مناهضة التطبيع مع سوريا: أميركا تريد تأبيد الحرب
نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية مقالاً سلطت فيه الضوء على قانون مناهضة التطبيع مع سوريا إذ يقول كاتب المقال :
في خطوة جديدة على طريق الحصار المشدّد الذي تفرضه الولايات المتحدة على سوريا، وافق مجلس النواب الأميركي، أمس، على مشروع قانون يحمل اسم «مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023»، يحظر التطبيع مع الحكومة السورية، ويوسّع القيود التي يفرضها «قانون قيصر». ويستهدف هذا القانون منع أي عمليات إعادة إعمار في هذا البلد، والحيلولة دون فتح الباب أمام عودة النازحين واللاجئين السوريين إليه، فضلاً عن محاولة إغلاق ما تبقّى من قنوات تواصل اقتصادية تمر عبرها السلع التي يحتاج إليها السوريون، بما فيها المساعدات الإنسانية التي يفرض «قيصر» رقابة صارمة وتحقيقات متتالية حولها.والجدير ذكره، هنا، أن مشروع القانون الذي قدّمه عدد من أعضاء مجلس النواب الأميركي (من الحزبين الديموقراطي والجمهوري)، تمّت صياغته بالتعاون مع مجموعة أميركيين من أصول سورية، بعدما قامت الولايات المتحدة، عبر وزارة الخارجية، بدعم نشاط هؤلاء، وتصعيدهم إلى الواجهة، في محاولة لفرضهم بديلاً من التشكيلات المعارضة القائمة فعلاً، والتي تتحكّم بها الحكومة التركية بالإضافة إلى قطر.
وتركّز بنود المشروع، بشكل واضح، على محاولة قمع أو منع أي انفتاح على دمشق، بما فيه أي تواصل من مسؤولين أميركيين، وهي تضمّنت عبارات واضحة من مثل «مراجعة محاضر اللقاءات التي جرت بين مسؤولين سوريين وأي ممثل عن حكومة تركيا أو الإمارات أو مصر أو الأردن أو العراق أو عُمان أو البحرين أو الكويت أو السعودية أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو ليبيا أو لبنان على التوالي».
ويطلب المشروع، ضمن مدة لا تزيد على 180 يوماً بعد إقراره، «تقديم تقرير واستراتيجية للجان الكونغرس المناسبة، للوقوف ضد الإجراءات التي تم القيام بها أو التخطيط لها من قبل الحكومات الأجنبية بهدف التطبيع مع النظام السوري أو للتعامل معه أو لتطوير العلاقات السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية معه». كما يتضمن تهديدات بـ«العقوبات الإلزامية الأساسية والفرعية الواردة في قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019»، والتي تمتد لتفرض عقوبات على أي كيان أو دولة تتعاون مع دمشق، وفق بنود محددة، بما فيها بند إعادة الإعمار، أو التحويلات المالية، أو التعاملات التجارية وغيرها.
إضافة إلى ما تقدّم، يشمل القانون بنوداً واضحة تهدف إلى محاصرة المنظمات التابعة للأمم المتحدة والتضييق عليها، بهدف منعها من تقديم أي مساعدات للمناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، وخصوصاً منها منظمة «الأمانة السورية للتنمية»، والتي تتعاون مع المنظمات الأممية في تقديم الدعم في تلك المناطق، وتنفذ مشاريع عديدة. كما يحمل المشروع قيوداً جديدة على نشاط شركتَي الطيران العاملتين في سوريا، «السورية للطيران» و«أجنحة الشام»، وسط تلويح بمعاقبة المطارات التي تسمح لطائرات الشركتين بالهبوط.
وكان جرى طرح المشروع نفسه قبل نحو تسعة أشهر، لكنه قوبل بعراقيل عديدة من قبل منظمات إنسانية تعمل في مناطق سيطرة المعارضة، رأت في بعض بنوده تقييداً لنشاطها، قبل أن يتم تمريره، أخيراً، بموافقة 389 عضواً ومعارضة 32. وبذلك، بات القانون أمام مجلس الشيوخ، وفي حال نيله موافقة الأخير، يُحال إلى الرئيس جو بايدن لنيل توقيعه، ومن ثم يصبح نافذاً. ويعني هذا مجرد خطوة واحدة على طريق طويل نسبياً، في ظل الإشكالات التي يحتويها القانون، والتي يحدّ بشكل أو بآخر من صلاحيات الإدارة في تعاملها الخارجي.
وفي تعليقه على ذلك، نشر محمد غانم، مسؤول السياسات في «التحالف الأميركي لأجل سوريا»، وهو تحالف يضم مجموعة من المنظمات الأميركية التي تنشط فيها المعارضة السورية الناشئة في واشنطن، عبر حسابه على موقع «X»، تغريدة مطوّلة، اعتبر فيها تمرير مشروع القانون «إنجازاً سياسياً وإنسانياً ضخماً يدفع إلى الفخر»، متوجّهاً بالشكر إلى الأعضاء الذين صوّتوا لصالح المشروع، موضحاً أن العمل عليه تمّ قبل 13 شهراً، ومرّ «بمراحل عديدة تضمّنت 327 اجتماعاً وزيارة مختلفة لمكاتب الكونغرس»، واصفاً ما جرى بأنه «لحظة مفصلية لا في تاريخ العلاقات الأميركية السورية فحسب، بل وفي تاريخ جهود المناصرة التي اضطلعت بها الجالية السورية الأميركية منذ العام الأوّل لانطلاقة الثورة السورية»، وفق تعبيره.
وكان سبق التصويت على القانون، لقاء أجراه رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، وزعيم الأقلية الديموقراطية في المجلس، حكيم جيفريز، بالملك الأردني، عبدالله الثاني، خلال زيارة الأخير لواشنطن، علماً أن الأردن كان من أُوليات الدول التي فتحت الباب أمام استعادة العلاقات الطبيعية مع الحكومة السورية، أملاً في التخلص من الآثار الكارثية للحرب وخصوصاً منها عبء اللاجئين. وجاء ذلك ضمن مبادرة عُرفت حينها باسم «اللاورقة»، وشكّلت أحد أسس «المبادرة العربية»، التي دعمت خطة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، المعروفة باسم «خطوة مقابل خطوة»، والتي تقضي بتقديم خطوات انفتاحية على دمشق مقابل خطوات محددة من الحكومة السورية، وهي الخطة التي انتقدها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، معتبراً أن دمشق قامت بعشرات الخطوات من دون أي مقابل.
وعموماً، لا يُعتبر القانون الجديد جديداً فعلياً، إذ عبّرت واشنطن مراراً عن رفضها أي خطوات انفتاحية على دمشق، كما حاولت عرقلة جميع الجهود الدولية، والعربية لحل الأزمة السورية، وأعاقت بشكل علني جهود إعادة اللاجئين والنازحين «من دون ثمن سياسي»، ضاربة عرض الحائط بالآثار التراكمية على حياة السوريين الذين تدّعي الدفاع عن مصالحهم، حيث يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، ويعاني الملايين منهم من حالة فقدان للأمن الغذائي، وسط تراجع مستمر في تمويل برامج الدعم الأممية. غير أن الجديد في هذا المشروع، تلويحه العلني بمعاقبة الدول التي انفتحت على دمشق، وإعلانه بشكل واضح زيادة الضغوط على السوريين، ومنع أي انفراجات محتملة، ما يعني الإصرار على تدمير ما يمكن تدميره مما تبقّى من قطاعات سورية تكافح من أجل الاستمرار، بعد حرب دامية تأمل واشنطن تأبيدها.
إضافة تعليق جديد