قصة الحجاب ومذاهب الشيوخ فيها
د.سامح عسكر:
بعد موت الرسول عليه السلام لم تكن ظاهرة "تفسير القرآن" ظهرت بعد، وتركت معاني القرآن لأفهام الصحابة وآل البيت شفويا حتى جاء عصر الإمام الطبري في القرن 3 هـ فظهر بأول تفسير للقرآن على الإطلاق..
نسبت تفاسير كثيرة لأئمة قبل الطبري لكن لم تدون ، فَفُهِمَ على أنها كانت أقوال وتدبرات لهؤلاء الأئمة حول آي القرآن، وبوصفهم أئمة فقهاء كان عليهم تفسير القرآن للناس فنُقل عنهم ذلك التفسير منه ما وصلنا ومنه ما لم يصل..فليس كل ما قاله أئمة السلف وصلنا وليس كل من وصلنا عنهم صحيح، وثبت أن الأئمة الأربعة لم يكتبوا بأيديهم كتبا معروفة بل كل ما نسب إليهم من كتب إما هو منحول على طريق التزوير أو منقول على طريق العزو الذي يصعب التأكد من صحته..
المهم: عندما خاض الفقهاء قديما في مفهوم (العورة) انشقوا لمذاهب
فكلمة العورة لها معنيين
الأول في اللغة : يقول الطاهر بن عاشور "العورة في الأصل : الخلل والنقص . وفيه قيل لمن فقدت عينه أعور وعورت عينه ، ومنه عورة الحيّ وهي الجهة غير الحصينة منه بحيث يمكن الدخول منها كالثغر" (التحرير والتنوير 18/ 294) أما الثاني في الفقه: يقول بن عاشور أيضا " ثم أطلقت على ما يكره انكشافه.. وكما سمي ما لا يحب الإنسان كشفه من جسده عورة" (نفس المصدر)
أما القرآن فذكرها ثلاث مرات:
الأولى: "وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا" [الأحزاب : 13] والعورة هنا بالمعنى اللغوي الأول المقصود بها الجهة غير الحصينة والمكشوفة للعدوّ..
الثانية: " الذين لم يظهروا على عورات النساء " [النور : 31] وسياق الآية عن أقارب المرأة المسموح لها بإبداء الزينة أمامهم، ومن تلك الآية وصل الفقهاء لمفهوم "عورة المرأة" الفقهي أي المكان والجسد والأعضاء الممنوع كشفها لغير الأقارب
الثالثة: "يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم " [النور : 58] والمعنى أنه يجب على العبيد والصغار أن تعلموهم الاستئذان في الدخول عليكم في تلك المواقيت التي تنامون فيها ، وبالتالي مفهوم العورة هنا (كلي) ينطبق على البيت ككل أو الحجرة التي هي عورة ذلك الشخص الممنوع كشفها..
أما مذاهب تفسير العورة فقد اتفق الفقهاء على وجوب تغطية العورة لدى الرجال والنساء، لأن القرآن واضح هنا خصوصا في الآية الثانية سورة النور، لكن عندما فسروا كلمة "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" انشقوا حول (تفسير الزينة الظاهرة) ومن هذا الانشقاق ظهر مفهوم (ستر العورة) الذي قصده د سعد الهلالي، فهو كما قال عندما خاض الفقهاء في هذا المفهوم انشقوا في الاجتهاد فيه، لكن لم يقل أحدا فيهم أن (الحجاب فرض) هذا مصطلح حديث جدا في القرن 20 والذي أطلقه الإسلام السياسي، فلم يخض فقهاء المسلمين أبدا في هذا المفهوم بل في ستر العورة، والمذاهب التي انشقوا إليها:
1- الحنفية والمالكية قالوا أن الزينة الظاهرة هي "الوجه والكفين"
2- الشافعية والحنابلة قالوا أن الزينة الظاهرة هي "بدن المرأة كله"
3- بعض الأقوال عن الشافعي أن الزينة الظاهرة هي الوجه والكفين
4- روايات عن أبي حنيفة أن القدمين ليستا من العورة بل هي من الزينة الظاهرة
5- روايات عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة أن ذراعيّ المرأة من الزينة الظاهرة
وكما ترى أن مفهوم الحجاب فرض لم يقل به الفقهاء فعلا، لكن اختلفوا حول مفهوم "ستر العورة" الذي هو مشتق من مفهوم قرآني آخر هو " الزينة الظاهرة " وتخيل أن أحد الفقهاء أجاز كشف ذراعيّ المرأة وقال أنها ليست عورة، وبالطبع لو قيل هذا الكلام على الناس لاندهشوا أن أحد أكبر أئمة المسلمين وهو الإمام "أبو يوسف يعقوب الأنصاري" تلميذ أبي حنيفة والمتوفي عام 182 هـ كان يقول بجواز كشف الذراعين..
أي أن مدار خلافات الفقهاء حول العورة النسائية مردها إلى (عادات الناس) في تفسير الزينة الظاهرة، فقالوا أن الله أجاز كشف الزينة الظاهرة لعدم التكلف ولتحقيق المصلحة العامة وعدم إيذاء المجتمع خصوصا النساء، فمن قال أن جسم المرأة كله عورة – مثلما قال الحنابلة – منعوا بالتالي كشف الوجه والكفين وهذا سوف يؤذي النساء بعدم رؤية الطريق بشكل صحيح وبالتالي سوف يجبرهم أكثر على المكوث في المنزل وعدم الخروج لأي حاجة، وهذا مذهب السلفيين الآن ، فالنقاب لديهم مرتبط بعدم الاختلاط وعدم الخروج من المنزل أساسا، والمرأة المنقبة تعاني في الشارع فلا ترى بعض جوانب الطريق أو خلفها وطرق الرؤية لديها محدودة..ما بالك لو اضطرت إلى شراء شئ أو أكل في معظم مثلا فسوف تتعرض لمواقف محرجة نعلمها جميعا..وبالتالي وصلنا لماذا أجاز الله إبداء الزينة الظاهرة لتعلقها بمناط المصلحة..
إذن مفهوم "الزينة الظاهرة" هو الذي أحدث الخلاف، ومن قال بجواز كشف الشعر قال ذلك بناء على أن شعر الرجال والنساء هو من الزينة الظاهرة التي يجوز كشفها لضرورة إما لأعراف المجتمع التي ترى ذلك أو لعدم الإصابة بأمراض ، وبالتالي صار التشدد في وجوب تغطية الشعر هو عمل غير فقهي لأن أولا: القرآن لم يحدد ماهي الزينة الظاهرة وتركها عرضة للاجتهاد، ثانيا: لأن مفهوم العورة في القرآن لم يتطرق من قريب أو من بعيد أنه يخص شعر النساء، وبرغم وضوح هذه القصة لكن بعض الفقهاء يخرجون بين الحين والآخر لتكفير وتضليل وتفسيق من يعترض على قولهم بفرضية غطاء الشعر واعتباره مثل الصلاة..
وعندما نقول لهم : أن الله تعالى قال " ما فرطنا في الكتاب من شئ" أي ما فرطنا في وضع الأسس والثوابت الدينية والفروض الأساسية، فمن أين أتيتم بكلمة "الحجاب فرض" وقد خلا منها القرآن؟...بل ذكر الحجاب في القرآن 7 مرات لم يذكره بمعنى تغطية الشعر أبدا، لكن القوم يصرحون دائما أن القرآن الكريم لديهم ثانوي وأن الأولوية لأئمتهم وزعمائهم وأن ثلاثة أرباع الدين في الروايات أما كتاب الله فقط له الرُبع، أو كما قال فضيلة الشيخ "إذا تعارض القرآن والحديث فالحديث أولى"..!!..ولا حول ولا قوة إلا بالله...
إضافة تعليق جديد