تركيا – سوريا: طريق المصالحة المسدود
في الأشهر الأخيرة، أصبح الحديث عن تطور العلاقات بين تركيا وسوريا قليلاً، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية في مايو الماضي، يبدو أن فكرة المصالحة التي أطلقتها تركيا منذ عام ونصف تقريبًا لم تتجاوز فترة الانتخابات، وعندما فاز رجب طيب إردوغان بالرئاسة مرة أخرى، بدأت هذه الفكرة تتلاشى مرة أخرى، ومع ذلك، تستمر المواقف التركية حول هذه القضية، حيث أكد وزير الدفاع ياشار غولر في ندوة صحفية في ديسمبر الماضي أن “تركيا تواصل نشاطها في تقديم المساعدات الإنسانية وبناء البنية التحتية لاستعادة الحياة إلى طبيعتها في سوريا، وهدفنا الرئيسي هو التوصل إلى حلا سياسياً بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015”.
وفي سياق آخر، أعرب وزير الخارجية حاقان فيدان عن أهمية تجنب أي صدام بين النظام والمعارضة في سوريا، حيث قال إن “الأولوية الآن هي عدم حدوث نزاع بين النظام والمعارضة، يجب الحفاظ على الصورة كما رسمناها في إطار اتفاق أستانا، وذلك لتجنب حدوث موجات هجرة جديدة وتعزيز التفاعل والسلام في المنطقة، أي صدام عسكري قد يفتح المجال لتنظيمات إرهابية جديدة، لذا فإن عدم حدوث صدامات يعطي فرصة للجهود الدبلوماسية”
تسلط هذه المواقف، التي جاءت في فترة قصيرة للغاية، الضوء على موقف تركيا من تطورات الأزمة السورية، إذ باتت تركيا، بالإضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، من بين الدول الثلاث المعنية مباشرة بالأوضاع في سوريا، يحدهم تركيا من الشمال بحدود برية تبلغ حوالي 911 كيلومتر، وبخلاف قضية لواء الإسكندرون، الذي ضمته تركيا باتفاق مع فرنسا قبل 85 عامًا، والذي لم تعترف قيادة سوريا به بعد استقلالها في عام 1946، أصبحت تركيا الطرف الرئيسي في القضية السورية بعد اندلاع الأزمة في 2011، وقد دعمت تركيا علنياً المعارضة المسلحة السورية، وشاركت بنفسها في الاحتلال الجزئي لمناطق واسعة في الشمال الغربي بين 2016 و2019، حيث ما زالت قواتها حاضرة.
في أغسطس 2022، أعلنت تركيا، من خلال وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، جاهزيتها للمصالحة مع سوريا للوصول إلى حل للأزمة، وقد اعتبر هذا التصريح تحولًا في وجهة نظر أنقرة نحو الوضع مع جارتها، وتلا ذلك تصريحات من جانب إردوغان، وعقدت العديد من الاجتماعات بدءًا من نهاية العام وحتى منتصف مايو 2023، عندما جرت الانتخابات التركية التي فاز فيها إردوغان بولاية ثالثة، وبعد ذلك، اختفت محاولات المصالحة ولم يعود هناك أي ذكر لها، وكأن الاهتمام بها كان مرتبطًا بنتائج الانتخابات، حتى وإن كان الفوز بالنسبة لإردوغان يُعَدُ تحالفًا، اعتبرت أنقرة أن الموضوع انتهى.
في الفترة الأخيرة، كانت أولوية تركيا تتمركز حول مواجهة نشاط “حزب العمال الكردستاني”، سواء في مناطق شمال العراق أو في شمال سوريا، يعتبر الجيش التركي وجود “قسد” في شمال سوريا، والتي يعتبرها أنقرة امتدادًا لـ “الكردستاني”، هو السبب الرئيسي وراء سلسلة العمليات العسكرية التي بدأها، بدءًا من “درع الفرات” و”غصن الزيتون” وصولاً إلى “نبع السلام”، والتي أدت إلى احتلال أجزاء واسعة من الأراضي السورية، باتت المنطقة الشرقية لنهر الفرات وشمال العراق مسرحًا واحدًا للعمليات العسكرية التركية، حيث لا تتوقف الطائرات التركية عن انتهاك الأجواء السورية تحت مبرر ضرب مواقع “الكردستاني” وغيرها، آخر هذه الغارات استهدف مواقع كردية في شرق الفرات بالقرب من الحدود العراقية، ردًا على هجوم نفذه مقاتلون تابعون للحزب على قاعدة عسكرية تركية في خاكورك شمال شرق العراق، مما أدى إلى مقتل تسعة جنود أتراك.
من ناحية أخرى، تتمثل الأولوية الثانية لتركيا في مواجهة مشكلة اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى تركيا وبلغ عددهم حوالي أربعة ملايين، ورغم الرفض المتزايد للسوريين في تركيا، إلا أن اللاجئين أصبحوا موضوع استغلال سياسي من قبل جميع الأطراف الداخلية، ويواجه اللاجئون في تركيا تحديات إضافية مثل المسلحين في إدلب والمناطق التي احتلتها تركيا، بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية المتعلقة بالحدود بين البلدين، ويعقد الاحتلال الأمريكي لمناطق شرق الفرات الأوضاع.
مع ذلك، في سياق العلاقات المباشرة بين تركيا وسوريا، تظهر مواقف أنقرة الأخيرة كمحاولة لسد الفجوة التي فتحت في العلاقات بين البلدين، يتضح من مطالب غولر بدستور وانتخابات أن الأتراك يضعون شروطًا تعجيزية لتحقيقها، وتصريحات وزير الخارجية، خاصةً في ظل الهجوم على غزة والاهتمام الكامل لجميع اللاعبين فيه، لا تشير إلى أن هناك نية في تركيا لفتح صفحة جديدة مع سوريا، بل تعكس ارتياحًا للاستمرار في الوضع الحالي، بشكل عام، يظهر أن الاحتلال مستمر والطريق إلى المصالحة مسدود.
الأخبار اللبنانية
إضافة تعليق جديد