مفاوضات السويد: سقوط مرحلة فرض الإرادات
صوت مجلس الشيوخ، مساء الخميس، على قرار لإنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. التصويت على القرار المذكور، هو تصويت معنوي، وتنحصر تأثيراته في العلاقات العامة، وعلى الجانب الإعلامي، ومعركة الوعي، إضافة إلى كونه محاولة من المؤسسة التشريعية الأعلى في البلاد، بأن الولايات المتحدة لا تزال رائدة في مجال الحفاظ على القيم وحقوق الإنسان. فبحسب الدستور الأميركي، القانون المذكور غير قابل للتنفيذ، أو إجبار الرئيس على تغيير مواقفه من الحرب على اليمن، وكما أن البيت الأبيض، ليس في وارد إنهاء دوره في الحرب اليمنية، لا سيما أن الصراع بدأ يأخذ مساراً سياسياً تسووياً موازياً للمسار العسكري، وهو على المستوى العملي مجرد إيماءة زائفة، كما اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية، أن تتنحى جانباً في الحرب اليمنية، وهي كما أدارت الحرب عبر وكلائها السعوديين والإماراتيين، وبالتعاون مع التابعين المحليين اليمنيين، فإن واشنطن أدارت في السويد المفاوضات مع «أنصار الله»، عبر وكلاء (الأمم المتحدة والأوروبي والبريطاني)، وقد حضر أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى السويد عشية التوقيع على الاتفاق، لتعزيز جهود مبعوثه إلى اليمن مارتن غريفيث، وفور اطلاعه على العقد التي تعيق توقيع الاتفاق في ملف الحديدة، سارع إلى الاتصال بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وطلب منه الضغط على «وفد الرياض»، الذي كان يصر على خضوع الحديدة ومينائها الكاملين إلى ما يسمى «الشرعية»، فتحول إصرار وفد «الشرعية» إلى موافقة فورية على طرح الأمم المتحدة، على رغم خيبة الأمل التي تركها التوقيع عند شريحة من السياسيين والنخب وكذلك الرأي العام الخليجي المؤيد للحرب على اليمن. كما حضر وزير الخارجية البريطاني، جريمي هانت، وأجرى محادثات مع الوفدين المفاوضين. وستكون واشنطن حاضرة أيضاً في كل جولات التفاوض اللاحقة عبر سفيرها في اليمن، وعبر الوكلاء الغربيين والدوليين. أما وفد «الشرعية» فوجوده في مفاوضات السويد أو التي سيليها، فهو من باب الشكليات الرسمية وحاجة لا بد منها، كونه يشكل «الشرعية» المعترف بها دولياً.اللافت في مفاوضات السويد، التراجع الكبير لأصحاب الأمرة السابقين، أي المملكة السعودية ودولة الإمارات، التي باتت صلاحياتهما مقلصة جداً قياساً بما كانت عليه سابقاً. يأتي ذلك، بعد أن بدأت الأمور تسلك على ما يبدو، نحو حل سياسي تسووي على خلاف المرات و«المبادرات» السابقة، إذ كان الطرفان الإماراتي والسعودي، يأملان في تحقيق أهدافهما من خلال الحسم العسكري.إلى ذلك، اعتبر المراقبون، أن قبول الطرف اليمني «وفد صنعاء»، الجلوس إلى طاولة المفاوضات في هذه المرة، ليس هدفاً بذاته، بل مبني على أسس تشير إلى استقراء أو تقدير بإمكان تحقيق حل سياسي فعلي، وإن كانت تشوبه شكوك وعراقيل. كما أن الحل المنشود، مبني على تسوية وليس على فرض إرادات، كما حاولت واشنطن سابقاً. كما أن هذه التسوية، إن حصلت، مبنية أيضاً على نتيجة الحرب التي خيضت وصمدت خلالها حركة «أنصار الله» بوجه تحالف يضم 12 دولة عربية وغربية قرابة أربع سنوات. ويظهر التنازل الذي عبر عنه رئيس وفد صنعاء، محمد عبد السلام، في ملف الحديدة، أن ما كان ينظر إليه على أنه ثقة زائدة بالقدرة على الصمود اليمني، أو بفائض القوة، كما اعتبر الطرف الآخر «التحالف» سابقاً عائقاً أمام التسوية، إلا أن موافقة وفد صنعاء على اتفاقية الحديدة، يشير إلى واقعية سياسية مستجدة (عُبر عنها في أروقة قصر يوهانسبرغ في ريمبو بـ«النضج» السياسي)، وعلى ما يَظهر، باتت الواقعية والنضج يتحكمان بالإستراتيجية التفاوضية اليمنية في المقبل من الأيام. في مقابل ذلك، تراجع (لم يصل إلى مرحلة الكسر) في حالتي المكابرة والإنكار من طرف «التحالف» السعودي - الإماراتي، والإقرار بأنه لم يعد بالإمكان كسب الحرب في استمرار العمليات العسكرية.
وبالعودة إلى صلب مفاوضات السويد، فإن الأميركي الذي كان يحمل مطالب يراها صلبة، ولا يستطيع التنازل عنها في هذه التسوية، كما لم يتنازل عنها في المفاوضات السابقة، إلا أن الواقعية هذه المرة، وعوامل أخرى، استجدت كقضية جمال خاشقجي، والصراع الداخلي الأميركي، اضطرته إلى تقليص مطالبه وأهدافه على طاولة المفاوضات، والتركيز إلى ما يرتبط بالمشهد العام في المنطقة، فقدم التنازل في الداخل اليمني على حساب من قادوا الحرب بالوكالة عنه: السعودية والإمارات والتابعون اليمنيون، مركزاً على المواجهة مع إيران، وهذا ما عبر عنه ترامب منذ يومين، بأنه يجب إخراج إيران من اليمن، وسوف تخرج. إذ من بين المطالب (المرتكزات)، تقييد الممرات البحرية والجوية، وتقييد المنافذ في الدخول والخروج إلى البلد. بمعنى آخر، باتت واشنطن مستعدة للتنازل النسبي في الداخل اليمني، وتحاول من خلال المسار السياسي «التفاوضي» العمل بما يضمن لها، أن لا تؤثر هذه الساحة في مجمل صراعها مع الجانب الإيراني.
على أن هذا لا يعني أن واشنطن ستتخلى عن مطالب حلفائها في الداخل اليمني، بل ستأخذ في الاعتبار أبعاد التهديدات في البحر الأحمر وباب المندب، واشتراط القضاء على القدرة الصاروخية المتنامية للجيش واللجان الشعبية، أو تحجيمها على الأقل (إن استطاعت)، ومنطقة منزوعة السلاح على الحدود السعودية واليمن. وفي الوقت نفسه، العمل على الحد، قدر المستطاع، على عدم إطلاق اليد اليمنية على الاقتصاد الوطني، بل تقيده بشكل يسمح لواشنطن بالضغط على صنعاء متى سمحت لها الظروف. غير أن التسوية الممكن تقديرها، لا يزال أمامها مشوار طويل، وعقبات تستند إلى التراكمات السابقة، ومحاولة التذاكي الخليجي بربط المسار التفاوضي بالمرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار، قرار مجلس الأمن 2016)، وهي مرجعيات تجاوزتها الأحداث.
الأخبار - لقمان عبدالله
إضافة تعليق جديد