة الروسي كشركة «روزنفت»، على الرغم من العقوبات الأميركية سنة 2016. وأصبح التشاور مع روسيا والطلب إليها بنقل الرسائل أو حتى بالتوسط لمنع التصعيد أمر معتاد. وفي حال نجاح العملية السياسية التي ترعاها مع شركائها الإيرانيين والأتراك في سوريا، سيحفزها هذا الأمر على السعي إلى التوسط في أزمات المنطقة الساخنة الأخرى كالأزمة اليمنية حيث هي الطرف الوحيد الذي نجح بالحفاظ على علاقات حوار وتفاعل مع مختلف الفرقاء على عكس الولايات المتحدة والأطراف الغربية والدول الإقليمية الأساسية. ومن الغني القول إن دور الوساطة سيصاحبه حكماً نمواً في المصالح والنفوذ السياسي في منطقة شديدة الحساسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة توصف في تقاريرها باعتبارها «منطقة مصالح وطنية حيوية».
يكتسب صد الطموحات الروسية معنىً آخر في سياق دولي عاد فيه الحديث عن احتمال الصدام العسكري المباشر بين القوى الكبرى باعتباره احتمالاً واقعياً. وقد خصّصت مجلة «الإيكونومست» في عددها الأخير ملفّاً لافتاً عن هذا الموضوع. ومما جاء في افتتاحيتها «أن صداماً مدمراً بين القوى العظمى الدولية لم يعد أمراً لا يمكن تصوره. فالبنتاغون اعتبر في استراتيجية الدفاع الوطني الأخيرة أن روسيا والصين قبل الجهاديين تهديد رئيسي لأميركا ورئيس الأركان البريطاني حذّر من احتمال هجوم روسي مباغت... التحولات الجيوسياسية العميقة والطويلة الأمد وانتشار التكنولوجيات الجديدة تؤدي إلى المزيد من تراجع التفوق النوعي الذي تمتعت به الولايات المتحدة وحلفائها. انفجار صراعات على نطاق ومستوى من التوتر لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية عاد فرضية محتملة».
المصدر: وليد شرارة - الأخبار
إضافة تعليق جديد