الجنس والشذوذ والسياسة
الجمل - بشار بشير:
يطلق مصطلح الشذوذ الجنسي على مجموعة واسعة ومتنوعة من الممارسات والعلاقات الجنسية المختلفة عن الممارسة الجنسية الأساسية الطبيعة بين المخلوقات وهي الجماع الطبيعي بين أنثى وذكر.
ترافق الشذوذ الجنسي مع وجود المخلوقات الحية على الكوكب , وأثبتت الأبحاث أنه يوجد شذوذ جنسي بنسب مختلفة لدى مختلف الأحياء بدءً من الديدان وانتهاءً بالرئيسيات بما فيها طبعاً الإنسان , ويبدوا أن هناك فقط نوعين من الأحياء لا يوجد عندهما شذوذ وهما قنفذ البحر و المَن وهذا على الأغلب لأن تكاثرهما بالأصل غير جنسي .ويُعزى الشذوذ الجنسي لدى مختلف المخلوقات لأسباب متنوعة عضوية أونفسية أو إجتماعية أو حتى مجرد مزاجية.
بالنسية للبشر هناك مجموعة واسعة من الممارسات والعلاقات الجنسية التي يمكن أن تُصنف بالشاذة أو غير الطبيعية والتركيز هنا سيكون على نوعين فقط هما اللواطة (gay) والسحاق (lesbian) وسأدعوهما معاً إختصاراً بالشذوذ الجنسي.
الشذوذ الجنسي لدى البشر (كما بقية الأحياء) قديم قِدم وجودهم وتتفاوت نسب الشذوذ في المجتمعات البشرية المختلفة ولكن لا يخلوا مجتمع منها . وقد تعاملت المجتمعات البشرية مع الشذوذ بطرق تختلف بإختلاف الزمان والمكان وتراوح هذا التعامل ما بين التحريم المطلق وتجريم الشواذ وإيقاع أقصى العقوبات بهم إلى إغماض العين عنهم وتجاهلهم إلى قبولهم .
مثلاً في روما قديماً كانت تُقبل العلاقات الجنسية بين الرجال الأحرار من جهة والعبيد والمجالدين ( المصارعين) من جهة أخرة كتعبير عن هيمنة الرجل الحر ولم تكن هذه العلاقة مقبولة إجتماعياً فيما بين الرجال أحرار وكانت تنتقص من قيمة الرجل الذي يلعب الدور السلبي دون أن تُطبق أي عقوبات قانونية على أطراف العلاقات الشاذة .
الإسلام دعى الشذوذ الجنسي بالفاحشة سواء كانت بين أنثيين أو بين ذكرين ووضع شروطاً لإثبات حصولها بين النساء وحدد عقوبتهن بالسجن شبه المؤبد في البيوت "والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفَهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً " سورة النساء 15. لا يوجد تفسير مقنع لقصده تعالى في قوله : أو يجعل الله لهن سبيلاً .
أما بين الرجال فلاحاجة لشهود اثبات و العقوبة أخف من عقوبة الإناث حسب منطوق الآية 16 من سورة النساء "والذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً".
الكنائس المسيحية تعتبر الشذوذ خطيئة وتُجرِّمه بشدة ( هناك بعض المذاهب المسيحية التي تعتبر الممارسة الجنسية الطبيعية لغرض غير الإنجاب غير مستحبة أو خطيئة فما بالك بالشذوذ).وإن قد ظهرت بعض الآراء المسيحية الحديثة التي تدعي الليبرالية وتتقبل الشذوذ وهي قليلة .
في أوروبا وبعد إنتشار المسيحية كان الشواذ يُحرقون أو يُشنقون أو يُغرقون ومع تقدم الزمان أصبح يُكتفى بجلدهم أو تعذيبهم والتشهير بهم ثم أصبحت عقوبتهم السجن ثم مجرد غرامة حتى وصلنا للزمن الحالي الذي تكاد تَفرض فيه المجتمعات الغربية الشذوذ وتُجبر العالم عليه .
ما الذي حصل حتى أصبح الشذوذ الجنسي محط اهتمام وقبول ودعم وتشجيع النخب الحاكمة والسياسيين في المجتمعات الغربية وأصبح نشر الشذوذ و التشجيع على قبوله و دعم الشاذين ومعاقبة منتقديهم سياسات وممارسات أساسية ومعلنة حتى وصل الحال إلى تعميم مناهج دراسية للأطفال في المراحل الابتدائية تشرح الشذوذ وكيفية ممارسته وتكاد تُشجع عليه, ولابد هنا من القول أن أطياف واسعة من المجتمعات الغربية لازالت تنفر وتناهض و تنتقد ولا تقبل وتعارض سياسات دعم الشذوذ الجنسي .
يحتاج العالم الغربي دائماً إلى عدو إيديولوجي يبرر أي ممارسات عُنفية يقوم بها وهذا العدو كان الهمج والكفار والمهرطقون في الأزمنة القديمة ثم أصبح الشيوعية ثم أصبح التطرف الإسلامي ... هل تجمعات الشاذين جنسياً هم العدو الإيديولوجي الذي يخلقه العالم الغربي حالياً مع بدء اضمحلال آخر عدو خلقوه هم وهو التطرف الإسلامي؟
هل هو مسعى لتوسيع كتلة الشواذ مما يعني بوضوح توسيع الشرخ الاجتماعي العمودي في المجتمعات الغربية حول هذه النقطة بالذات وهو ما تريده النخب الحاكمة لإلهاء مجتمعاتها عن حالة الإنحدار الاقتصادي والحضاري الذي تعيشه الدول الغربية؟
هل هي مؤامرة تهدف لإضعاف المجتمعات الغربية لتسهيل السيطرة عليها كما حصل عندما سيطرت الصهيونية والحركة السياسية اليهودية على أوروبا بواسطة اغراقها بالديون بعد اضعافها اقتصادياً بسبب خوضها سلسلة من الحروب الكبرى "العبثية" وربما المبرمجة مؤامراتياً عبر الجهات المُقرِضة.
أم هل سيُستخدم الشذوذ مكان الديموقراطية بعد أن أنحرقت ورقتها , فعلى مدى أكثر من قرن كان العالم الغربي يتشاوف على بقية الدول بموضوع الديموقراطية بإعتبار أن المجتمعات التي تستطيع ممارسة الديموقراطية هي المجتمعات الأرقى فكرياً والأكثر تقدم حضارياً, لكن تبين أن الديموقراطية الغربية هي ديكور كرتوني وظيفته دعم التعالي الغربي وأنها ,أي الديموقراطية, وصفة غير ممكنة وغير صالحة لأكثر المجتمعات لا بسبب الحكام الديكتاتوريين ولا بسبب الأنظمة الفاسدة أو الظالمة ولا بسبب تخلف المجتمعات وإنما لأسباب بنيوية في كثير من المجتمعات تُصبح معها الديموقراطية وصفة للفوضى والإنقسام وحتى للتفتت الاجتماعي , وهكذا لم تعد الديموقراطية جنة الغرب المتقدم التي يباهي ويتعالى بها. وأصبح البديل تسويق الشذوذ بإعتباره إرتقاء حضاري وفكري وصلت له المجتمعات الغربية سيُعيد لهم تشاوفهم وتمايزهم وفوقيتهم على بقية المجتمعات وهم مطمئنون أن أغلب المجتمعات لا تستطيع ( بنيوياً ودينياً وسياسياً) تمثل نموذجهم بالشذوذ مثلما لم تستطع تمثل نموذجهم بالديموقراطية .
الرئيس الروسي بوتن قالها بالفم الملآن: أساس المجتمع في روسيا هو العائلة, والعائلة كانت وستبقى مؤلفة من أب ذكر وأم أنثى وأولاد. بينما أعلن رئيس زيمبابوي موغابي (متهكماً) أنه سيسجن كل أثنين أو أثنتين من الشواذ مع بعضهما وسيطلق سراحهما حال حبل أحدهما أو إحداهما.
الشذوذ حالة إنسانية اجتماعية كانت ولازالت وستبقى موجودة وكما أنه من غير المقبول حرق وشنق الشواذ كذلك من غير المقبول تشجيعهم وتأيدهم ومحاولة قولبة المجتمع على شكلهم , في أغلب الأوقات تعاملت البشرية مع مشكلة الشذوذ بالإكتفاء بكنسها تحت السجادة وهذا كان إلى حد كبير كافياً.
إنسانياً لابد من استنكار السياسة الغربية الرامية لدعم ونشر الشذوذ سواء في مجتمعاتها أو في المجتمعات الأخرى, لكن سياسياً يجب تشجيع هذا المنحى الغربي فهو سيقسم مجتمعاتهم ويسبب الفوضى و التناحر والمزيد من المشاكل والإنحدار للمجتمعات الغربية وهذا ما يستحقوه .
هذا ما تفعله المجتمعات التي في طريق الأفول تظن أن تفوقها الحضاري والفكري يمكن أن يستمر عبر إعتناقها الغريب والسخيف من الأفكار و أوروبا اليوم تقلد كاليغولا الذي قرر لإظهار تمايز وفوقية روما عما حولها من الهمج الجرمان والغال وغيرهم إنشاء ماخور ضخم تعمل به زوجات أعضاء مجلس الشيوخ , لا أدري هل كان هذا قبل تعيين حصانه قنصلاً في المجلس المذكور أم بعد , لكن المؤكد أن مافعله كان إشارة هامة لبدء أفول الإمبراطورية الرومانية الغربية.
لا يوجد حتى الآن سبب محدد أو واضح أو مقنع لما تفعله المجتمعات الغربية بموضوع الشذوذو لكن يوجد نتيجة واضحة وهو أن هذه المجتمعات قد استنفذت وقتها وبدأت مرحلة السقوط.
إضافة تعليق جديد