الصين تحذر: أمريكا تقود المنطقة إلى التهلكة

27-03-2022

الصين تحذر: أمريكا تقود المنطقة إلى التهلكة

عندما شنَّت القوات المسلحة الروسية هجومها على أوكرانيا، فبراير/شباط 2022، بدا أن الصين تدعم روسيا، لا سيما بعد اتهامها الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو بأنهم من استجلبوا هذا الصراع، بسعيهم إلى توسيع نفوذ تكتلهم الأمني شرقاً. وكلما اشتدت الضغوط على بكين لإدانة الغزو الروسي ردَّت على ذلك بإكثار الحديث عن النفوذ الأمريكي، وتوسُّع الولايات المتحدة والناتو في آسيا، فما الذي تقصده الصين حقاً بالحديث عن توسع الناتو باتجاه الشرق؟

يقول تقرير شبكة CNN الأمريكية، إن وسائل إعلام وثيقة الصلة بالحزب الشيوعي ومسؤولين كباراً في وزارة الخارجية الصينية وجهوا مؤخراً اتهامات للولايات المتحدة بأنها تسعى إلى بناء كتلة شبيهة بحلف شمال الأطلسي في منطقة التقاء المحيطين الهندي والهادئ، وبلغ الأمر أن حذَّر مسؤولٌ صيني من “عواقب لا يُمكن تصوُّرها” إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك.


وقال لي يوتشنغ، نائب وزير الخارجية الصيني في مؤتمر عقده في بكين، يوم السبت 19 مارس/آذار، إن الأزمة الأوكرانية يُمكن استخدامها كـ”مرآةٍ” لعرض الوضع الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ومع أن يوتشنغ لم يذكر اسم الولايات المتحدة، فإنه أشار صراحةً إلى “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ”، وهي خطة كشفت عنها إدارة بايدن الشهر الماضي، وغرضها تعزيز دور أمريكا في المنطقة، وتتضمن عدة تدابير، منها على سبيل المثال “دعم الديمقراطية وتعزيز تحالفات الولايات المتحدة وشراكاتها مع دول المنطقة، ومنها تايوان”.

ونقلت نسخة من الخطاب نشرتها وزارة الخارجية الصينية، عن لي يوتشنغ قوله في المؤتمر: إن بناء “دوائر أو مجموعات صغيرة مغلقة وحصرية في المنطقة أمرٌ خطير، يشابه استراتيجية الناتو للتوسع شرقاً في أوروبا”.

وقال: “إذا سُمح لذلك التوسع بالاستمرار دون رادع، فسيكون له عواقب لا يمكن تصورها، وسيسوق منطقة آسيا والمحيط الهادئ في نهاية المطاف إلى السقوط في الهاوية”.
الصين تنتهز أزمة أوكرانيا لتحذير أمريكا من التوسع في آسيا


تأتي انتقادات الصين لحلف شمال الأطلسي في أعقاب محاولتها تصوير نفسها جهةً فاعلة محايدة في الأزمة الأوكرانية، ورفضها استنكار الحرب الروسية، وإن شددت في الوقت نفسه على مساعداتها الإنسانية لأوكرانيا، وإنكارها تقديم دعم عسكري لموسكو.

وحاول الزعيم الروسي فلاديمير بوتين مراراً التحذير من توسع الناتو على حساب بلاده، واستخدم ذلك لتسويغ غزوه لأوكرانيا. ويقول الخبراء الغربيون الآن إن “الصين تسعى إلى استخدام الأزمة الحالية في أوكرانيا لغرضين، أولهما: تضخيم تصويرها للولايات المتحدة، محرِّضاً على الصراع في أوروبا وآسيا، وثانيهما: التحذير من العواقب إذا تحالفت الولايات المتحدة ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ على معاداة الصين”.

وتزعم الولايات المتحدة أن تركيزها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ جاء في وقتٍ جنحت فيه الصين إلى “سياسة خارجية عدوانية، وزادت أطماعها الإقليمية، وعمدت إلى خطوات متشددة في تعاملها مع أي تهديد متصور لها”، كما تقول CNN.

في السنوات الأخيرة، تنصَّلت الصين من حكم محكمةٍ تابعة للأمم المتحدة، يقضي برفض مطالبها بالهيمنة على مساحات شاسعة من بحر الصين الجنوبي، واستمرت الصين في زيادة حضورها العسكري هناك، والضغط على أطراف النزاع الآخرين. واشتد وعيد الصين لتايوان، حتى بلغت انتهاكات الطائرات المقاتلة الصينية لمنطقة الدفاع الجوي للجزيرة عدداً غير مسبوق في الأشهر الأخيرة.

يقول لي مينغجيانغ، أستاذ العلاقات الدولية في معهد “إس راجاراتنام لدراسات الشؤون الدولية” (RSIS)، التابع لجامعة نانيانغ في سنغافورة، “لا عجب أن تستغل الصين أزمة أوكرانيا للنيل من استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأمريكية”، فقد اشتدت مخاوف الصين بعد تفعيل “منتدى الأمن الرباعي” (كواد) بين الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة، واتفاقية “أوكوس” AUKUS الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى برهنة الولايات المتحدة على تمسكها بدورها طويل الأمد في التدخل الأمني بالمنطقة، وهو ما دلَّت عليه استراتيجية بايدن لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

يرى مينغجيانغ أن “نية الصين واضحة، وهي أن تبعث برسالة إلى الولايات المتحدة ودول المنطقة بأن استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ والتحالفات الأمنية الأمريكية يمكن أن تولد أزمات أمنية مماثلة لتلك التي نشهدها في الوقت الحالي بين أوروبا وروسيا”.


وتأتي هذه الرسالة أيضاً قبل قمة الناتو “غير العادية” يوم الخميس 24 مارس/آذار، التي اجتمع فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن بزعماء الحلف في بروكسل لمناقشة الوضع في أوكرانيا، والتدليل على تضامن الكتلة الغربية معها في أزمتها.

في مؤتمر صحفي عُقد في جاكرتا، يوم الإثنين 21 مارس/آذار، ردَّد سفير الصين في “رابطة دول جنوب شرق آسيا” (آسيان)، التحذيرات نفسها التي قالها نائب وزير الخارجية الصيني بشأن مخاطر الحضور الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ونقلت صحيفة The Paper الصينية، التي تديرها الدولة عن السفير دينغ شيجون اتهامه الولايات المتحدة بـ”إقرار مجموعة من القواعد الشبيهة بـ(قوانين العصابات)، مع أنها تدعي الحفاظ على النظام الدولي، والواقع أنها تسوق المنطقة إلى (درب التهلكة)”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الصين إلى إقرار أوجه تشابه بين استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واستراتيجية حلف شمال الأطلسي (الناتو) في السنوات الأخيرة. كما أن “انعدام الثقة بالولايات المتحدة” يأتي في صميم الأسباب التي تقرِّب روسيا والصين من بعضهما بعضاً.
الصين وروسيا “حليفان” أمام توسع الناتو شرقاً

أعربت كل من الصين وروسيا عن هذا الموقف في بيان مشترك مؤلف من 5 آلاف كلمة، أصدراه قبل أسابيع من غزو أوكرانيا، وعارضا فيه “توسع حلف الناتو”، وتعهدا بـ”البقاء منتبهين إلى التداعيات السيئة لاستراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

في المقابل، يقول خبراء غربيون لـ”سي إن إن”، إن الناتو تحالف أمني يتباين تبايناً شديداً عن استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي لا تعتني بالشأن الأمني فحسب، بل تضم في طياتها مجموعة من السياسات.

لكن الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة، فقد زادت دول أخرى من حضورها في المنطقة، سعياً إلى مواجهة نفوذ الصين. يشمل ذلك بريطانيا التي أرسلت أكبر حشد لقواتها البحرية والجوية لإجراء مناورات مشتركة في بحر الفلبين، وألمانيا التي أرسلت سفينةً حربية إلى بحر الصين الجنوبي للمرة الأولى منذ نحو عقدين. كما أعلنت فرنسا العام الماضي عن خطة لتعزيز تعاونها البحري مع دول جنوب المحيط الهادئ. في المقابل عارضت الصين هذه التدابير معارضة شديدة، واستنكرت ما وصفته بمساعي تطويقها.


لكن على الجهة الأخرى، يقول درو طومسون، كبير الباحثين في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، إن الموقف الصيني يتغافل عن أن التحالفات الأمنية الأمريكية في المنطقة جاءت رداً على تسارع التحديث العسكري للصين. وأضاف طومسون أن الولايات المتحدة “اشتد سعيها إلى تحالفات أمنية أعمق أثراً وأوثق صلةً بسبب التحديث (العسكري الصيني)”، و”افتقار بكين إلى الانفتاح والصراحة” في مقاصدها حيال جيرانها، حسب تعبيره.

مع ذلك، فإن الصين لديها دافع آخر يستحثها على استدعاء المخاوف من توسع الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وسط الأزمة الأوكرانية؛ هذا الدافع هو مسألة النزاع بشأن تايوان.

كانت مخاوف الصين من مسألة تايوان جليةً خلال اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، يوم 18 مارس/آذار 2022، وقد أبان اللقاء عن انشغال محوري لدى الزعيم الصيني بهذه المسألة.

وأورد تفريغ وزارة الخارجية الأمريكية لنص الاجتماع، أن شي قال لبايدن: “بعض الناس في الولايات المتحدة بعثوا بإشارات خاطئة للقوى (الساعية إلى استقلال تايوان)، وهذا أمر شديد الخطورة. وما أقوله هنا أن سوء التعامل مع قضية تايوان سيكون له تأثير مدمر على العلاقات الثنائية”.

ويرى مينغجيانغ، من معهد “إس راجاراتنام لدراسات الشؤون الدولية”، أن الأمر يرتبط أيضاً بمخاوف الصين في العموم من حضور القوى الغربية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، “إذا اشتعل نزاع بشأن تايوان، فإن أسوأ مسار (قد تواجهه الصين) ليس أن يستدعي ذلك محاربة تايوان، ومن ورائها الولايات المتحدة، فحسب، بل أن يستدعي الأمر مواجهة بعض حلفاء الولايات المتحدة أيضاً”.
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...