مقاتلون أذربيجانيون في سوريا.. لماذا تمنع تركيا عودتهم للقتال في بلادهم؟
في الوقت الذي بدأت قوافل المرتزقة السوريين تصل إلى جبهات القتال بين أذربيجان وأرمينيا، بدعم وإشراف تركيين، يواصل مئات من الجهاديّين الأذريين نشاطاتهم القتالية فوق الأراضي السورية ضمن الفصائل التي ينتمون إليها من دون إظهار أية رغبة في المشاركة في القتال الدائر في بلادهم.
وفي دلالة على المفارقة الحاصلة، تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي: “فايسبوك” و”تويتر”، صورة لجهاديّ مسنّ يلقب بأبي محمد الأذري، لافتين إلى أنه جاء إلى سوريا منذ “بدء مسيرة الجهاد” من دون ذكر تاريخ محدد، والى أنه يرابط على جبهات القتال من دون كلل أو ملل. “ورغم تجاوز عمره الستين سنة فإنه لم يجد لنفسه عذراً بالقعود، ففضل هذا الطريق على طريق الراحة والدعة التي كانت في بلده، فهو صاحب الشهادات (الجامعية) والحياة الرغيدة” بينما اليوم نرى جموع المرتزقة من فصائل الشمال السوري تخرج من هذه البلاد المباركة (أي سوريا) نحو بلاده (أذربيجان) لأجل بضعة دولارات”.
ولم يتساءل النشطاء لماذا قرر أبو محمد وأمثاله من الجهاديين المتحدرين من أذربيجان وغيرها من دول منطقة القوقاز، البقاء في سوريا، وعدم التفكير في العودة إلى بلادهم للمشاركة في القتال الدائر في مسقط رؤوسهم. ولا يقل هذا التساؤل أهمية عن التساؤل بخصوص الدوافع التي تدفع مرتزقة سوريين لتفضيل القتال في جبهات بعيدة بينما القتال في بلدهم ما زال مستعراً.
قرار تركي
لكن مصدراً متابعاً أكد لـ”النهار العربي” أن “قرار عكس وجهة الانتقال من سوريا إلى أذربيجان ليس بيد المقاتلين الأذريين ولا قادة فصائلهم، بل هو بيد الاستخبارات التركية التي تملك وحدها إمكان اتخاذ مثل هذا القرار بناء على مصالح السياسية التركية”.
وأشار المصدر إلى أن “تركيا تفضّل الاعتماد على مرتزقة سوريين من فصائل “الجيش الوطني الحر” للزجّ بهم في القتال هنا وهناك، لأن الأخير بات تابعاً بشكل مطلق لأوامرها وتوجهاتها، وهي، أي أنقرة، لا تخشى من تمرده عليها بعد وصوله إلى أي جبهة قتال خارجية، بينما يبقى التعامل مع “الجهاديين” محفوفاً بالمخاطر بسبب تصلبهم الايديولوجي”. ولفت المصدر إلى أن عدداً من المقاتلين الأذريين حاولوا العودة إلى أذربيجان بشكل منفرد غير أنهم فوجئوا بالعراقيل التي وضعت في طريقهم، وهو ما فهموا منه أن الاستخبارات التركية ترفض هذا المسار العكسي في حركة الجهاديين.
وليست هناك إحصاءات دقيقة لأعداد المقاتلين الذين قدموا من أذربيجان للقتال في سوريا، لكن يعتقد أنهم بالمئات، ومن بينهم قياديون في عدد من الفصائل في مقدمها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” و”كتيبة الامام البخاري” و”جماعة التوحيد والجهاد” و”جنود الشام” وغيرها من الفصائل التي تضم مقاتلين أذريين. وعلى سبيل المثال أعلنت القوات العراقية عام 2017 مقتل أبي أنس الأذربيجاني الذي كان يتولى منصب مسؤول برمجة اتصالات “داعش” في سوريا والعراق.
أما المقاتلون الذين يتحدرون من منطقة القوقاز فإن أعدادهم بالآلاف، وباتوا يشكلون كتلة قتالية لا يستهان بها، ويتمتع هؤلاء بخبرات قتالية عالية جعلت منهم رقماً صعباً في المعارك ضد الجيش السوري وحليفيه روسيا وإيران.
ولاية أذربيجان
وأُعلن العام الماضي عن تشكيل “ولاية أذربيجان” لتكون فرع تنظيم “داعش” في هذا البلد، حيث انتشر إصدار مرئي معنون بـ “العاقبة للمتقين” ظهر فيه ثلاثة مقاتلين ملثمين وهم يؤدون البيعة لزعيم التنظيم السابق أبي بكر البغدادي. وقال الناطق المُلقب بأبي يوسف الأذربيجاني إن الدولة الإسلامية “أشعلت نار الجهاد من جديد” وتعهد مواصلة السير على هذا الدرب إلى أن “يزول الكفر”. وشجع المتحدث عناصر التنظيم وأنصاره في أذربيجان ودعاهم الى التحلي بالصبر، وهاجم النظام الأذربيجاني (“الطغاة في أذربيجان” الذين يأتمرون بأمر “إيران الشيعية”). وفي نهاية الشريط يجدد الثلاثة البيعة لأبي بكر البغدادي.
ومن غير المستبعد أن يكون رفض الاستخبارات التركية عودة المقاتلين الأذريين إلى بلادهم، جاء بالتنسيق مع أذربيجان. ومن الجدير بالذكر أن الاستخبارات الأذرية رأت في اندلاع الأزمة السورية مخرجاً لتخفيف الضغط الذي بات يشكله السلفيون الجهاديون على المشهد الداخلي بعد تصاعد نفوذهم في المناطق ذات الغالبية السنّية في شمال البلاد، لا سيما في مدينة باكو ومقاطعة سومقاييت، فشرعت الباب أمام عناصر التيارات الجهادية للذهاب إلى سوريا للزج بهم في محرقتها، من جهة، وللتخلص من عبئهم في الداخل، من جهة ثانية. وبالتالي من المستبعد أن تفكر القيادة الأذربيجانية في استعادة هؤلاء حتى لو كان الثمن الاستعاضة عنهم بمرتزقة سوريين يقاتلون من أجل المال وليس بدوافع عقائدية.
وتعتبر السلفية حديثة النشأة في أذربيجان، إذ يعود تاريخ ظهورها إلى أوائل تسعينات القرن الماضي، لكنها انتشرت بسرعة متزايدة منذ ذلك الوقت وامتلكت نفوذاً قوياً في أوساط السنّة. وفيما لعبت عوامل عدّة دوراً في صعود السلفية في أذربيجان، كالفراغ الذي نشأ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والخشية من سياسات إيران المجاورة وسعيها الى تصدير نفوذها إلى أذربيجان، فإن الكثير من سياسات الحكومة الأذربيجانية المناهضة للدور الإيراني شكلت بيئة مناسبة لتنامي الظهور السلفي في البلاد.
إضافة تعليق جديد