لماذا لم تنجح زراعة الموز بسورية كما لبنان ؟
في الوقت الذي تحقق فيه زراعة الموز في “لبنان” نجاحاً، وتعد من الفاكهة التي ترفد خزينة البلاد بأرباح جيدة نظراً لتصديرها إلى عدة دول عربية منها “سوريا” و”الأردن” و”الكويت”، فإن التجربة في “سوريا” لم تحقق النجاح المطلوب رغم التشابه بالمناخ ومقومات الزراعة، كما أن الناتج السوري لا يحقق حتى الاكتفاء محلياً من تلك المادة.
يعد الموز أحد أنواع الفاكهة الاستوائية والمدارية التي دخلت إلى الساحل السوري من خلال المغتربين منذ السبعينات، وانتشرت زراعتها خلال السنوات الماضية في عدة مناطق بمحافظات “اللاذقية”، و”طرطوس”، و”درعا” إلا أنها تراجعت لاحقاً لعدة أسباب منها الظروف المناخية خاصةً في الشتاء.
في عام 2009، قال مدير مكتب الحمضيات “وجيه الموعي”، في تصريحات نقلها موقع دام برس المحلي حينها، أن تجارب زراعة الموز متركزة في الساحل السوري و”درعا”، لكنها لم تنتشر بشكل اقتصادي «بسبب الظروف الجوية والحرارية غير الملائمة ونظرا لحاجة السوق الاستهلاكية لثمار الموز فقد عمدت الوزارة لزراعة الموز داخل البيوت البلاستيكية في الساحل السوري واتخذت جملة من الإجراءات لانجاح هذه الزراعة».
“الموعي”، خلص إلى نتيجة مهمة حينها، مفادها أن «زراعة الموز في سوريا لم تسجل النجاح المطلوب رغم ملاءمة البيئة الساحلية لهذا النوع من الزراعة لأنها كانت مكلفة للمزارعين الذين “بدؤوا بالتفكير بهجر هذه الزراعة إذا لم يتم دعمهم حكومياً».
وبالفعل هذا ما حدث لاحقاً، المزارعون هجروا تلك الزراعة، التي لو أنها لقيت دعماً حكومياً في ذلك الوقت الذي لم تكن البلاد تعاني فيه لا من الحرب أو من العقوبات، لكانت أصبحت رافداً هاماً لخزينة البلاد وداعماً للاقتصاد حالياً، ربما!.
ذكرت تقارير إعلامية عام 2009 أن المساحة المزروعة بالموز المحمي بالساحل حوالي 592 دونماً، وقُدّرَ انتاجها آنذاك، بـ771 طناً وبإنتاج وسطي قدره 6 أطنان للدونم الواحد، بينما بلغت المساحة المكشوفة والمزروعة بالموز حوالي 452 دونماً، وبإنتاج يقدر بـ536 طنا أي 2.5 طن للدونم الواحد.
في عام 2016 استمرت تلك الزراعة بالتراجع وبلغ عدد البيوت البلاستيكية (المحميات) المزروعة بالموز /17/ بيتاً محمياً بمساحة /16/ دونماً والبقية موز مكشوف، أما في العام 2021 فقد بلغ عدد أشجار الموز المزروعة في محافظة “اللاذقية” لوحدها 1300 شجرة.
الظروف الجوية لم تكن مواتية
في العام 2017، قال المهندس “تيسير بلال” مدير الزراعة في “طرطوس” حينها، بتصريحات نقلتها تشرين المحلية، أن «الظروف الجوية لم تكن مواتية فقد أثرت في هذه الزراعة من خلال العواصف التي تشهدها المنطقة خلال فصل الشتاء القاسي “التنين” الذي أدى إلى حدوث أضرار بالغة بالأنفاق البلاستيكية باقتلاعها وتمزيق النايلون واقتلاع النباتات ولاسيما أن البيوت المخصصة لزراعة الموز عالية جداً 5,5 أمتار وهذا ما يجعلها عرضة لمهب الرياح».
وأضاف أن تكلفة هذه الزراعة مرتفعة جداً، سواء من ناحية التكاليف الإنشائية، أو لناحية حاجتها إلى «تكاليف عمليات المكافحة وخاصة النيماتودا “الديدان الثعبانية” التي تحد من هذه الزراعة أضف إلى ذلك حاجتها إلى غرف إنضاج خاصة والى مواد تستخدم في الإنضاج، ما جعل من هذه الزراعة مكلفة والمردود لا يغطي تكاليف الإنتاج، والأمر بحاجة إلى دراسات معمقة من حيث الجدوى الاقتصادية».
بالنظر إلى واقع الموز في “سوريا” حالياً، لا يبدو أن المعنيين قد قاموا بتلك الدراسات المعمقة أو أنهم قاموا بها ولم يكشفوا عنها، أو أن “الحرب أعاقت تلك الدراسات”!.
الظروف المناخية المناسبة لزراعة الموز
بحسب كتاب دليل زراعة الموز الصادر في “ليبيا”، فإن زراعة الموز تتطلب وجود عاملي الحرارة والرطوبة، فيجب ألا تقل درجات الحرارة عن 15 درجة ولا ترتفع عن 45 درجة، كذلك يجب ألا تنخفض الرطوبة عن 60%، والأهم عدم وجود صقيع فأشجار الموز حساسة جداً لانخفاض درجات الحرارة الشديدة خصوصاً إن طالت المدة، كذلك تعتبر الرياح الشديدة من العوامل الضارة بإنتاج الموز.
إلى جانب ذكر المناخ الملائم لزراعة الموز، يطرح الكتاب حلولاً لبعض تلك المشاكل، فيما يخص الرياح يجب زراعة مصدات رياح من أشجار الكازوارينا أو الكافور، إضافة إلى «عمل سياج من البوص أو الغاب بارتفاع لايقل عن 3.5 متر، وعدم زراعة الأصناف الطويلة في المناطق المكشوفة خاصة في الأراضي المستصلحة حديثاً لعدم مقاومتها للرياح، وعمل دعائم خشبية أو معدنية (سنادات) على شكل حرف Y لسند السوباطات».
بالنظر إلى عوامل المناخ المناسبة لزراعة الموز، فإن طقس الساحل السوري مناسب إلى حد كبير، خصوصاً لناحية الرطوبة ودرجات الحرارة، وأما بالنسبة للصقيع فقد كان من الممكن بقليل من الدعم تجاوز هذه المشكلة، كما يتم تجاوزها حالياً خلال زراعة البيوت البلاستيكية المحمية، وبالنسبة للرياح فقد طرح الكتاب حلولاً لها، بعبارة ثانية كان من الممكن النجاح بتلك الزراعة مع قليل من الدعم وتوجيه المزارعين.
لا يمكن العودة بالزمن لإنجاح تجربة زراعة الموز، فنحن بتنا في الزمن الذي كان المواطن يتمنى فيه لو أن تلك الزراعة قد لاقت اهتماماً ليتمكن السوريون من تناول الموز مع أطفالهم دون دفع مبالغ باهظة ثمناً له، وتجنيب اقتصاد البلاد الأذية من تهريب هذه المادة بطرق “غير شرعية”.
سناك سوري
إضافة تعليق جديد