اليمن | السعودية تفشل في عرض التحكيم: نفير قبلي ثأراً لضحايا الجوف
استهدفت طائرات تحالف العدوان، مساء الأربعاء الماضي، حفل زفاف في قرية المساعفة النائية في مديرية حزم في محافظة الجوف (شمال شرق صنعاء)، ما أدى إلى مقتل 31 مدنياً معظمهم نساء وأطفال، وإصابة آخرين. الجريمة التي هزّت اليمن عموماً، وأثارت ردود فعل غاضبة في الأوساط الشعبية والحقوقية في صنعاء خصوصاً، اعترف بها "التحالف" بعد 24 ساعة من وقوعها، محاولاً تفادي تبعاتها على المستوى القبلي في الجوف، وتحديداً في المناطق الحدودية بين المحافظة والأراضي السعودية. هكذا، لجأت الرياض إلى العرف القبلي اليمني، بعدما تبيّن أن معظم ضحايا المجزرة ينتمون إلى قبيلة بني نوف، إحدى قبائل جهم الممتدّة من الجوف إلى مأرب وصنعاء، والتي سبق لها أن أسرت ستة جنود سعوديين قبل أشهر، على خلفية اعتقال القوات السعودية في محافظة المهرة اثنين من أبنائها.
اللافت أن الاعتراف السعودي لم يأتِ، كالعادة، على لسان رئيس ما يُسمّى "الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن" (المعنيّ بالتحقيق في "شبهات سقوط مدنيين"، كما تسمّيها السعودية، في عمليات "التحالف")، اللواء منصور المنصور، إنما من قِبَل مشائخ قبليين موالين للرياض، أوكلت إليهم الأخيرة مهمّة تهدئة أسر الضحايا واسترضاء القبائل، باعتماد آلية التحكيم القبلي للمرة الأولى منذ خمس سنوات، بعيداً عن الأطر الرسمية. صباح الخميس، وبينما كانت فرق الإسعاف لا تزال تبحث عن الأشلاء وسط ركام المنازل الطينية المدمّرة بغارات "التحالف"، نقل المشائخ المذكورون إلى القبائل استعداد السعودية لتقديم عشر بنادق "كلاشنكوف" و500 ألف ريال سعودي لأسر ضحايا المجزرة.
ووفقاً لمصادر مطلعة تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن الوساطة التي قادها الشيخ الموالي لـ"التحالف"، العوجري الستنيل، فشلت في نيل موافقة القبائل على التحكيم السعودي، ما دفع الرياض إلى تقديم عرض جديد قوامه ثلاث سيارات وثلاثة ملايين ريال سعودي. وتفيد المصادر بأن المملكة كلّفت لجنة من مشائخ جهم الموالين لها بالتوسّط لإقناع أهالي الضحايا بالتحكيم، على اعتبار ما حدث "خطأ غير مقصود". لكن جهود تلك اللجنة، التي حاولت استمالة الأهالي بالعزف على وتر التحذير من استغلال "أنصار الله" الحادثة للتأليب على "التحالف"، باءت، هي الأخرى، بالفشل، بعدما رفضت القبائل المساومة على دماء أبنائها، متوعّدة بالثأر لهم.
وفي هذا الإطار، تشدّد مصادر قبلية في محافظة الجوف على أن "دماء أطفال اليمن ونسائه لا تقبل المساومة". وتوضح المصادر أن المجزرة التي أوقعت ضحايا من ثلاث أسر مسالمة ارتُكبَت في منطقة بعيدة من دائرة الاشتباكات، ولا تشهد أيّ مواجهات، وبالتالي ليس فيها ما يبرّر هذا النوع من العمليات، لافتة إلى أن عدداً كبيراً من أبناء القرية يقاتلون منذ سنوات في صفوف قوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. وفي الاتجاه نفسه، أكد لقاء قبلي عُقد الخميس الماضي في المنطقة نفسها أن التحكيم القبلي لا يُقبل - وفق العرف - مع دولة أجنبية، مُهدّداً بأن "غسل الدم في قضية كمجزرة المساعيف لا يأتي إلا بالثأر"، وأن "الدم لا يُغسل إلا بالدم".
وعلى رغم محاولة السعودية لملمة تبعات الحادثة بدعوى أنها غير متعمّدة، إلا أن مراقبين اعتبروا المجزرة ردّاً متأخّراً من قِبَل الرياض على التسوية التي أسقطت "هيبتها" أمام قبائل الجوف قبل حوالى عام، عندما اضطرت إلى تسليم اثنين من أبناء قبيلة بني نهم كانت اعتقلتهما في المهرة، مقابل الإفراج عن جنودها الذين أسرتهم القبيلة لاحقاً في الجوف في آذار/ مارس 2019. وعلى إثر عملية الأسر تلك، حاولت قوات هادي تحرير الجنود بالقوة بشنّها عملية عسكرية ضدّ القبيلة، لكن الأخيرة تمكّنت من صدّ الحملة عليها، لتنتهي القضية بالتسوية المشار إليها آنفاً.
رشيد الحداد
إضافة تعليق جديد