عصابة تقتل مرضى القلب و السرطان ببيعهم الماء على أنه الدواء
ألقي القبض على عصابة مكوّنة من أكثر من 10 أشخاص تقوم بتزوير أدوية في مدينة حلب، والشروع بقتل مئات السوريين الذين تعاطوها على مدى أكثر من 10 سنوات.
وتم التعتيم على الخبر الفاجعة بالرغم من أهميته، بروزه، وتأثيره الكبير والنوعي، ولما يمكن أن يحدثه من زلزال في التعامل مع الأدوية الأجنبية المهربة، وفق ما سيتم توضيحه لاحقاً.
وبعد الاطلاع التحقيقات، وتواصل مع مصدر مطلع على التحقيقات، واحتراماً لكون القضية أصبحت أمام القضاء، سنحاول عدم الدخول في التفاصيل، والاكتفاء بالحديث عن بعض النقاط المهمة.
لماذا مصطلح “العصابة”؟
احترنا في بداية الأمر حول ما يمكن أن يطلق على مجموعة الأشخاص الذين تم القبض عليهم، هل هم متهمون؟ شبكة؟ عصابة؟ أو أي تسمية أخرى، وخلصنا إلى أن مصطلح “العصابة” هو المصطلح المناسب لتوصيفهم.
وتعرف العصابة في اللغة العربية بأنها عبارة عن “مجموعة من الأشخاص الذين يشكلون منظمة إجرام من خلال تنظيم وتشكيل وارتكاب الأعمال الإجرامية”.
فهل الشروع بقتل مئات السوريين على مدى أكثر من 10 سنوات هو جريمة؟.. ببساطة “نعم”، إذاً فهم عصابة.
ما هي آلية عمل هذه العصابة؟
وشرح مصدر مطلع على التحقيقات لتلفزيون الخبر، أن هذه العصابة، وعلى مدى أكثر من 10 سنوات، كانت تزوّر أدوية وتبيعها على أنها أدوية أجنبية وبأسعار كبيرة جداً.
إذ بيّنت الموجودات التي تم ضبطها، من آلاف العبوات الزجاجية الفارغة وماكينات الطباعة الحرارية وأكوام السيرومات الملحية، وعشرات المضبوطات الأخرى، أن العصابة كانت تقوم بتعبئة السيروم الملحي في زجاجات الدواء، وتطبع عليه اسم الدواء الأجنبي، وتوّزعه ليتم بيعه على أنه دواء أجنبي مهرب.
إلى هنا والأمر قد يعتبر عادياً، لمجموعة من الأشخاص الذين باعوا ضميرهم، بغية استغلال حاجة الناس، بحثاً عن الإثراء الذي أصبح “موضة”، وخاصةً في زمن الحرب على سوريا، حتى تعرف ما هي الأدوية التي كانوا يزورونها.
ما هي الأدوية التي كانت العصابة تقوم بتزويرها؟
اعترف الموقوفون الثلاثة الأساسيون أنهم أقدموا على تصنيع أدوية أجنبية بشرية مزوّرة عن طريق تعبئة علب الأدوية (إبر كزاز – إبر إيبوتين – إبر تنافر زمر – إبر ميتوتركسات خاصة بمرضى السرطان) باستخدام مواد خالية من أي مادة دوائية (عبارة عن سيروم ملحي إضافة لحب فوليك أسيد).
وجاء في لائحة الاتهام أن هذا الأمر أدّى إلى الشروع بقتل مئات المرضى الذين استخدموا هذا الدواء الخالي من أي فعاليّة دوائية.
فمئات السيدات اللواتي كن ينتظرن مولودهن، وقتل هذه المولود في أرحامهن دون أن يعرفن السبب، ومئات مرضى السرطان ماتوا على الرغم من تناولهم الدواء بملايين الليرات السورية، وربما اعتقد أهلهم أنهم ماتوا لأنهم مصابين بالسرطان ببساطة.
ومئات مرضى غسيل، أو زراعة الكلى ماتوا، على الأغلب وهم لا يعرفون السبب، ببساطة كانت هذه العصابة تلعب دور “القدر” وتبيع الموت لمن يصارعونه.
طبعاً هناك عدد كبير من الأدوية المضبوطة التي كانت العصابة تزوّر بلد المنشأ فيها وتطبع لصاقات جديدة، وتبيعها على أساس أنها أدوية مهربة، بأضعاف أسعارها.
ماذا يعني أضعاف أسعارها؟
كمثال، يمكن لأي شخص، غير متخصص، أن يقوم بحساب كمية السائل في كيس السيروم وكم حقنة من “عامل الريزوس” أو إبر تنافر الزمر كما تسمى، يمكن أن تنتج، وبحسبة بسيطة يمكن للكيس من حجم الـ1000 مل من السيروم تعبئة نحو 500 إبرة.
وتُباع حالياً إبرة “تنافر الزمر” ذات المنشأ الأوروبي المهربة، بحوالي 500 ألف ليرة سورية، وبالتالي كل كيس سيروم “يرسمل” بـ250 مليون ليرة سورية.
وإذا قلنا أننا بالغنا في الحساب، وأخذنا واحد بالعشرة فقط، فإن كيس السيروم الواحد ينتج 25 مليون ليرة سورية، فماذا يمكن أن تنتج آلاف أكياس السيروم؟.
وكشف مصدر مطلع على التحقيقات لتلفزيون الخبر، أن الحاسوب المضبوط لدى العصابة بيّن وجود حوالات شهرية يقوم بها رئيس العصابة، إلى عائلته في ألمانيا بشكلٍ منتظم، قيمة كل حوالة 100 ألف دولار.
مليارات الليرات السورية وضعتها العصابة في حساباتها المصرفية ثمناً لموت محتوم حكمت به على سوريين، يعلم الله كيف كانوا يجمعون ثمنه وماذا باعوا ليحصّلوه؟.
أين وزارة الصحة؟
لن نسأل عن دور وزارة الصحة في الرقابة والمتابعة؟ وأين كانت طوال هذه السنوات عن هؤلاء وغيرهم؟، لكن لا بد من السؤال عن دور الوزارة في التوعية وعلاقتها بالإعلام؟.
وإن كانت الوزارة تعتقد أن مهمتها تقتصر على الإعلان عن حملة تلقيح وطني هنا، وورشة وندوات لمسؤوليها هناك، وأنها بذلك تقوم بمهمتها على أكمل وجه، فهنا الكارثة.
يكاد يجمع العاملون في الإعلام أن التواصل مع المكتب الصحفي في وزارة الصحة هو من أصعب عمليات التواصل، وهنا لا يقصد المكتب الصحفي بذاته، لكن العقلية التي تُدار بها الوزارة، وقدرتها على التعامل مع متطلبات، أو لغة العصر، وإيمانها بدور الإعلام في بلد يتعرّض للحرب منذ أكثر من 10 سنوات، علماً أنها وزارة تعتبر “خدمية”.
وكان يعتبر القبض على هذه العصابة فرصة ذهبية لوزارة يهمها تأدية دورها في مجال التوعية، فيمكن أن تصرخ من خلال هذه القضية بالفم الملآن “أيها المواطن هذا هو الدواء المهرب الذي تدفع ثمنه أضعاف أضعاف الدواء الوطني..”، وتصنع من هذه القضية قضية رأي عام تدعم به الدواء الوطني، وتنشر الوعي بمخاطر اللجوء للدواء المهرب غير معروف المنشأ.
وفي اتصال “ودّي” مع مسؤول في الصحة، وتنبيهه إلى هذا الأمر وخطورته، وأن من مصلحة وزارة الصحة دعم تحويل القضية إلى قضية رأي عام، رفض المسؤول، مكتفياً بالقول إنه “يلتزم بتعليمات الوزارة”.
العصابة تبحث عن “لفلفة القصة”
انتشر حديث هنا وهناك في الشارع الحلبي، حول أن العصابة تحاول “لفلفة القصة”، كون مئات آلاف الدولارات لديها تعتبر “مبلغاً من طرف الجيبة” بعدما جمعته خلال كل هذه السنوات من أرواح السوريين وجيوبهم.
إلّا أن مصدراً أكّد أن القضية متابعة على أعلى المستويات، وعن كثب، ومن المستحيل أن تفلت هذه العصابة من العقاب الذي تستحقه.
يُذكر أنه يحسب للجهة التي أجرت التحقيقات، مهنيتها، والجهد الذي بذلته والذي استمر لقرابة الشهر، وتابعت فيه كل صغيرة وكبيرة في هذه القضية، مثبتة كل اتهام بالأدلة الدامغة التي تضمن سير القضية في الاتجاه الصحيح.
تلفزيون الخبر
إضافة تعليق جديد