نتنياهو يستعرض قوة أميركا... ضد روسيا
لا نتائج إلى الآن في الاتصالات الروسية الإسرائيلية، بشأن قواعد منع الاحتكاك الجديدة بين الجانبين في الساحة السورية. واضح أن مطالب موسكو مرفوعة إلى حد يتعذّر على إسرائيل القبول به، وإن كانت التسوية بينهما غير مستبعدة في نهاية المطاف. في سياق الاتصالات الجارية، تمتنع إسرائيل عن شنّ هجمات، كانت إلى ما قبل إسقاط الطائرة الروسية، في تزايد مطّرد وبمستوى أرفع مما سبقها. واقع كان يشير في حينه إلى سباق إسرائيلي للحؤول ما أمكن من دون سرعة ووتيرة تعاظم تهديدات أعدائها في سوريا، في ظل ما يمكن وصفه بـ«الانفلات» في التعاظم، وهو واقع يستخلص من وتيرة تزايد الهجمات، واليد الإسرائيلية الرخوة على الزناد، في حينه.
الواضح أن الهجمات جمّدت، فيما حافظ الجانب الآخر على وتيرة تعاظم تهديده، أو ربما زاد عمّا كان عليه. وهو ما يمكن توقعه في ظل الانكفاء الإسرائيلي القسري و/ أو الطوعي، عن الساحة السورية. كل ذلك في انتظار تبلور اتفاق لا يبدو أنه في متناول اليد، بحسب المؤشرات الواردة من تل أبيب.
لكن إلى متى يمكن، أو يفرض على، إسرائيل الامتناع عن شن هجمات؟ يكتنف هذا السؤال عوامل ومؤثرات متعددة، يتعذّر معها ترجيح الإجابات، إلا أن الواضح من المشهد الكلي أنّ توجه تل أبيب لا يتعلق فقط بخطف ضربة جوية أو صاروخية في الساحة السورية قد تكون متوافرة لها من ناحية ميدانية، وإن كان تعقيدات ما بعدها يحول دونها. الأكثر وضوحاً أنّ تل أبيب معنية بتوافق مع الجانب الروسي يسمح لها بشنّ هجمات في مستوى ما كانت عليه الهجمات سابقاً، مع تليين الشروط الروسية للإبقاء على فاعلية هذه الضربات، كما كانت تظنّ إسرائيل. وأهمية امتناع تل أبيب عن شنّ هجمات ودلالاته أنه يأتي اضطرارياً وقسرياً في ظل إدراك إسرائيل أن توجيه ضربة الآن في سوريا، مطلوبة لذاتها بل وملحّة، لإفهام الأعداء تصميمها وعزمها رغم «النكسة» مع الروس، ومنعهم من البناء عليها.
ومع اتضاح عدم كفاية أوراق إسرائيل في مواجهة المواقف الروسية في الاتصالات الجارية حول اتفاق جديد لمنع الاحتكاك في سوريا، يأتي العامل الأميركي والتوجّه الإسرائيلي لاستخدامه، بوصفه ورقة ضغط إضافية في يد تل أبيب قد يراهن على فاعليتها. الوجهة هي المفاوضات الجارية بين الجانبين، مع الأمل بتليين الموقف الروسي وتمكين إسرائيل من استئناف هجماتها ضمن صيغة تأمل أن تكون الأقرب إلى الصيغة الماضية المجمدة. وهو ما يفسّر زيادة مستوى التصريحات ووتيرتها والمواقف الكلامية الأميركية حول الوقوف إلى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الوجود الإيراني في سوريا. في ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في كلمة ألقاها أمام المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي الأربعاء الماضي، دعم الولايات المتحدة للهجمات الإسرائيلية في سوريا: «لدى إسرائيل، مثل كل الدول، الحق بالدفاع عن سيادتها. هذا يعني أننا سنتابع دعم حقها باستهداف الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، ما دام التهديد باقٍ هناك». في موازاة هذا الموقف المؤيد بالمطلق لإسرائيل و«حقها» في شنّ هجمات، استغل رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، رسو المدمرة الأميركية «يو إس إس روس» في ميناء أسدود ليوجّه رسائل في أكثر من اتجاه: ضد إيران من خلال التشديد على أن الحليف الأميركي يقف إلى جانب تل أبيب في مواجهة طهران ومنع «تمركزها» في سوريا؛ وفي الموازاة رسالة ضغط ضد الجانب الروسي في سياق المفاوضات غير العلنية حول سوريا، لإفهام موسكو أن خيارات تل أبيب واسعة جداً ويقف خلفها حليف قوي وندّ لروسيا بوصفها قوة عسكرية عظمى في سوريا.
ما بين موقف بومبيو المؤيد بالمطلق لإسرائيل، والموقف المستقوي بغيره لنتنياهو من على متن المدمرة الأميركية، جانب آخر يشير إلى دونية الموقف الإسرائيلي ومأزقه. في الواقع، كلام وزير الخارجية الأميركي يؤكد الموقف القديم الجديد، في عدم الاستجابة للمطالب الإسرائيلية في التدخّل العسكري الأكثر مباشرة في سوريا لمواجهة روسيا وإيران، وإن عمد إلى زيادة منسوب التأييد الشكلي لإسرائيل والموافقة على هجماتها؛ في الموازاة أن يستقوي نتنياهو بالحليف الأميركي دليل إضافي على تواضع قدراته في مواجهة الروس، وأيضاً في مواجهة أعدائه المباشرين في سوريا ربطاً بتعقيدات الساحة وتشعباتها، وربما أيضاً خروجها عن سيطرة إسرائيل وقدرتها على متابعة التهديد والحؤول دونه من ناحية عملية.
على ذلك، بات الإمكان فهم أكثر دقة للمواقف التي صدرت عن نتنياهو من على متن المدمرة «روس» في أسدود:
«هذه هي أول زيارة لمدمرة أميركية في ميناء أسدود منذ 19 عاماً. هناك معنى خاص لهذه الزيارة التي تُعَدّ انعكاساً للتحالف الوطيد بين إسرائيل والولايات المتحدة. هذه المدمرة التي تحمل على متنها صواريخ موجهة تعمل ضد الإرهاب في سوريا. وجودها هنا خطوة تعبّر عن قوة التحالف العسكري، وفي العديد من المجالات، وخاصة في المجال الأمني.
مصممون على العمل من أجل الدفاع عن أنفسنا ضد التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وضد حلفائها هناك وفي المنطقة. الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب يدعم سياستنا دعماً كاملاً، وزيارة هذه المدمرة إلى هنا ليست إلا تعبيراً عن هذا الدعم الأميركي. أعتقد أن هذه الرسالة وصلت إلى الشرق الأوسط (إيران)، ووصلت إلى ما بعد الشرق الأوسط (روسيا)».
الأخبار - يحيى دبوق
إضافة تعليق جديد