أكاذيب التاريخ : غزو الرومان ولُغز الهيكل الثاني

13-07-2023

أكاذيب التاريخ : غزو الرومان ولُغز الهيكل الثاني

Image
الرومان ويهود اليمن

      
 الجمل - *منير الحافظ:  

"الرومان ويهود اليمن/ لُغز الهيكل الثاني " رواية مثيرة  للكاتب الموسوعي الأستاذ "فاضل الربيعي"*، تقلب الطاولة بهدوء ومعرفة . والذي يبيّن فيها حقيقة إسرائيل المُتخيلة، مساهمة في تصحيح التاريخ الرسمي لمملكة إسرائيل القديمة. الكتاب صادر عن دار الريس للكتب والنشر. المجلد الأول / الكتاب الرابع/ منه لعام /2020م/، ويقع بحدود /397 / صفحة من القطع الكبير.  
.                                     
يؤكد "الربيعي" أنه بالقطع. أن من دمر "الهيكل الثاني" إبان الغزو الروماني، ليس بذاتهم الرومان، وإنما بسبب الغزوات القبلية اليهودية، وبيّنت وثيقة "نقش" تاريخي للقائد "شلمنصر الثالث (858 ــ 823 ق.م)، أن عدداً من القبائل تعيش معاً على امتداد هذه الرقعة من (إسرائيليين، وجندبوس،  وكنعانيين، وأوسانيين، وعمونيين..)، قبل الغزو الروماني سنة/800 ق.م / وأن الصراع كان مسرحه اليمن، وليس فلسطين.

يُعتبر الغزو الروماني لليمن من أكبر ألغاز التاريخ القديم تساؤلاً وشكاً وحيرةً. كما وأنه لم يحصل البتة أية مقاومة يهودية ضد الرومان في أورشليم فلسطين، ولا تدمير هيكل في أورشليم، ولا أية هزيمة للرومان على يد اليهود هناك. ولكن هناك ذكر تاريخي يوثق شخصية "بطليموس" الروماني، في سُفر "المكابيين" ، والذي طغى على الثقافة اليمنية في تلك الحِقبة، وذلك بسبب تأثير المُدونات "الأسفار"، وتمجيد الحاكم في /285 ق.م/. ذلك لأسباب اقتصادية "تجارية"، ووضع اليد على الثروات اليمنية (التوابل، الفضة، الذهب) فضلاً عن سيطرتهم على الخليخ المقابل لبلاد الفرس، ومضيق "هرمز ". بيد أنه انهزام القائد الروماني "إيغالوس" وفشل في الوصول إلى مضيق هرمس.

إذ حاول الرومان إقناع قبائل المناطق التي غزوها بالارتداد عن عقيدتهم الإيمانية اليهودية ومنهم مرقس" والذي يُعتبر أحد كهنة حمير اليهودية المُرتدة، وقد تأثر بالمسيحية الرومانية، وأُطلق عليه "مرقص" ، وليس هناك ما يُثبت أن ذالكم الشاعر الكاهن عاش في أورشليم / فلسطين. وتصفُ أسفار "المكابيين" أو "المقابيين" أن تفكيك البِنية القبلية اليمنية التي كانت تُدين بالعقيدة اليهودية، هي التي أدت إلى الحروب القبلية "الأهلية"، وقد أسعرها الغزو الروماني لمصلحته، وجاءت تحت مصطلح " حروب ملوك الطوائف".                                            

ويتبدى أن فارقاً زمنياً كبيراً بين التقويم الحميري والميلادي للأحداث، الأمر الذي يُثير الشُبهة. ولدى التدقيق، كان ينبغي العمل على اقتطاع "مئة" عام للمُقاربة التاريخية الصحيحة.  وقد ورد في نص "السترابون" : " أن اميراً يهودياً يمنياً يُدعى "مرأقس بن عوفيم" أو "أمرء القيس بن عوف" كان قيلاً من قبيلة "كندة"، بيد أن الاستشراقيين كانوا قد ضمنوها في" ديوان أمرء القيس" ويبدو أن هذا القيلَ قد وضع نفسه خادماً للغزاة الرومان مقابل إعادة عرشه له، وعند التحقق مما في الذاكرة المسيحية، فإن الرومان حوّلوا الاسم إلى "مُرقص" أو "ماركيوس" أو "ماركس" وهذا ما ورد في "نقش جام" /575/.                              
           
حاول اليهود بعد مراحل زمنية متقدمة وضع مقام روحي تاريخي بهم، خاصة عند اتهموا الإمبراطور الروماني بأنه هو من أقدم على حرق وتحطيم الهيكل العبري في أورشليم القدس في فلسطين، ما حدا بالإسرائيليين لأن يقوموا بالتنقيب عن بقايا هيكلهم المزعوم تحت قبة الصخرة في أورشليم / القدس في فلسطين، علماً أن ما استخدم الرومان من عتاد ومنجنيقات ومقاليع وأكباش حديدية باتجاه الحصون المشادة على مرتفعات جبلية في إب اليمنية، لا ينطبق هذا الوصف على أورشليم فلسطين قطعاً، ما أدى إلى سقوط الأسوار والتقدم صوب الهيكل.       
"الربيعي" ينتقد مُفنداً هذه الرواية بقوله:" إذ أن من قام بالهجوم على أورشليم في إب اليمنية هو زعيم مقاطعة "طيط" أو "طيطس" اليهودي اليمني المُرتد الذي انهزم أمام المقاومين" . وأن ما تنبغي الإشارة إليه أن هناك خصومات قديمة بين أبناء الجد الواحد "عابر"، فالسبئيون من قبائل الشمال  والحميريون من قبائل الجنوب  .                                                    
إن التشبث الإسرائيلي "الكيان الصهيوني" الحديث في ما أوردته المُدونات والأدبيات الإسرائيلية ، المتقاربة في الأماكن والمواقع وأسماء الشخصيات الفاعلة من قادة عسكريين وحكام وكهنة، مثلاً: أورشليم، "السامرة" في فلسطين هي في الواقع موجودة على جبل "شمير مقبنة" عاصمة إسرائيل في شمال اليمن، غرب تعز. ولهذا من غير المؤكد وجود بلدة تُدعى "شمير / المقبنة في فلسطين، علماً أن الرومان تقدموا إليها طمعاً بثرواتها(البخور، اللبان، التوابل، الفضة، الذهب).                                                                                   
حاول اليهود من خلال السفرين اللذين ذكرا واقعة تخريب الهيكل الثاني وتدمير مدينة أورشليم، وإسناده إلى التاريخ اليهودي الفلسطيني، ولدى التحقق من نص "المكابيين"، تبيّن أن سارده لا يعرف جغرافيا فلسطين، وأما الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية، فتعترفان بالسفرين، فالأول كُتب بالعبرية وتُرجم إلى اليونانية، والثاني قريب في معلوماته من السِفر الأول.               
 
وذكر "الربيعي" أن يهود اليمن انقسموا إلى فرق هم: الفريسيون، والصدقيون، والأسينيون (الحسيديون)، وهذا ما لا يعرفوه الفلسطينيون، ويأتي مذهب كاهن أورشليم "صدقية" في مقدمة تلكمُ المذاهب، لأن مهمة هذا المذهب، هو جمع الضرائب والصدقات والزكاة وتوزعها على المحتاجين والفقراء، أما الفريسيون فهم الذي يتصفون بالذكاء والفراسة والفقه في التشريع والتأويل ويطلق عليهم "التلموديون" وتعني التلاميذ الذي يدرسون الشريعة اليهودية. (4).      
   بطبيعة الحال يتكلم اليهود اللغة الدينية اليهودية، وهي قريبة من اللغة العربية، لأسباب تعود إلى وحدة الجغرافيا والبيئة والروحانيات العبادية المقدسة "المُكدّش" أو "المُقدّس" ولهذا امتازوا بعقيدة إيمانية واحدة..                                    
وعلى هذا السوق يُقارن "الربيعي" في بحوثه التحليلية المُتضاربة المتناقضة التزييف في سائر المسروديات حتى في النص "التوراتي" مغالطات ينبغي الوقوف عندها وتصحيحها. ويورد ما معناه: أن ثمة تداخل مغلوط في نقل المعلومة التاريخية والتفسير الديني، سواء أكان في الأسفار أو التوراة أو حتى عند المجتهدين الإسلاميين . لنأخذ عينة تخصّ حادثة "الفيل" و "أبرهة الحبش"، وهدم الكعبة . الحقيقة، ليس جيش الرومان، وإنما كان التقدم صوب أورشليم، هو للقضاء على الزعيم الثائر المقاوم "يهوذا / شرح إيل يحضب الثاني"، وأن أبرهة هي منطقة في محافظة تعز / مديرية مقبنة، عزلة الخياشين، تم إعداد جيش وفيلة كثيرة، توجهت صوب هيكل "أورشليم"، وكان يتقدمهم فيلٌ عملاق ـــ علماً ـــ هناك عدة بلدات تُدعى الفيل في تلك المنطقة، ما لبث أن اقتحم صفوف الجند رجل شجاع يدعى "العازر بن سوران بن ربيعة " من بني "بكيل بن جشم" حتى أدرك الفيل وقتله. ـــ الربيعي ـــ وهناك استغراب كيف ورد أسم العزر بن جشم في التوراة (5)  .                                                              
                .                                                    
  يقول الأستاذ " فاضل الربيعي": لقد تغيّرت "أورشليم" على يد الكهنة المتحالفين مع الرومان الوثنيين جذرياً، إذ تحوّل الناسُ إلى المعتقد الوثني بدلَ المعتقد اليهودي، نتيجة لظلمهم وحصارهم وتجويعهم، وأخيراً تنازلوا عن كل شيء لقاء ضمان حياتهم، وهكذا رحل الزعيم القائد العبري "يهوذا/ إيل شرح يحضب"، فندبت ونحبت جموع القبائل على رحيل ذالكم القائد الملحمي الكبير "مُخلص إسرائيل.     
وهكذا كل الاستنتاجات الشاذة ، والمهيمنة على السرد التاريخي حتى اليوم في الأوساط العلمية والأكاديمية عن هذه الثورة المزعومة لا قيمة علمية له. إذ أن التاريخ الحقيقي المسكوت عنه يقول شيئاً مختلفاً ومغايراً .                     

* منير الحافظ: ليسانس فلسفة وعلم النفس، جامعة دمشق، 1975م
•    عضو اتحاد الكتاب العرب ــ جمعية البحوث والدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...