شللية الأدب وعداوة الكار

12-02-2022

شللية الأدب وعداوة الكار

Image
أناتول فرانس

الجمل ـ عماد عبيد:


يروي فيما يروي الكاتب التشيكي الفرنسي (ميلان كونديرا) أنه في شبابه، في زمن الحيرة والضياع، استهدى على الكاتب الفرنسي (أناتول فرانس 1844-1924) مسترشدا بروايته (الآلهة عطشى) التي أمدته بطاقة معرفية أججت في داخله شغب التفكير والإعجاب بهذا الكاتب الفذ.


وحين هاجر (كونديرا) إلى فرنسا التقى بالفيلسوف الروماني (إميل سيوران 1911- 1995) وما أن أبلغه إعجابه بـ (فرانس) حتى مال عليه (سوران) وهمس في أذنه ضاحكا بخبث (لا تلفظ اسمه بصوت مسموع هنا وإلا سخر الجميع منك)


(أناتول فرانس) الروائي العريق، صاحب المقعد رقم 38 في أكاديمية اللغة الفرنسية والحاصل على جائزة نوبل للآداب 1921، بلغ طول الموكب الجنائزي الذي رافق تشييعه عدة كيلومترات، وبعد أيام من وفاته 1924 انقلب عليه رفقاء الكار، وقام أربعة شعراء من كبار شعراء فرنسا المؤسسين للحركة السريالية في الأدب (لويس أراغون 1897- 1982– اندريه بروتون 1896-1966– بول إيلوار –1895-1952 فيليب سوبو1897-1990)، بكتابة مقال هجائي قاذع ضده، ركز كل واحد منهم على تهمة ألصقها بالمتهم، وتوسع في تفنيد حججه باقتباسات عرضية من أعماله منتقاة بدقة ومفارقة لسياقها، حتى تتحول التهمة إلى إدانة، علما أن أي منهم لم يكتب رواية في حياته إلا (أراغون) في سن متأخر.


الغريب أن من شغل كرسيه بعد وفاته في الأكاديمية الفرنسية للغة الشاعر (بول فاليري1871-1945) وحسب طقوس الأكاديمية كان على (فاليري) أن يلقي خطابا تأبينيا لشاغل الكرسي السابق (فرانس) يشيد بمناقبية سلفه ويبجّله... إلا أن خطاب فاليري جاء توبيخيا بلهجة أنيقة، قدحه وذمّه بالتلميح، ولم ينبس باسمه الصريح في ذاك الخطاب التاريخي، حتى أن أحدا من أعضاء الأكاديمية لم يعترض عليه.


هذا الموقف الصارخ بحق أهم الروائيين في العالم ومن أبناء جلدته بالذات، يثير أسئلة شتى، هل السبب عداوة الكار، أم أن روح الشللية المتحيزة - على الأقل من الشعراء الأربعة - جعلتهم يتفقون على رجمه؟؟؟


في الوسط الأدبي العربي حدثوا ولا تنحرجوا، فالشللية تبدأ من القمة وتنحدر إلى القاع، بين المشهورين أنفسهم والمغمورين أيضا، وهذه الشللية تصبح أحيانا مرتكزا هجوميا في عداوة الكار، فبقدر ما يؤازر الشلليون بعضهم البعض في المسايرة والدعم، بقدر ما يجعلون من شلليتهم غرفة عمليات تطبخ فيها عداوات لرفقاء السلاح.


صحيح أنه ليس بالضرورة أن تبدأ عداوة الكار من محمية الشللية، فقد تنطلق من الذات الفردية، إلا أن الاستناد إلى قاعدة الشللية والرأي الجمعي لها يوحي بصدقية الاتهامات ومشروعيتها.   


من يذكر كتاب (الأدب والإيديولوجيا في سوريا لـنبيل سليمان وبوعلي ياسين) الصادر عام 1974 وما أثاره من زوابع أدبية ومناوشات خاصة الهجوم الذي شنه الكاتب (محي الدين صبحي) على الكاتبين، وانقسم الأدباء بين الرافض والمشكك والراضي عما جاء في الكتاب لتنقلب العداوات إلى مواقف شخصية.


أيضا نذكر كم من الكتابات التي هاجمت أهم شاعر عربي في العصر الحديث (نزار قباني) فمنهم من وصفه بـ (شاعر الفساتين) بعد قصيدته (أيظن) وكتب عنه (جهاد فاضل) كتابا كاملا تحت عنوان (فتافيت شاعر) ورسالة الدكتوراه للباحث (خريستو نجم) التي تحمل عنوان (النرجسية في أدب نزار قباني) وحتى الآن مازال الشلليون في الساحة الأدبية منقسمين بين مؤيد ومعارض لشاعر غيبه الموت منذ أكثر من عشرين عاما.

Image
نزار قباني.

من جنوب سوريا كتب روائي مرموق رواية شهيرة ومهمة، صدرت عام 1998 عن وزارة الثقافة السورية، هذه الرواية مدحها الروائي المصري الشهير (جمال الغيطاني) في جريدة (أخبار الأدب) وقال عنها أنها قاربت رواية (الدون الهادئ) لـ (شلوخوف)، إلا أن أحد زملاءه من الأدباء وابن مدينته، والآن يصطف معه في الخندق السياسي، هيّج ضده حملة شعواء، وأرسل إلى وزارة الثقافة يطلب منها سحب الرواية بحجة أنها خادشة للحياء وتتطاول على الأعراف والعادات والقيم لمحافظته، وعلى الفور تنامت هذه الحملة وبدأت التجييشات ضد الكاتب والرواية وما زالت آثارها عالقة في الأذهان حتى الآن.


يبدو أن لكل وسط شلليته وعداواته، لكن أغربها في الوسط الأدبي حيث يفترض أن تتنحى الشخصنة ويبقى القول للمعيار الأدبي القيمي بعيدا عن الاصطفافات الشللية وحتى عن التوجهات السياسية، لكن القرائح الفياضة المكنوزة بالاتهامات الناهلة من قاموس النقد بمساحته العريضة، تجد الفرصة لاستعراض مصفوفاتها اللغوية في إسباغ صفة النقد الأدبي على طريقة الهجوم على الأديب أو نصه، تؤازرها رفقة شللية تؤيد هذا الهجوم، وعلى المتهم إما أن ينضوي تحت شللية أخرى تتولى الدفاع عنه، أو يقاتل وحيدا، أو يترفع عن الرد.

 

التعليقات

الشللية وعداوة الكار مسألة تنطلق من المصالح والغيرة التي تصل للحسد ، وأحيانا تعزى للأقفاص الإيديولوجية والدينية ، ولأسباب موضوعية أحيانا ، ومنها التطور الذي يطرأ على النظرية الأدبية .

منذ أكثر من قرن ، وتعريف الذكاء والعبقرية يخضع لتفسيرات واسعة ، ومن أطروحات الأطباء علاقة وزن الدماغ بالذكاء ، وتوصلوا إلى نفي أي علاقة بين الإثنين ، وكان بعض الذي قالوه أن وزن دماغ أناتول فرانس حوالي 950 غراماً ، وهو عبقري من العباقرة الكبار . وكان وزن دماغ بسمارك 2200 غراما ، ولم يسعفه ذلك الوزن الراجح بتصرفات ذكية !!
لا يجرؤ مؤرخ للأدب الفرنسي تجاوز المحطة التي أسس فيها أناتول فرانس مداخل للرواية الفرنسية والعالمية .
د. نزار العاني .
وهذا أمر مؤكد دون حاجة للتحقق .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...