دراسة تدين تعديلات مبارك وعزل قاض اعترض على صورة مبارك
«دستور التوريث». تحت هذه التسمية أصبحت تُعرف التعديلات الدستورية التي يوشك مجلس الشعب المصري على الاقتراع لإقرارها قبل طرحها لاستفتاء عام خلال شهر أيّار المقبل، ذلك أن أصحاب «المصطلح» يرون أنّ «التعديلات» خرجت من مصانع تقليديّة لتفصيل القوانين لخدمة مرحلة في الحكم، كما حدث عندما أضاف الرئيس السابق أنور السادات مواد تؤهله للحكم مدى الحياة.
وتساءلت الصحافة المصريّة المستقلّة والحزبية «لماذا يتمّ تعديل الدستور الآن؟»، في محاولة لفهم سرّ التعديلات التي تقرّ مجموعة «كوارث»، بحسب معارضي الرئيس حسني مبارك، الذين ينتظرون منه الأسوأ في هذه المرحلة.
فالتعديلات الجديدة تعطي حصانة دستورية لمواد تعتدي على الحريّات العامّة والسياسية، وتمنح الرئيس الحقّ فى تحويل متّهمين إلى محاكم عسكرية، كما تبيح تفتيش المنازل ومراقبة الهواتف الشخصيّة من دون أيّ إذن قضائي، إضافةً إلى إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات.
وبالتالي تشكّل هذه «الاجتهادات القانونيّة» ثورة مضادّة لكل الأمنيات الساعية لدستور أكثر ليبرالية. وبحسب دراسة صدرت منذ أيّام عن المركز العربي لاستقلال القضاء، فإنّ الدولة «ترغب (وفق التعديلات الجديدة) في بلورة نصّ دستوري يسمح بإنشاء قانون جديد لمكافحة الإرهاب، يسمح بالاقتراب من الحرية الشخصية، وإلقاء القبض وتفتيش الأفراد وسجنهم، إلى جانب انتهاك حرمة المساكن ودخولها وتفتيشها من دون أمر قضائي مسبب».
كما ستمتدّ الصلاحيّات الرسميّة، بحسب الدراسة نفسها، لتشمل «إمكان التنصّت ومراقبة المراسلات البريدية والمحادثات التليفونية، وهذا يعني في الإجمال أنّ كافّة الحقوق والحريّات الشخصية والفردية للمواطنين ستكون في خطر بالغ، ويمكن القضاء عليها تحت دعوى مكافحة الإرهاب».
وهذه صدمة أكبر من «تفصيل» مواد انتخاب الرئيس ليصبح دائماً من الحزب الوطني الحاكم، فالتعديلات الجديدة تهدف الى حماية النظام الذي يخلف مبارك ويتوقع أن يكون ضد الرغبة الشعبية.
ورأى معارض مصري، طلب عدم ذكر اسمه، أنّ التعديلات هي «لحماية جمال مبارك، لا حسني مبارك»، مشيراً الى أنّ «الأيّام المقبلة فى مصر سوداء، ومن المنتظر قيام هبّات غضب ضدّ توريث الرئاسة، وبالتالي فالتعديلات تأتي لتضمن دستورية القمع».
وأربك اكتشاف «ما وراء التعديلات» أحزاب المعارضة، حيث يقود حزب «الوفد»، الذي كان قد أعلن سابقاً موافقته «المبدئيّة» على «التعديلات»، حملة من أجل مقاومتها، كما تشنّ صحيفته يوميّاً حرباً مفتوحة، وتدعو المصريين إلى رفضها بعد إصرار النظام على «تمريرها».
وفي المقابل، ظهر جمال مبارك، للمرّة الأولى علنيّاً، وقدّم خطاباً، في اجتماع «لجنة السياسات» في الحزب الحاكم، يفسّر التعديلات، إلّا أنّه نقل الموضوع من «اعتداء التعديلات على الحريات» إلى قضية «المادة الثانية» ليشدّد على أنّه لا مساس بوجود الشريعة الإسلامية في الدستور، وكأنّه يستعير أسلوب السادات للتغطية على الكوارث بقناع ديني، بحسب وصف مصادر رأت أن «مبارك الإبن استشفّ أوّل الطريق لحكم مصر على طريقة أبيه».
إلى ذلك (يو بي آي)، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمون» أمس أنّ الشرطة المصرية اعتقلت أربعة من كوادرها الطلابية في مدينة طنطا شمال مصر. وقال محامي «الجماعة» عبد المنعم عبد المقصود «إنّ الطلاب الجامعيين، الذين يدرسون في كلية الآداب في جامعة طنطا، اعتقلوا بعدما داهمت منازلهم فجر اليوم» (أمس)، نافياً أن تكون السلطات قد اعتقلت القياديّ في «الجماعة» عبد الفتاح زيدان أو ستة من طلّابها في مدينة كفر الشيخ، بحسب قناة «الجزيرة» القطرية.
من جهة أخرى جرى عزل المستشار حمدي وفيق، من منصة القضاء، عندما اعترض على وجود صورة الرئيس محمد حسني مبارك، في قاعة المحكمة في دمياط ( 300 كيلومتر شمال القاهرة)، ليكون القاضي الأول الذي يعزل بسبب موقف سياسي معلن.
ورغم أن الدستور المصري يمنع وجود صورة رئيس الجمهورية في المحاكم، باعتبار ان هذا يمثل انتهاكاً لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، التي يقف الرئيس على قمتها، إلا أن رئيس محكمة دمياط رأى أن اعتراض المستشار وفيق، على الصورة خطأ مهني، وكتب مذكرة ضده روى فيها أن وفيق “دخل غرفة المداولة أثناء وجود أحد القضاة واعترض على وجود صورة الرئيس مبارك على الحائط ثم قام بسب وإهانة الرئيس بألفاظ نابية”. وتحولت المذكرة الى التفتيش القضائي، الذي اتهم وفيق بأنه “سلك سلوكاً لا يليق برجال القضاء، وهو سب وإهانة رئيس الجمهورية”. وبناءً عليه، وبالسرعة نفسها، قرر وزير العدل المستشار ممدوح مرعي إحالة القاضي على مجلس “الصلاحية”، تمهيداً لفصله من الخدمة.
وعلمت «الأخبار» أن مجلس إدارة نادي القضاة كان في حالة انعقاد دائم طوال يوم امس، في محاولة ترتيب طريقة لمواجهة «التعسف ضد المجموعة الإصلاحية، الذي وصل الى حدود غير متوقعة، وهي عزل القضاة». وقطعت الاجتماع اتصالات من كبار رجال النظام في محاولة لإنهاء الأزمة.
كما بدأت الوساطة باتصال من المستشار زكريا عبد العزيز برئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي، طالبه فيها بالتدخل لإيقاف تصرفات وزير العدل، إلا أن عزمي لم يعد بحل قريب للأزمة، وترك القنوات مفتوحة ومعلقة حتى دخل على الخط وسطاء آخرون. وقالت مصادر في نادي القضاة إن الوسطاء تحدثوا عن تعليمات صدرت من جهات عليا (وهو تعبير يقصد به الرئيس) لإعادة القاضي الى عمله.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد