05-08-2020
بيروت موعظة الدم والرماد
سورية كانت أول المصدومين والمتعاطفين مع النكبة اللبنانية، حيث أبدت استعداد مشافيها لاستقبال حالات إسعاف المصابين، وتقديم كل المساعدات الطبية الممكنة، كما توجه الكثير من السوريين المقيمين في لبنان للتبرع بالدم ـ كما أخبرني سفيرنا علي عبد الكريم في اتصال معه يوم أمس ـ عل دماءهم تنقذ حياة بعض الجرحى، كما تواصلت مع أصدقائنا في التيار الوطني المقاوم وطرحنا إطلاق حملة تبرع بالدم السوري، فيما لو طلبت الجهات الرسمية اللبنانية مثل هذه المساعدة التي أيدها ووافق عليها مدير بنك الدم الدكتور عمار سلامة في اتصالنا معه صباح اليوم دون ذكر التفاصيل، وننتظر بيان سفارتنا بعدد الجرحى والقتلى السوريين بالإنفجار الكبير في ميناء بيروت الذي يهيمن عليه سعد الحريري وجماعته منذ العام 2006 مع التذكير أن شحنة الأمونيا تمت في عهد حكومة تمام سلام وأدخلها قاضي الأمور المستعجلة في بيروت بداية العام 2014 وأخلى سبيل طاقم السفينة، ثم رفض الحريري طلبات إدارة الجمارك بالنظر في إزالة الشحنة خلال فترة رئاسته منذ العام 2016،حيث قدم وزير داخليته وإدارة أمن الدولة تقريرا عن خطورة المواد دون أي تجاوب من قبل رئيس الحكومة، ونأمل أن تنجلي الحقائق قبل أن يتمكن زعماء الطوائف ومؤجريهم من استثمار الحدث ضد محور المقاومة، كما حصل خلال مؤامرات السنوات الخمس عشرة الماضية، ومن بينها مؤامرة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث يدعو بعضهم اليوم إلى تدويل حدث المينا على غرار تدويل قضية الحريري التي لم تغلق بعد !؟ ففي كل حدث لبناني يجب أن تكون أصابع إسرائيل قد لعبت فيه ، إضافة إلى السيطرة الأمريكية على مفاصل الدولة اللبنانية والتي تفترض سورية عدوا يُمنع الإنفتاح أو التعاون معها ـ كما ذكر المفكر حسن حمادة في رسالته لي اليوم ـ وبالتالي سيبقى لبنان بعيد عنا قريب منا في علاقة تاريخية ملتبسة تشبه التعبير المصري : بكرهك ياحبيبي !؟
فبين الشام ولبنان حب من طرف واحد، فمنذ قيام الدولة الأموية طمح معاوية بمد نفوذه إلى جبل لبنان فاصطدم بمردة الجبال ( الموارنة) الذين قاوموا جيشه بدعم من روما التي باعتهم فيما بعد بصفقة مع معاوية ، فقتل منهم بضعة آلاف قبل أن يطوع جبل لبنان لسلطته.. وقبل ذلك بألفي عام جاء الملك السومري جلجامش وصدبقه أنكيدو إلى لبنان للحصول على خشب الأرز وواجها تنين الأرز في معركة أسطورية، وبعد ذلك بثلاثة آلاف عام جاء الرئيس حافظ الأسد وجيش الردع السوري حيث بذلنا دماء أبنائنا لإطفاء الحرائق اللبنانية قبل أن تصل إلينا.. ذلك أن صراع الأشقاء قديم، من قبل ظهور الأديان الإبراهيمية والأحزاب الفاشية، عندما كانت سورية عبارة عن ممالك مدن متحاربة مع بعضها، ثم توحدت وانفصلت عنها متصرفية جبل لبنان لتستمر المعارك بين ملوك الطوائف إلى أن توافقوا على اقتسام البلد في اتفاق الطائف، ثم عادوا وانقلبوا على تحالفاتهم بعدما انقسمت طوائفهم، بحيث باتوا يحتاجون اليوم إلى طائف تلغى فيه حصص ملوك الطوائف لتعطى لفقراء الطوائف.. كل هذا ولم يدركوا بعد الحكمة المستعادة من دروس التاريخ كي نتمكن أن نكون أشقاء طبيعيين يدركون أن منافع التعاون أضعاف مغانم التنازع ..
ويأتي تفجير أمس الكارثي كأكبر درس وأعمق موعظة للشعب اللبناني، عندما امتزجت دماء جميع الطوائف والقوميات على ترابه، وتقدم العامل السوري متبرعا بدمه لكي يؤكد محبته بالرغم من كم العداء والأذى الذي يواجهه على يد بعض المتعصبين هناك.. السلام ثم السلام فقط هو ديّة الإزدهار ، فلملموا جراحكم وداووا أحقادكم بالمحبة والتعاون حتى لايهزأ بنا التاريخ مرة بعد مرة..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد