أنقرة تتوعّد... وترامب: دوريّات روسية في محيط منبج
بينما تشهد إدلب ومحيطها حرب «تصفية» تقودها «هيئة تحرير الشام» ضد فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» ومن يدور في فلكها، أضافت ملابسات زيارة مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون، لأنقرة أمس على رأس وفد أميركي رفيع المستوى، مزيداً من التعقيد على ملف شرقيّ الفرات. المعاملة التركية لبولتون جاءت أقسى من المتوقع في الأعراف الديبلوماسية. إذ رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لقاء الوفد الأميركي، وخُفّض مستوى تمثيل الجانب التركي ليقتصر على المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، وعدد من نواب الوزراء. وبدا واضحاً بعد كشف مجريات «لقاء أنقرة» أمس، أن أردوغان أراد أن يثأر من بولتون على تصريحاته الأخيرة التي خرجت من تل أبيب، وفق قواعده؛ إذ أعدّ قالن ملفّين سلّمهما لبولتون، أولهما وفق ما نقلت وسائل إعلام تركية يضمّ «ما قدمته أنقرة إلى الأكراد في سوريا والعراق» وثانيهما يسرد «جرائم حزب العمال الكردستاني والتنظيمات المرتبطة به»، ومنها «وحدات حماية الشعب» شريكة القوات الأميركية في الشرق السوري. كل ذلك أفضى إلى رحيل بولتون عن العاصمة التركية بلا تصريحات صحافية، ليُكشف في ساعات مساء أمس أن رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزف دانفورد، لم يغادر، بل التقى لاحقاً وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، لنقاش تفاصيل عسكرية خاصة بملف شمال شرق سوريا.
الضيف الأميركي غير المرحّب به، جاء إلى أنقرة لتحصيل «ضمانات» لحماية القوات التي تشارك قوات بلاده حالياً في السيطرة على مناطق شرقيّ الفرات. وفي المقابل، طلبَ قالن بدوره سحب الأسلحة التي سُلّمت لـ«الوحدات» الكردية وتسليم القواعد الأميركية التي أنشئت في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» لمنع استخدامها من جانب «الوحدات» بعد أي انسحاب أميركي مفترض. ووفق ما أشارت المعلومات التي رشحت من أوساط تركية إعلامية وسياسية، فإن التقاطع الوحيد الذي جرى التوافق عليه، ضرورة التزام الولايات بجدول زمني محدد لسحب القوات، وحدّده قالن بحدود 120 يوماً. وتلا رحيل بولتون بهذه الطريقة تصريحات عدة من مسؤولين أتراك، وعلى رأسهم أردوغان. وذهب الأخير إلى إحياء الحديث عن قرب انتهاء الإعداد للعملية العسكرية المرتقبة ضد «الوحدات» الكردية، والإشارة إلى «الخطأ الكبير» الذي ارتكبه بولتون. وتساوقت تصريحات قالن مع حديث الرئيس، فأكد أن تركيا لا تنتظر «إذناً» من حلفائها لبدء عملية عسكرية شرقي الفرات، ولكنها كانت تأمل أن تكون منسّقة معهم مسبقاً. كذلك، أشار رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، إلى أن السؤال عن تحرك بلاده العسكري يجب أن ينحصر في توقيت العملية، لا في احتمال إطلاقها من عدمه. وتوزاياً مع إشارة أردوغان إلى أن «أصواتاً مختلفة» بدأت تصدر عن إدارة ترامب، بعدما توافق وإياه على مصير شرقيّ الفرات، خرجت بعض وسائل الإعلام التركية لتركّز على «الشقاق» داخل الإدارة الأميركية. ونشر موقع «دايلي صباح» افتتاحيته حول زيارة بولتون، تحت عنوان «انقلاب ناعم ضد دونالد ترامب»، ليشرح فيها رفض تركيا لمحاولات قوى داخل الإدارة الأميركية، مثل بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، مفاوضة تركيا بخصوص «الوحدات» الكردية «من موقع قوّة»، مذكّراً بأن القوات التركية كانت تُعدّ للعملية العسكرية قبل قرار الرئيس ترامب.
ورغم الجوّ المشحون الذي خلّفته الزيارة الاستثنائية في مجرياتها، فإن من المستبعد أن تقود إلى تباعد كبير في رؤيتي واشنطن وأنقرة تجاه التعاون والتنسيق خلال الفترة المقبلة؛ فقبل عامٍ وأقل من شهر، ذهب سلف بولتون، هربرت آر. ماكماستر إلى مهاجمة تركيا واتهامها بدعم ورعاية حركات إرهابية متطرفة، قبل أن يعود في شباط من العام الماضي، ليزور أنقرة ويحضّر لولادة «خريطة الطريق» الأميركية ـــ التركية الخاصة بمدينة منبج. وعزّز لقاء دانفورد وأكار مساء أمس، هذه الفرضية، إذ بدا رسالةً إلى واشنطن مفادها أن سلبية تركيا الحالية تقتصر على «معارضي» قرار ترامب. ومن شأن تأخير التوافقات الأميركية ــ التركية إعطاء وقت أطول لمسارات التفاوض التي تقودها موسكو، والتي أفضت أولاً إلى انتشار الجيش السوري في محيط منبج، وثانياً إلى انتشار قوات الشرطة العسكرية الروسية في طوق المدينة نفسها، ما يذكّر بحال خطوط التماس التي توافقت عليها روسيا وتركيا سابقاً في ريف حلب الشمالي. وكان لافتاً أن إعلان تسيير تلك الدوريات التي ستعمل بنحو دروي ومنتظم، لم يسبقه حديث عن تفاهم مع تركيا أو الولايات المتحدة بهذا الشأن، بل جاء عبر قنوات عسكرية روسية فقط. ولم يخرج حتى مساء أمس أي تعليق تركي أو أميركي على هذا التطور اللافت.
وفي موازاة تلك التطورات، تشهد أرياف إدلب وحماة، استكمالاً لحرب «النفوذ» التي أطلقتها «تحرير الشام» من ريف حلب الغربي، والتي دخلت ضمنها خطوط التفاوض مع ممثلي بعض البلدات قبل الاحتكام إلى المعارك. ووسط وعيد «حركة أحرار الشام» بصد أي هجوم مرتقب من قبل «تحرير الشام»، باتت بلدتا أريحا ومعرّة النعمان على موعد مع الاشتباك، في حال فشل جهود الوساطة بين الطرفين، والمحادثات التي قالت أوساط معارضة إنها تستهدف تسليم المدينة من دون قتال.
الأخبار
إضافة تعليق جديد