الواحدُ الذي : "اثنان" "مرثيّة مبكرة"
نزيه أبو عفش:
ذاتَ يوم، سيفيقُ أحدُهما
فلا يجدُ مَن يقول له : "صباح الخير..".
ما أعظمَ حسرتَهُ
ذاك الذي سيكونُ الناجي!
*
كجميع العشّاقِ المتقاعدين:
الأزواج لا ينتبهون إلى قيمةِ ما أحَبّوه
إلّا بعدَ خسارتهِ.
*
المتَرَمِّل هو العاشقُ الذي
كَتَبَ عليه غيابُ مَن أَحَبّ
أنْ يُمضيَ ما بقي مِن حياته.
مُعانِقاً شبحَ جثّةْ.
*
"إثنان" هما ؛ إلى الأبدِ "اثنان".
حتى حين لا يكون قد بقيَ غيرُ واحد، يظلّان "اثنين".
فراغُ أحدهما (فراغُ الغائب) يشغلُ جميعَ أطرافِ المائدة،
فيما الآخرُ (الآخرُ الذي نجا)
يُحدِّق في الهواء باحثاً عمّن يُقَطِّبُ في وجهه ويقولُ له:
"أين طارت المملحة؟".
*
الميّتُ لا يحزن. الميّتُ لا يَفتقِدُ ولا يذرفُ الدموع. الميّتُ لم يَنقص ولم ينشطر قلبُه. الميتُ لا يزالُ كاملاً في نظرِ موته. الميّتُ لا يَتَهدّدُهُ الموت. الميتُ مقيمٌ في منتجع الأبدية.
وحدَهُ الذي وَدَّعَ
يوجعُهُ موضعُ قلبه
ويَـتأوّهُ على نصفِ نفسِهِ المفقود.
*
طوالَ ما الحياةُ ماشيةْ:
الحبُّ تحصيلُ حاصل.
وحدهُ الموتُ امتحانُ المحِبِّين.
*
"حُلَّ عن قلبي!" / يقولُ العاشقُ البَطِر.
لكنْ، حالَما يُحَلُّ عن قلبه،
يكتشف أنه صار بلا قلب.
نعم : الموتُ امتحانُ المحبِّين.
*
في هناءةِ بيتِ العِشرةِ (هناءةِ الاعتياد):
"الواحدُ" ليس نِصفَ "الاثنين".
إنهُ: كِلاهما.
*
الإنسانُ (تأنيثاً وتذكيراً) يَـتأفّف.
ما دام مُرتَوِياً مِن حنانِ "الجماعةِ".. يتأفّف.
(يتأفّفُ بسببِ "لو.."، ويتأفّفُ بسببِ "لولا...".
لكنْ، حالما يزولُ ما يدعو إلى التأفّف،
تزولُ الهناءةُ، وتَحُلُّ عتمةُ الفقدان.
*
الوحدةُ (وحدةُ مَن لم يكن وحيداً) ليست مجرّدَ إصابة.
إنها عاهةْ..
عاهةٌ خبيثةٌ في الدماغِ، وفي المخَيّلةِ، وفي جوفِ القلب.
عاهةٌ لا يشفيها إلّا الموت.
هي ليست خسارةَ ضلعٍ من قفصِ الصدر.
إنها قفصُ القلب، وطائرُه.
*
في بيتِ الحبّ لا يُسألُ عن السعادة.
السعادةُ هي ما لا يُنتَبَه إليه إلّا حين يُفتَقَد.
..
السعادةُ لا يمكن أن تكون "واحداً".
السعادةُ هي الـ "إثنان"..
الـ "إثنان" الذي هو "الواحد".
*
مِن بينِ جميعِ تَضَرُّعاتِ أولادِ الأرض
يوجعني هذا التَوَسُّل:
"أبانا.. لا تُدخِلْنا في التجربةْ!".
* *
يا للهول!.. يا للهولْ!
ذاتَ يومٍ سيفيقُ أحدُنا
فيجدُ نفسَهُ "واحداً".
..
نعم. عثرتُ على الكلمةِ المناسبةْ:
"الهَلَع..".
13/1/2016
إضافة تعليق جديد