الافراط والتفريط في المشاهدة الفضائية على ايقاع الروموت
على قصر تجربة المشاهدة الفضائية لدى جمهورنا العربي عموماً,فإن أبرز سمات هذه التجربة أنها ما زالت ارتجالية عشوائية, غير منتظمة ولا منظمة,وبالتالي فإنها,كما المشاهد العربي نفسه,تنوس بين حدين,هما: الافراط,أو التفريط .
فإذا كان الافراط: يعني أن يمكث المشاهد العربي أمام شاشة الفضائيات ساعات طوال,متنقلاً بين محطة وأخرى,على غير هدى,باحثاً عما يريده أو يناسبه من برامج أو أعمال فيمر خلال هذا المكوث الطويل على عدد مما لايريده ولا يناسبه وتكون النتيجة أن يضيع الكثير من الوقت, دون جدوى وهو المفروض أنه كالسيف.
فإن التفريط: يعني أن لا يستطيع المشاهد أن يكون في الوقت المناسب,والموعد المحدد,للمتابعة اللازمة,المفيدة والمجدية,فائدة وامتاعاً ويبدو المشاهد العربي,حينها, وكأنه مستسلم لعلم غيب الفضائيات,لايعرف ماذا سيأتيه, وماذا سيعرض عليه في هذه اللحظة,أوالتي تليها,ولا على هذه القناة,أو تلك.
لا يزال مشاهدنا العربي تائهاً بين هذين الحدين:(الافراط والتفريط) تارة يلوم نفسه بعد أن يجد أنه كان مفرطاً هدر أوقاته فيما لا يجدي نفعاً,كما أنه تارة أخرى,يصفق كفاً بكف حسرة,لدى اكتشافه التفريط الذي أدى به الى اهداره فرصة مشاهدة البرنامج أو العمل الذي يريد أو يعتقد أنه يحتاجه.
وإذا يبدو للبعض أنه لا مناص من ذلك,توهماً أنه من طبيعة المتابعة الفضائىة,فإن من الواجب تبيان أن هذا ليس صحيحاً,وبالتالي ليست الارتجالية أو العشوائية من سمات المتابعة والمشاهدة الفضائية!
وأن الكثير من دول العالم المتحضر وجدت سبلاً عملية لتنظيم عملية المشاهدة لدى جمهورها وتأسيس ما يمكن أن نسميه ثقافة المشاهدة الفضائية تلك التي تجعل من المرء قادراً على تحديد ما يريد مشاهدته,بالشهر واليوم والساعة المحددة,فيقوم بتسجيله إن كان خارج المنزل,ومشاهدته مباشرة إن كان متوفراً في البيت.
الآن أذكر ومنذ أعوام عديدة تعود الى العام 2001 عندما أخبرني الصديق المخرج قيس الزبيدي بموعد بث فيلم كنت مهتماً جداً لرؤيته, يومها كنا نبحر في شهر كانون الثاني من عام 2001 فقال لي إن الفيلم سيبث على قناة ART عند الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق,من يوم 31 آذار للعام .2001
وكان علي الانتظار قرابة الشهرين والنصف لأكون على موعد مع الفيلم الذي تعبت في البحث عنه وكان من الممكن اهدار تلك الفرصة والتفريط بها لولا التنظيم والدراية.
هل يمكن لنا الحديث عن ثقافة المشاهدة الفضائية تلك التي تجعل مشاهدنا العربي يعرف ما الذي يريد مشاهدته ومتى,وعلى أي شاشة? وينجو من الاعتباط والعشوائية والارتجال والوقوع صدفة على مشاهدة فيلم أو لقاء أو حوار أو برنامج.?
قد يبدو هذا السؤال نافلاً,أو رفاهية بمعنى أو بآخر لدى البعض ولكننا جميعاً نتفق على أن الفضائيات أضحت جزءاً من حياتنا,جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه ليس على مستوى السياسة,وما يتعلق بها من سماع آخر الأخبار والتحليلات بل المستويات الأخرى كافة.
من تناول الموضوعات والأحداث السياسية الاستراتيجية,الى الموضوعات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية,الى القضايا والموضوعات الثقافية الفنية,وحتى التوجهات الفكرية والتربوية. دون أن ننكر الرياضة,وحصص الترفيه,بما فيها المسابقات والطرائف والتسالي....
لم تعد الفضائيات ترفاً ولهواً وإن كان فيها شيء من ذلك,وهو أمر غير منكر أبداً,بل أضحت فوق هذا ورغماً عنه قناة اتصال جماهيرية واسعة,تصب في الثقافة والمعرفة والتربية,وتقوم بمهمة تشكيل الرأي العام,أو التأثير به وتنمية الذائقة البصرية في عصر سمته الأساسية ثقافة الصورة. من هنا تبدو تجربة اصدار مجلة عربية متخصصة بعنوان دليل التلفزيون العربي على غاية من الأهمية والضرورة خاصة وأنها تتولى في بداياتها الراهنة واعدادها الأولى,وضع الدليل والجدول الزمني لما تعرضه ثلاثون قناة فضائىة عربية خلال اسبوعين متاليين لاصدار كل عدد, أهمية تجربة دليل التلفزيون العربي إنها تحاول تأسيس (ثقافة المشاهدة الفضائية) وتنميتها لدى المتابع العربي بحيث يبدأ بتنظيم وقته,وترتيب مواعيده,ومعرفة ما الذي يريد أو يحتاج لمشاهدته,خلال اسبوعين قادمين كما أنها في الوقت نفسه تجربة مثيرة تضع سؤالاً محرجاً أمام دوائر التنسيق في الفضائيات العربية,خاصة تلك التي لم تصل بعد الى المرحلة التي تنظم برامجها,أو تلك التي لا تعرف ما الذي ستبثه لمشاهدها لأسبوعين قادمين,على الأقل.
نعتقد أنه من هنا يمكننا الانطلاق لتأسيس (ثقافة مشاهدة فضائية) لدى مشاهد عربي ما زال تائهاً, على ايقاع جهاز التحكم (الروموت كونترول )ولدى قنوات فضائية عربية ما زالت لا تعرف صباحاً ماذا ستبث مساء.
بشار ابراهيم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد