«أستانا 13»: البيان الختامي للجولة المنتهية، كان الأكثر وضوحاً لجهة دعم الحكومة السورية
الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلاً، وخيوط الشمس لا تزال ترسم ضوءاً خافتاً في سماء كازاخستان الكحلية الفاتحة. النسيم البارد يطرد حرّ النهار القاسي، ليخرج السكان إلى الحدائق العامة في احتفالية دائمة، بعد أشهر من الصقيع والشتاء القارس. هنا، ترى الشرق والغرب يلتقيان على وجوه الناس، في ملامحهم الآسيوية والأوروبية في آنٍ واحد. خلال اليومين الماضيين، استضافت العاصمة الكازاخية، أستانا (أو نور سلطان، الاسم الجديد للمدينة الساحرة)، الجولة الثالثة عشرة من المحادثات السورية بين الحكومة ووفد من المعارضة التابعة لتركيا، وبرعاية الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا. ومع أن التوقعات كانت منخفضة لجهة قدرة هذه الجولة على الخروج بتفاهمات واضحة حول النقاط العالقة، ولا سيما تشكيل «اللجنة الدستورية»، إلا أن اجتماعات الخميس والجمعة أرست أساساً صلباً لإعلان قريب لتشكيل اللجنة خلال شهر أيلول المقبل. النتيجة الأبرز للجولة الأخيرة، كانت إعلان توصّل لإطلاق النار في إدلب ومحيطها، في خطوة جرى تنسيقها كما بدا قبل انعقاد جولة المفاوضات. إلا أن إعلان وقف إطلاق النار هذا، مشروطٌ بتطبيق الفصائل المسلّحة لتفاهمات «سوتشي»، والأهم، هو الحديث عن الإرهابيين الأجانب في إدلب وضرورة القضاء عليهم.
ولعلّ البيان الختامي للجولة المنتهية، كان الأكثر وضوحاً لجهة دعم الحكومة السورية، وهو ما اعتبره سفير سوريا لدى الأمم المتحدة ورئيس الوفد السوري إلى «أستانا»، بشار الجعفري، بـ«البيان الأكثر توازناً وواقعيةً منذ بدء جولات أستانا». وتضمن البيان، في ما تضمنه، الإشارة إلى رفض احتلال الجولان وفق القرارات الأممية. الجعفري الذي شنّ هجوماً على قوات الاحتلال التركي خلال مؤتمره الصحافي بعد تلاوة البيان الختامي أمس، أكد أن التفاهمات التي أرستها دمشق حول «اللجنة الدستورية» مع المبعوث الأممي، غير بيدرسن، «نهائية وغير قابلة للمراجعة»، وأن «على الأطراف الأخرى أن تفي بالتزاماتها». وبحسب مصادر رسمية متابعة، فإنه بعد التوصل إلى اتفاقات حول تسمية 4 أسماء في اللجنة من قِبَل الحكومة واثنين من قِبَل الأمم المتحدّة، تعترض تركيا على تسمية الحكومة لأحد ممثّليها. ووصفت المصادر الأمر بأنه محاولة تركية لفرض «فيتو» على عمل «اللجنة»، إلا أن مصادر رسمية أخرى أكدت أن الأتراك يعترضون على هذا الاسم بالتحديد بسبب أصوله الكردية، وهو ما يرفضه السوريون رفضاً قاطعاً. وتقول المصادر إن هناك بعض التفاصيل في الإجراءات لم تُحسَم، ولا سيما مسألة آلية اتخاذ القرار في اللجنة، إذ لا تزال المعارضة تعترض على آلية التصويت على القرارات لكي تصبح نافذة (موافقة 75% من الأصوات برفع الأيدي)، وهي تحاول العودة إلى صيغة التوافق (الإجماع)، الأمر الذي ترفضه دمشق. وفيما تحاول الدول الغربية إعطاء الأمم المتحدة دوراً أكبر من «ميسّر» للحوار السوري ــــ السوري، يصرّ السوريون والروس على أن دورها يقتصر على «التسهيل». تضاف إلى ذلك محاولات بائسة لإعادة طرح موضوع تأليف دستور جديد، في ظلّ تمسّك الحكومة بموقفها لجهة إدخال تعديلات على دستور عام 2012 فقط.
وتصف المصادر السورية تحركات المعارضة وداعميها من الأتراك وغيرهم بـ«مماحكات اللحظات الأخيرة من دون جدوى». وفيما يجري الحديث عن إمكانية إعلان تشكيل «اللجنة الدستورية» في القمة الثلاثية المزمع عقدها في أنقرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، أكّدت مصادر دولية أن بيدرسن طلب من الجانب الروسي والمعنيين أن يتولّى هو إعلان تشكيل اللجنة. من جهته، قال كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي،إنّ من «الضروري القضاء على الإرهاب في إدلب، ومنعه من الانتشار»، مثمّناً ما أُنجِز حتى الآن في مسار «اللجنة الدستورية». وفيما رأى خاجي أن على «جميع الأطراف أن تستفيد من وقف إطلاق النار لمكافحة الإرهاب»، تخوّف من أن تقوم الجماعات الإرهابية بإفشاله والاستمرار في استهداف المدنيين والمنشآت السورية الحيوية.
«علينا قتل الإرهابيين»
بهدوء الديبلوماسيين وثقة الجنرالات، يختصر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، الوضع في منطقة إدلب، ووجهة نظر بلاده في كيفية التعامل مع الإرهابيين الأجانب في الشمال السوري. بالنسبة إلى موسكو، يشكّل عدد الإرهابيين الأجانب في سوريا خطورة كبيرة، فهو «يراوح بين 5 و6 آلاف إرهابي أجنبي، بينهم نحو 2500 من الإيغور الصينيين ونحو ألف إرهابي آخر ينتمون إلى الحزب التركستاني الإسلامي. وهؤلاء متطرفون مقتنعون». بابتسامة وصرامة، يقول لافرنتييف إن «هناك أمراً يجب أن يقال مباشرةً وبوضوح: علينا قتلهم، وهذا هو الحل الوحيد معهم. وإذا كانوا يريدون خياراً آخر، فنحن نرحّب به، لكننا نعتقد أنْ ليس بالإمكان إلا تصفيتهم جسدياً». وحول منطقة «خفض التصعيد»، يؤكّد الديبلوماسي أن «هناك صعوبات كبيرة، فهم تحصنوا جيداً في المنطقة، وأقاموا منشآت دفاعية ولديهم تجهيزات عسكرية كبيرة، في جبال اللاذقية خصوصاً، وستكون العملية العسكرية صعبة، ولديهم حتى صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف، ويوماً ما قد يستهدفون طائرة ركاب مدنية أو ينفذون عمليات إرهابية في أوروبا وغيرها، وعندها سيسأل الأوروبيون لماذا لم يُقضَ على هؤلاء؟ وهم حتى الآن لا يحاربونهم أو يحمونهم». ويرى مبعوث بوتين الخاص إلى سوريا أن «المخرج هو عملية عسكرية مشتركة مع تركيا وسوريا للقضاء عليهم، ويجب عدم السماح بإعادة تسميتهم كما حدث مع النصرة وهيئة تحرير الشام وحراس الدين، لأن هؤلاء المقاتلين لن يتغيروا ولا يمكن أن نتوقع منهم أي شيء جيد»، مشدداً على أن «وقف إطلاق النار يشمل الفصائل المسماة معتدلة فقط، وإعلان وقف إطلاق النار إشارة جيدة من سوريا إلى الفصائل ودعوة إلى محاربة الإرهابيين».
لكن ما الضمانات بألّا تتحوّل المشاركة التركية في عملية عسكرية احتلالاً دائماً لسوريا؟ يجيب لافرنتييف: «لقد مرّ وقت على اتفاقية خفض التصعيد، وبالرغم من كل الجهود، لم تُنشأ المنطقة المنزوعة السلاح، ونحن نتطلع الآن إلى أن يستوعب الأتراك أنه يجب محاربة هؤلاء الإرهابيين، لا اللعب معهم». ويتابع القول: «نحن لدينا معلومات من أصدقائنا السوريين عن أن هناك نحو 10 آلاف جندي تركي في الأراضي السورية، وهذا رقم كبير جداً، وكما نرى أن هذا الرقم لا يساعد في محاربة الإرهابيين. الوجود العسكري التركي كبير، ونحن نقول دائماً إنهم يجب أن لا يكونوا على الأراضي السورية، وهم الآن موجودون بصورة غير شرعية». لكن الأتراك، بحسب الديبلوماسي الروسي، «يؤكّدون لنا أنهم سينسحبون، وهذا التصريح يصدر عن جميع مستوياتهم، من بينهم الرئيس أردوغان، ووزير الدفاع التركي خلوصي آكار. نأمل أن يُطبَّق ذلك في أسرع وقت، فهذه أراضٍ سورية، ويجب أن تعود إلى سوريا».ما موقفكم من النقاش التركي ــ الأميركي حول منطقة عازلة في الشرق السوري؟ يجيب لافرنتييف: «بالمبدأ، روسيا ليست ضد إنشاء منطقة آمنة. لكن السؤال هو عن ماهية هذه المنطقة». فـ«هل سيتحكم بها الأكراد والعشائر العربية، كما يطالب الأميركيون، أم ستحكمها القوات التركية، كما تطالب أنقرة بعمق 30 إلى 40 كلم؟ نحن نرى وجود الأكراد والعشائر أمراً طبيعياً، لكن موقفنا أن هذه المنطقة يجب أن تكون تحت سيطرة قوات الحدود السورية، والخيار التركي هو الذي لا نريده. وإذا قامت القوات التركية بأي تحرك أحادي، ستحصل معارك مع الأكراد، لذلك موقفنا واضح وثابت، يجب أن تكون المنطقة تحت الإدارة السورية وسيطرة الحكومة». ويضيف لافرنتييف: «نحن أيضاً نرفض أي وجود لعناصر عسكريين أتراك وعناصر من المعارضة السورية، ونرفض حتى مقترحات تسيير دوريات تركية في تلك المنطقة، ووحدات الجيش السوري جاهزة الآن وقادرة على فرض الأمن وتأمين الحدود».
غياب أردني عن اجتماع رباعي
عقد، أمس، على هامش «أستانا»، اجتماع ثلاثي برعاية روسية بين مندوبي سوريا والعراق ولبنان، تناول آخر المستجدات على صعيد الأزمة السورية والاهتمامات المشتركة بين الدول الثلاث، ولا سيما أزمة النازحين السوريين وسبل حلّها. وبحسب المعلومات، دعت روسيا الدول الثلاث، بالإضافة إلى الأردن، إلى الاجتماع، في محاولة لإيجاد صيغة تنسيق بين سوريا والدول المحيطة بها، من أجل معالجة مفرزات الأزمة التي يعاني منها الجميع، وإرساء تعاون اقتصادي وأمني مشترك، على ما أكدت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى. وبقي الاجتماع من دون إعلان رسمي بناءً على طلب روسي، بعد غياب الأردن الذي تهرّب من الحضور بذريعة أن لديه علاقات ديبلوماسية مع سوريا، وأن حضوره قد يضعه في موقف محرج مع دول أخرى، لما قد يظهر أنه نواة لعمل رباعي مشترك بين سوريا ولبنان والأردن والعراق. وعلمت «الأخبار» أن الجانب اللبناني تحفّظ أيضاً من إعلان اللقاء، وأن المندوب اللبناني، رئيس الدائرة السياسية في وزارة الخارجية اللبنانية غدي خوري، طلب أيضاً أن يبقى اللقاء بعيداً عن الأضواء.
الأخبار- فراس الشوفي
إضافة تعليق جديد